من يتابع حركة تطوّر معركة الجيش واللجان الشعبية اليمنية بمواجهة تحالف العدوان ، وخاصة في المرحلة الأخيرة، لا بدّ من أن يلمس أن هذه الحركة هي غير طبيعية وغير مألوفة، لناحية صمود ونجاح دولة متوسطة الإمكانيات، محاصرة، مستهدفة ببنيتها التحتية وباقتصادها وبمعابرها، بمواجهة أكثر من دولة إقليمية وغربية، من التي تمتلك القدرات الضخمة والإمكانيات العلمية والمالية والعسكرية المرتفعة ، وليس هكذا فقط ناحية الغرابة في الموضوع، بل سوف يستنتج وبما لا يقبل الشك ابداً، أن هذه الدولة المتوسطة الإمكانات، سوف تنتصر على تحالف واسع من تلك الدول صاحبة الإمكانات الضخمة.
هذا الانتصار الموعود لليمن بمواجهة تحالف العدوان، والذي يمكن القول انه على قاب قوسين او أدنى، جاء وليد جهود ضخمة بذلتها قيادة الجيش واللجان الشعبية، تُرجِمت على ارض الواقع وفي الميدان، من خلال المراحل والمحطات التالية:
ـ تصنيع وامتلاك قدرات نوعية لا تختلف ابداً في مستواها وإمكانياتها التقنية والعسكرية عن قدرات الدول الكبرى، نعني الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية بعيدة ومتوسطة وقريبة المدى، القادرة على حمل الحشوات المتفجرة مختلفة الأحجام، ونقلها مسافات بعيدة بعد توجيهها بدقة متخطية منظومات الدفاع الجوي المعادية، من الأحدث والأكثر تطورا، وعشرات عمليات الاستهداف البعيدة المدى تثبت ذلك، وآخرها كانت عملية توازن الردع الثالثة، حيث تم استهداف مدينة ينبع الصناعية السعودية على البحر الأحمر، بواسطة عشرات الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية، ولمسافة تجاوزت الف كلم.
ـ تطوير مناورة القتال البري والعمليات العسكرية في الداخل وعلى الحدود، من خلال التوصل إلى مستوى متقدم جدا على صعيد العمليات الهجومية العنيفة أو العمليات الخاصة والإغارات، أو على صعيد الكمائن النوعية والاستراتيجية، والتي تنفذ بوحدات ثابتة ومتحركة، ضد وحدات عدوة كبرى مؤلفة من عدة فرق وألوية، منتقلة أو متمركزة، وعمليتا “نصر من الله ” في نجران و”البنيان المرصوص” في نهم ومارب والجوف، تثبتان ذلك المستوى المتقدم من مناورة القتال البري المتحركة، هجوما ودفاعاً.
ـ هذا المسار من التطور الذي فرضته معركة الجيش واللجان الشعبية، في مختلف أوجه عناصر المعركة التكتيكية والاستراتيجية، في الداخل أو خارج حدود اليمن، لم يكن ينقصه إلا ما تمّ الكشف عنه مؤخراً من أنظمة دفاع جوي (ثاقب 1 وثاقب 2 وثاقب 3 وفاطر 1) والتي جرى تطويرها بخبرات يمنية بحتة، تبين انها تضاهي تلك التي تمتلكها اكثر الجيوش تطورا، لناحية المدى الفعال وقدرة الرادار على الكشف المبكر وعلى متابعة اكثر من هدف في نفس الوقت، مع القدرة على التعامل مع أغلب الأجسام الطائرة، من قاذفات أو طوافات أو صورايخ.
لقد تم إثبات فعالية تلك المنظومات من خلال مسار متصاعد من إسقاط عدد كبير من طائرات العدوان المسيرة وطوافاته وقاذفاته الحربية، والتي هي من إنتاج دول كبرى مشهود لها بصناعاتها العسكرية المتطورة، كالصين والولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا وبريطانيا، وقد جاءت الضربة الأخيرة للتحالف بإسقاط قاذفة تورنيدو المتطورة، والتي تعتبر فخر الصناعة الجوية الأوروبية (إنتاج مشترك الماني بريطاني وإيطالي)، لتشكل له صفعة مدوية، وذلك نظرا لما تمتلك هذه القاذفة من مميزات تقنية وفنية، كان من المفترض ان تحميها من صواريخ الدفاعات الجوية اليمنية المطورة حديثا.
من هنا، وبعد إدخال منظومات الدفاع الجوي اليمنية في المعركة بشكل فعال، وإثبات هذه الفعالية من خلال أسقاط طائفة واسعة من الطائرات المعادية بشكل عام، وقاذفة التورنيدو بشكل خاص، وحيث ان هذا التطور في القدرات النوعية، قد خلق تحولا مفصليا في مسار الحرب على اليمن، بالإضافة إلى انه يجب أن نأخذ كلام وقرار السيد عبد الملك الحوثي بأن العام الحالي (2020) سيكون عام الدفاع الجوي، ومصداقية السيد الحوثي في ترجمة الأقوال إلى أفعال ثابتة ومؤكدة تبعا لمسار كامل من التجارب الصادقة، يمكننا القول وبكل ثقة، أن العدوان على اليمن بدأ يفقد آخر أوراقه (القوة الجوية)، والتي طالما اعتبرها قوية واعتمد عليها في شن الحرب، وبالتالي هو ذاهب حتما نحو الانسحاب من هذا العدوان ولم يبق له إلا إيجاد المخرج المناسب لهذا الانسحاب.