أعي جيِّدًا أن مقالاً واحداً، أَو بضعةَ أسطر لن تكونَ كافيةً للحديث عن الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْـهِ وعن المشروع القرآني العظيم الذي جاء به، لكن ما أود الإشارة إليه أن كَثيراً من الناس إلى اليوم لم تتضحْ لهم حقائقُ الأمور، ولم يدركوا عمقَ هذا الفكر الحسيني الكبير، ولا يزالون يرمونه بالتُّهم الباطلة التي ساقها نظامُ الخائن عفاش.
لقد حمل -رحمَه اللهُ- هَمَّ الأُمَّــة، وأراد أن يجتمعَ المسلمون على كلمة سواء، وأن يعتصموا بحبلِ اللهِ المتين، ليكونوا أُمَّـةً واحدة، تحمل مشروعاً واحداً يعيدُ لنا عزتَنا وكرامتنا وشموخنا، وخَاصَّةً أننا نعيشُ في زمن الضعف والذل والهوان لأعدائنا الأمريكيين والإسرائيليين.
الدخانُ أسودُ كثيفٌ، والخطرُ الكبير المحدق بالأمة قادمٌ من أمريكا التي انطلقت لتحتل البلدان العربية والإسلامية، وتنتهك كرامتها وتسلب حريتها، وتنهب ثرواتها.
حسين العصر لم يتحمل مشاهدَ الانتقاص من كرامة الأُمَّــة في غوانتنامو وسجن أبو غريب، ولم يتحمل صمتَ الشعوب وغفلتَها عما يحدث، فأراد أن يعمل شيئاً، أن يتحَرّك، أن يبيّن للناس، ويوضحَ لهم حقيقة ما يجري، لا أن يظلَّ مثلَ بقية العلماء منزوياً في المساجد ليتحدثَ عن أحكام الطهارة والنجاسة فقط، وفي الأمور الفقهية الأُخرى؛ ولهذا فقد كان طريقَه شاقاً، ورحلته مليئة بالمشاكل.
انظروا: من أعماق الظلام ومن ركام الذل أضاءت ملامحُ أملٍ جديدٍ في دُجَى اليأس المطبق، لقد جاء الحسينُ البطل، جاء الرجلُ التاريخي، ليلعَبَ دورَه التاريخي، وليُحييَ الجهادَ من جديد، والشهادةَ من جديد.
جاء ليقولَ لنا: إن الإسلامَ لا يقبل الهزيمة، ولا الفرارَ والخنوع والذل، وأن الصمتَ عارٌ، والاستسلام عار، وأن أمريكا التي يهابها الملوكُ والزعماءُ والسلاطينُ ليست آلهةً، فهي مُجَـرّد قشة، وإننا نستطيعُ مقاومتَها، ومواجهتَها، حتى ولو “بالصرخة”، فهي ستهابُنا وتتركُنا إذَا شعرت بتنامي الوعي وبسخطنا الشديد تجاهها.
والشعار ليس مُجَـرّد “صراخ” فقط كما يراه البعض، بل هو تعبيرٌ عن حالة السخط الشديد من الأعداء، والسخط حين يرافقه وعي جماعي، فستكون نتائجُه مزلزلةً على الأعداء، ولك أن تتخيل لو عم هذا السخط اليمن بأكمله، أَو المنطقة العربية بأسرها، أَو المسلمين جميعهم.. ألن يكونَ التحَرّكُ في مواجهة الأمريكيين يسيراً وفاعلاً؟
لقد كانت هذه نظرة الشهيد القائد للمواجهة، وهي نظرة فهمها الأمريكيون والصهاينة مبكراً؛ ولهذا تحَرّكوا لإطفاءِ هذا الفكر ومحاربته، وأوعزوا لعملائهم القيام بهذه المهمة.
في تلك المرحلةِ كان من المفترَضِ أن يبادرَ نظامُ صالح لدعم الشهيد القائد وتحفيز بقية العلماء لرفع معنويات الجيش اليمني، وإعلان التعبئة العامة للناس؛ لأَنَّ منطقَنا العربية كانت تواجهُ هذا الخطرَ الأمريكي، لكن النظامَ سلك طريقاً آخر، ونفّذ تعاليمَ أسياده، ووجّه الجيشَ والعلماءَ والإعلامَ والقضاء والأمن وكل مؤسّسات الدولة للدخول في حرب شاملة وظالمة على الشهيد القائد ومن معه؛ لإخمادِ مشروعِه العظيم المسالم، ولتشويه معالمه، وخلق مبرّراتٍ واهية للحرب، فكانت النتيجة أن خسر اليمن قائداً عظيماً بحجم السيد حسين بدر الدين الحوثي الذي ضحّى بنفسه وبكل ما يملِكُ، واختار طريقَ الشهادةِ في سبيل الله ومشروعه العظيم.
هي كربلاءُ اليوم تحضُرُ من جديد، وحسين يحضُرُ من جديد، لقد استشهد قائدُنا البطل في معركةٍ غير متكافئة، وفي مظلومية كبيرة اهتزت لها السماء، غير أن مشروعَه اليوم يحلقُ عاليًا، وذكرُهُ يفوحُ كالمسك، وتاريخُه النضالي يدوَّن في أنصع صفحات التاريخ، وأعداءُ هذا المشروع يتساقطون كأوراقِ الخريف، وينكسِرون في جبهات الوغى، وللهِ العزةُ ولرسوله وللمؤمنين.