محمد عبدالكريم الحوثي دكتور مختبرات، وناشط إعلامي وإنساني احترف الفن الرقمي وأنجز عشرات اللوحات الرقمية المعبرة عن مظلومية اليمن. أقيمت له معارض في العاصمة ومحافظات أخرى، ومؤخراً تم تعليق بعض لوحاته في مداخل المدن بحجم كبير (يوني بول) مع تنسيق نصي جديد ورائع. واستطاع بفنه البديع إيصال رسالة اليمن إلى العالم عبر نشاطه على مواقع التواصل الاجتماعي. كان لنا معه وقفة.
نزعة لحياة ريفية بعيداً عن المدن والاكتظاظ
سألته: لاحظت أن لديك نزعة لحياة ريفية، بعيداً عن المدن والاكتظاظ! فرد قائلا: «نعم، ومؤخراً كنت في زيارة لصديق في قرية بعد جحانة وتوقفت لصلاة الظهر في أحد الجوامع، طبعاً، لن أصف لك دورات المياه القديمة وبراعة تصميمها. صلينا في «الصوح» أمام مزرعة ترعى فيها المواشي. اللقطة كانت خارج الزمن وخارج أي إزعاج، وبعيدة عن تلوث الحضارة. قلت: هذه هي الحياة، بلا ضجيج وبلا إزعاج، فقط أنت وهذا الكون الطبيعي بدون منكهات صناعية. وتساءلت: كيف تركنا الفضاء الشاسع لكي نتزاحم في بقعة صغيرة بين جشع وحسد وإيجارات وأزمة سكن وزحمة مواصلات...؟! وتذكرت فناناً رقمياً اسمه وليد فيجالي من السويد، يقضي معظم الوقت بين الجبال والغابات والبحر، يقضي لحظات صادقة مع الذات بدون تشويش».
البدايات مع الفن الرقمي
قلت له: حدثني عن مجالك الدراسي والبدايات مع الفن الرقمي، فقال: «دراستي الأكاديمية في مجال المختبرات الطبية، واشتغلت في القطاع الخاص كطبيب مختبرات، ثم في القطاع الخاص مديراً فنياً ومدرباً، ثم مدير مشاريع في شركة ثالثة، ثم تركت كل هذا بعد ست سنوات، ودخلت مجالاً مختلفاً تماماً.
كنت أمارس الرسم منذ كنت في الصف السادس الابتدائي بالخشبي والرصاص. بعد ذلك تركته في الثانوية، ثم عُدت له بعد الجامعة بشكل رقمي. طبعاً الرسم الرقمي ليس مجرد ضغط على الماوس، لكنه مرهق وممتع معاً، ولا تتوصل لشيء ببساطة؛ لأنه عمل حساس ومصحوب بضغط نفسي. الفن تغيرت مفاهيمه وأبعاده، وصار يحاكي كل ما يمت إلى حواس الإنسان، مثل الصورة والشكل والصوت والإحساس، تخاطب فيها الروح مستخدما عناصر جديدة».
التجربة الفنية..المشكلات والنجاحات
واسترسالاً معه في الحديث، رأيت أن يحدثني عن تجربته الفنية، المشكلات والنجاحات، فكان رده: «دائماً أطلع وأقرأ وأتعلم وأجرب لأعكس فهمي ومنظوري. وأحسن شيء في اللوحات أنها لا تخضع لمزاج مستفيد، بمعنى أنها مطلوبة من قبل أشخاص أو جهات أو رؤية أناس معينة، لا، هذه مساحة مفتوحة تنطلق فيها بدون قيود، أقصد الجانب الإنساني، نسمع الجرائم كإحصائيات، ماتت هذه الأرقام في الوسط الإعلامي، لكن لم تمت هذه الجرائم في ذاكرتنا، يجب أن نعيد إنتاجها، يجب أن يشاهدها الكل بشكل مغاير.
كانت محاولات فاشلة. كنت أقدم المظلومية وأختار صوراً كثيرة وعشوائية. كنت أعتقد أن العالم يسمعنا أو يبحث عن الحقيقة. العالم كان منافقاً، ولعلك شاهدت موضوع بثينة كيف تعاطى معها العالم! مع أن هناك بثينات كُثراً لم يسمع بهن أحد، عالم منافق، فمن المهم التركيز على الجانب الإنساني، وترك مساحة كبيرة لخيال المتلقي لإكمال الحدث. أحسست بالضياع لأني لم ألمس أي تفاعل. واصلت العمل والإنتاج حتى وصلت أعمالي إلى 15 لوحة، وتعاطى معها بعض الناشطين، وقابلني بعض الإعلاميين».
