ليس اعتباطاً أن يجري تكريس صورة العالم والمخترع والمبتكر في أذهان الأطفال والشبيبة كعجوز أشيب الشعر متغضن الجلد تملأ وجهه التجاعيد وبظهر متقوس يتحرك بالكاد
.
أفلام ومسلسلات الكارتون، وعبر هذه الصورة غير العفوية، تستأصل تدريجياً من نفوس الأطفال والشبيبة نزوع التجريب والابتكار والبحث، وطموح الاكتشاف، فمثل هذه المجالات مقصورة فقط على عدد محدود من البشر الذين بلغوا من العمر أرذله، طبقاً للرسالة الصامتة والطاغية والنمطية للعالم والمخترع والمبتكر، في تلك الأفلام والمسلسلات الكارتونية التي تحتكر هوليوود وبضع شركات غربية صناعتها عالمياً
.
بالنسبة للناشئة العربية والمسلمة، فإن العالِم الذي ينتمي لذات الأمة العربية والإسلامية هو تاريخ متحفي سحيق وفلتة من فلتات الزمان لا يمكن أن تتكرر أو تجد امتداداً لها في جيلهم، وعليهم أن يتداولوا أخباره – فقط – من قبيل المباهاة بكنز مفقود للأبد أو النواح العاجز على رصيد ماضوي ديني وقومي انطوى واندثر ولا سبيل لنفخ الروح فيه أو إعادة إنتاج رصيد مماثل له في حاضر اللحظة وراهن الصراع وتحدياته
.
وبالتزامن مع هذا التثبيط والإماتة المتعمدة للذات لدى الناشئة العربية والمسلمة عبر قصف وعيها بأفلام ومسلسلات الكارتون هذه، يجري استيلاد قناعة غير علمية في ذهنيات الناشئة، تتمحور حول أن العلوم والمعارف والابتكارات هي وقف حصري على الغرب الأوروبي والأمريكي دون سواهم من أمم وشعوب وحضارات اندثرت وتلاشت تحت وطأة نظرية “البقاء للأقوى” وغربال “الانتخاب الطبيعي والداروينية السياسية”، ويتحتم على الشرق التسليم بـ”دونيته” والاعتقاد بانتكاس تكوينه الذهني والحضاري فطرياً أمام الغرب الذي يمثل مطلق الحضارة والكمال الذهني
.
إن الصورة النمطية المسوقة للعالم والمبتكر والمخترع العجوز دائماً كفئة عمرية، هي إلى ذلك مقرونة بهوية غربية أوروبية، فهو ليس عجوزاً فحسب، بل غربي أوروبي على الدوام، وينتمي زمنياً لواقع اللحظة الحديثة والمعاصرة المنظورة، ويتوالد حصراً في ذات سلالته الإثنية
.
هذا التنميط الذي يقصف به الغرب وعي الناشئة العربية والمسلمة منذ أكثر من نصف قـرن، ويزداد احتداماً وحِدَّةً مع تنامي وتطور وسائط الاتصال وخنوع أنظمة الوصاية لمشيئة “العالم الأول مطلق التقدم”… هذا الرصيد التراكمي العريق والهائل من التنميط والقصف الغربي الاستعماري الإمبريالي المعولم، يوشك اليوم أن يخسر سطوته على نفوس وذهنيات الناشئة العربية والمسلمة دفعةً واحدة أمام صورة الفتى تحت العشريني عبدالعزيز المهرم الذي تتجلى من ملامحه اليمنية المختلجة شباباً وفتوةً واعتداداً عبقرية رسالية نقيضة تنتمي لمدرسة إيمانية يمنية عربية إسلامية اسمها “مدرسة المسيرة القرآنية ومشروعها التحرري الفذ ذي المنهجية العلمية الموصولة بجدليةِ عين على القرآن وعين على الأحداث”، والمنضبطة ذاتياً من حيث موالاتها لقيادة رسالية محمدية لا سابق لها في سجلات وببلوغرافيا القادة العظماء في ماضي وحاضر الشعوب والأمم
…
يمثل عبدالعزيز المهرم من حيث الفئة العمرية والسجل التعليمي “التقليدي المتواضع” إعجازاً خارقاً لمنطق التمدرس والتنميط السائد، ويصبح أكثر استعصاءً على التحليل عندما نقرنه بسياق نشأة يمنية في أتون بلد معدم ومحاصر ويتعرض لعدوان كوني مستمر منذ 5 أعوام، لم يكن قبلها أحسن حالاً بطبيعة الحال، فقد درجت المنظمات الأممية على فرزه بين “أكثر البلدان تخلفاً وفقراً في العالم” خلال ما يقارب 3 عقود خلت
.
الأيدي الغضة للفتى تحت العشريني المولود في صعدة قرية الشعف، عبدالعزيز المهرم، أسقطت زبدة الصناعات الحربية الجوية للغرب… الأباتشي والإف 16 الأمريكية والتورنيدو البريطانية وعشرات الدرون الأحدث والأكثر فتكاً، وقعت فريسة راغمة لأيدي صبية لم تسنح لهم محارق الحروب الـ6 على صعدة أن ينضووا تحت سقف مدرسة ليرددوا خلف المعلم: “المادة لا تفنى ولا تولد من عدم و… القرد يقول قه قه
“!
لكن الولادة من رحم مقارعة التحديات وخوض الصراع بالممكن مع ذات حرة وفي كنف مدرسة إيمانية محمدية حسينية أمكن معها استيلاد المعجز والمحال من صفر الإمكانات، وأن تنجب المهرم ومئات وآلاف الرجال الذين يفغرون أفواهنا وأفواه العالم دهشةً اليوم أمام عظمة نتاجاتهم، وليس عبدالعزيز المهرم إلا رمزاً من رموز شبيبة تعكف في ظل المشهد على استيلاد ما مضى وما سيأتي من معجزات وخوارق هي بحساب المشروع القرآني ممكنة بالإيمان والمنهجية الربانية لمسبب الأسباب وخالق الخلق والممسك بزمام الأرض والسماوات يسيرها كيف يشاء
.
في مهب كل هذا الدفق اليماني الإيماني المقتدر، لا غرابة أن يترنح الغرب بخرافاته وأساطيره كأن لم يغن بالأمس، فرأسماله كان ولايزال سطوته على نفوس وذهنيات المعتقدين بفرادة خلقه وتكوينه حد المطلق والألوهية، وبعجز تكوينهم وذهنياتهم بالمطلق إزاء عرش الغرب المطبق على السماوات والأرض، فلا سبيل سوى المثول لمشيئته وتصريفه في كل شأن ومنحى
.
لم يعد زمن الاستلاب إلا جزْراً أمام مدِّ “فتية الكهف” العالي والهادر، والذي يلقف بعصا القدرة الإلهية والاقتدار الإنساني عصيَّ السحرة الكونيين، ويصلب ترسانة السلاح الغربي الفتاك على جذوع نخل الجزيرة العربية، ويصفد الفرعون الغربي بأمعاء آخر قارونات البترودولار بلا عزاء
.
إنها مدرسة “واتقوا الله ويعلمكم الله
“.