لطالما أطربت عقول المساكين من البؤساء والحالمين حول العالم بالتغني بقيم الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان وشعارات المدنية والحداثة.
-اتخذت الولايات المتحدة الأمريكية منذ نشأتها من هذه الشعارات الجوفاء ستاراً لممارساتها الإجرامية وأسلحة فتاكة للسيطرة على خيرات الشعوب ونهب ومصادرة خيراتها والتدخل في شؤون وخصوصيات الدول والمجتمعات وجعلت من هذه القيم عصا غليظة مصلتة على رؤوس كل من يبدي تحفظا إزاء سياستها أو يفكر في مواجهة أطماعها.
ولأن مثل هذه الشعارات زائفة وفارغة تماماً من مضامينها النبيلة كانت دائماً ولا تزال إلى يومنا تنكشف سريعاً وتظهر سوءاتها مع كل حادثة أو مشكلة ليبدو الوجه القبيح ويتجلى بشاعة هذا الكيان المتسلط في أنصع صوره ومظاهره أمام العالم، وإذا بإدارة البيت الأبيض في كل زمان ومكان تتصرف على سجيتها الفطرية التي يغلب عليها الوحشية والقبح إزاء مواطنيها كما تفعل بطبيعة الحال مع الشعوب والأمم الأخرى على الدوام.
اليوم تتسع الاحتجاجات الجماهيرية في أمريكا عقب انتشار مقطع فيديو يوثق مشهداً فظيعاً لجريمة قتل مواطن أمريكي أسود البشرة يُدعى جورج فلويد على يد شرطي في مدينة مينيابوليس بولاية مينيسوتا.. وإذا بالجانب الحقيقي في النفسية الأمريكية الرسمية يظهر على ارض الواقع متجسدا في القمع والبطش واللاإنسانية في تعامل العسكر مع جموع المحتجين وبأوامر وتوجيهات مباشرة من سيد البيت الأبيض الذي لم يكتف بقمع شعبه والزج بأعداد كبيرة منهم في غياهب السجون والمعتقلات وإنما ظل يهدد ويتوعد المدنيين المحتجين بالمزيد من الانتقام والردع.
الطريقة البشعة التي قُتل بها الأمريكي الأسود ذو الـ 46عاماً تحت أقدام الضابط الأمريكي خاصة وإنه كان يرجوه ويتوسله بالقول “لا أستطيع أن أتنفس، أرجوك لا تقتلني” عكست تعمق وترسخ ممارسات العنصرية والتمييز في ذلك المجتمع وخاصة في الطبقة الحاكمة وأن كل ما يقال عن المساواة والحقوق والقيم الإنسانية الراقية لا وجود لها إلا في إعلامهم ولا تحضر في ممارسات قيادتهم إلا حين يتعاملون معها مع الآخرين لابتزازهم والاستئثار بثروات شعوبهم.
هذه الحادثة المؤلمة لم تكن الأولى، فقد شهدت الساحة الأمريكية وتشهد دائماً حوادث مماثلة وأكثر إيلاماً، ولا شك لن تكون الأخيرة، وهو ما يثبت مجدداً حقيقة أن العنصرية المقيتة وخاصة ضد ذوي البشرة السوداء والمواطنين من عرقيات أخرى غير أوروبية ما زالت متغلغلة في المجتمع الأمريكي.. وأن ما تردده الأبواق الإعلامية في أمريكا ومن يدور في فلكها من دول وأنظمة الخيانة والخنوع والارتهان ما هي إلا شعارات جوفاء وتمويه مفضوح ومحاولات مكشوفة لإخفاء الحقائق وذر الرماد في العيون.