واستطرد: «كنت أبحث عن اللوحات في جوجل، وأجد أن عباراتي المكتوبة عليها قد ترجمت إلى لغات عالمية، ومتى ما ترجموها راجعتها أنا والعم جوجل، ونشرت اللوحة تحت اسم ترجمة فلان، قامت إدارة فيسبوك بإغلاق صفحتي بدون سابق إنذار، أغلقت تقريباً 5 صفحات، فتحت جديدة، وقلت لنفسي: اترك الكتابة في السياسة، خليك في المظلومية، انشر اللوحة عربي- إنجليزي، ومرفق مع كل لوحة ما يؤيدها من المواد، مثل: فيديو، تقارير عربية أجنبية محلية».
وسائل مساعدة
سألته: ما هي الوسائل التي ساعدت على نشر اللوحات؟! وهل من مواقع أخرى غير «فيسبوك»، مثلاً في تليجرام؟!
قال: «نعم، شغالة إلى اليوم، التليجرام. فتحت حساب فيسبوكي شخصياً، وكذلك أنشأت صفحة جديدة وعينت لها أكثر من مدير من خارج اليمن، كإجراء احتياطي لتسيير أعمال الصفحة إذا ما حظروا حسابي.
ولكي يستطيع الآخرون إكمال النشر. وطبعاً، استطعنا أن نصل خلال 9 شهور إلى 20 بلداً. ووصل عدد المشتركين في الصفحة بدون إعلانات ممولة إلى أكثر من 350 ألف مشترك. وطبعاً مارك لم يعجبه النجاح الذي حققناه، فأرسل تحذيرات بإغلاق الموقع وتقييده وتقليل فرص ظهور المنشورات في حال استمررت في مخالفة معاييره، يعني النشر بدون تمويل. فعلاً بدأت بعمل مخطط للموقع: فكرته، شكله، خدماته... وصمد هذا الموقع لمدة عام، واصلت العمل فيه حتى وصلت أعمالي إلى 66 لوحة، كأي موقع من المواقع الإخبارية، ثم جاءتني فكرة أن أعرض اللوحات على مؤسسة الشعب لتبني طباعتها وإقامة المعرض ودعوة الإعلام وتكريم كل من شارك في ترجمة الأعمال في المعرض».
تفاعل الجهات الإعلامية
أيضاً قلت له: ماذا عن تفاعل الجهات الإعلامية والمؤسسات؟! فهز رأسه قائلاً: «أجروا معي حواراً في إذاعة «سام» لمدة ساعة، وكذلك في قناة «اليمن اليوم» بصنعاء لمدة ساعة، وتصريحات قصيرة في قناتي «الميادين» و»المسيرة». وفي المعرض الذي أقيم بمؤسسة الشعب كان الحضور جيداً، وكنت حاولت معهم أن يجعلوا المعرض في مكان عام، المركز الثقافي مثلاً، لكنهم رفضوا. وبالنسبة لي الأمر عادي، ففي أي وقت وأي مكان بإمكانهم أن يعيدوا عرض أعمالي كيفما خدمت القضية. واستخدمت لوحاتي في حملات تغريدات وفي وقفات كثيرة خارج اليمن، في العراق وفي فرنسا ولندن وألمانيا وأمريكا وتشيلي، الله يدير شؤوننا كاملة.
وكنت قد عملت شعاراً للحملة في البداية وكان يحمل ختم «أوقفوا حصار وقصف اليمن»، وبعد سنتين فكرت أننا يجب ألا نستجدي موقفاً أو تعاطفاً من أحد، هذا حق، فغيرت اسم العمل إلى «مظلومية اليمن»، بحيث لو وصل عمل إلى أحد بأي طريقة ويريد أن يعرف المزيد، فبإمكانه أن يصل لباقي الأعمال عبر البحث عن اسم الحملة أو الهاشتاقات المصاحبة، أو عبر كلمة مظلومية اليمن».
إنجازات ومشاريع قادمة
سألته: ماذا عن إنجازاتك ومشاريع قادمة؟!
فرد: «يا عزيزي تعلمت إنتاج فيديو وعملت بعض الفيديوهات على شكل فيديوجراف، وتوقفت بسبب أن العمل هذا شكل عائقا حال دون نشاطي للإنتاج الرقمي. تخيل هناك أكثر من 10 لوحات بمضامين إنسانية مختلفة.
ارتباطي بالعمل الطبي الآن فقط محصور في تصميم المختبرات، لأن المحتوى يتحدث فيه، يعني أوبدايت (update) أو تبرمج نظاما بقواعد بيانات وكلفة. نحن نبحث عن «أبو بلاش». خططت لها منذ أكثر من عام، وسأترك إعلانها للأشهر القليلة القادمة، وفي آذار/ مارس لا بد أن يكون حدث آخر، وإن شاء الله أعود لإنتاج اللوحات قريباً».
* نقلا عن : لا ميديا