ليس من السهل أن تنجز قصاصة أوتوبوغرافية صحفية عاجلة عن رجل بحجم ومكانة وكاريزما وتاريخ ومسيرة وآثار الشهيد الرئيس صالح الصماد. ومن الصعوبة بمكان أن تُجاري هذا الكم الهائل والصادق من قصائد ومقالات واحتفالات وزوامل احتفاء واحتفال بذكرى الأشتر الثاني، أفلج الثنايا، أبي الفضل الصماد. كما وليس من المناسب برأيي أن نختزل ذكرى هكذا إنسان عظيم في مراسم يومٍ أو مراسيم بعض يوم (متى ستكون هناك جامعة أو كلية أو حتى مشروع يحمل اسمه؟). من أجل كل ذلك وأكثـر فإني للحقيقة أسهبت الحديث عن الصماد، وأنا من كتبت له وإليه وعليه وعنه فيلماً وثائقياً عُرض جزؤه الأول وتعثر جزؤه الثاني لظروف تعود لصاحب شاشة 24 بوصة «الدلازية»، ولأسبابٍ مازالت طي الكتمان والجيوب.
الاحتفاء بذكرى الشهيد الصماد ستغيظ بالتأكيد الكثيرين ممن يتبوؤون بعض المواقع القيادية في السلطة والحكومة، وقد انكشفوا وتعروا وما يزالون من بعض ما كان لدى الصماد وادعوا ملكيته وامتلاكه زوراً وتزييفاً للحقائق والوقائع والوجوه. وسيكون الاحتفال بألقاب ومناقب الصماد أشبه بصوان عزاء لدى المتساقطين عن طريق الرجل والساقطين من عيون الشهيد، أولئك البعض ممن غسلوا تراب الجهاد وغبار الجبهات عن وجوههم بماء ورد المناصب وكولونيا سُحب الشيكات، ونسوا الله فأنساهم أنفسهم والصماد.
الرئيس الذي لم يكل يوماً ولم يمل ليلةً عن القيام بواجبه ومسؤولياته بكل جهدٍ وجهادٍ وبذلٍ وعطاءٍ وهمةٍ وإرادة وتفانٍ وإيثارٍ وإخلاصٍ وطهارةٍ ونظافة يدٍ ولسانٍ وجيب، قد أعجز الكثير ممن أتوا معه ومن جاؤوا بعده، وأتعب مقتفي أثر القيادة والرئاسة، وأنهك الطامحين للكراسي والطامعين بمغانم السلطة، وأربك المتخففين من مغارم الحكم و«المتقرّصين» من وراء لافتات سيدنا علي المقرفصين بين فتات معاوية.
أتذكر زمناً جاء على اليمنيين وهم يرون الوزراء والمحافظين والمسؤولين والقادة يقفون على أصابع أرجلهم عند السابعة صباحاً على بوابات وأبواب دواوين وزاراتهم ومصالحهم وألويتهم تأهباً لمجيء الصماد وتهيباً منه وتهيؤاً لأسئلته وتساؤلاته، ولا يدري أحدهم أيهم سيكون صاحب الحظ والنصيب! طوال عام ونصف العام تقريباً وحالة طوارئ سلطوية نادرة عاشها مُراً ومراراتٍ أولئك المنسدلة كروشهم اليوم من على أسرة نومهم، والمندلقة ألسنتهم نفطاً وغلطاً وزلطاً.
ضرب الشهيد العظيم مثلاً وأنموذجاً وقدوةً للباقين من القابضين على جمرِ المبادئ و»القابصين» جلود التهاون والصامدين في وجه الإغراء والصامتين عن ترديد مُكاء الشرك وتصدية النفاق. لا يُعدم الخير في جيلٍ خلقه الله بين يدي الحسين، وعلى كف أبي جبريل، وعلى عين صالح الصماد. وإن تبجح بعض الشر بعصابته الوقحة في الخارج والمتوارية بالداخل فإن الله ناصرٌ عبده ولو كره الكافرون.
في الجبهات كان الرئيس الشهيد مسعر حربٍ، معه رجال، يواجه الباطل ويجابه الطاغوت بإيمانٍ مطلقٍ بالنصر والشهادة في آنٍ واحد. صنع الصماد فرادته وانفراده من غُبار المعارك وبارودها، ومن استعار العراك ووطيسه، ومن بين اجتراحات المجاهدين وجراحاتهم نبت الدم الطاهر زهراً زكياً أعشب بين الساحل والرمل أسطورة حمراء لا ينطفئ نبض خلودها ولا يتوقف وهج نورها ونارها من شق الطريق درب نصرٍ يمتدُّ دنيا وآخرة من مهد السيد إلى لحد الصماد.
في سيرته ومسيرته يتألق الشهيد بدراً في سماء بني معاذ، ويشرق قمراً من خميس مران ثقافياً شاملاً وخطيباً مفوهاً وعلّامةً نابغةً وسياسياً بارعاً ومفاوضاً مقتدراً ودبلوماسياً رائعاً وتربوياً مبدعاً ومكافحاً منتصباً وفلاحاً صامداً وإنساناً حراً وبشراً سوياً. كان الصماد رجل دولة، وأعمل كلتا يديه في الحماية والبناء، وليس في أكل الحرام وشرب السحت. كان يمنياً تماماً، وسيظل أيقونة مسيرة وشعب وبلد.
في عامه البالستي قتلته زنانير نجد ودنانير اليمامة، واغتالته إحداثيات الخونة وأحاديث المرتزقة. واليوم يعيد رحيله عجز البعض عن مواصلة السير على خطاه، وانتحار البعض الآخر على رمح الخيبة بين صليب الفساد ونجمة العدوان.
إنها من مكرمات الله سبحانه وتعالى أن تتزامن ذكرى خلود الشهيد الصماد هذا العام مع انتصاف شهر رمضان المبارك وذكرى غزوة بدر الكبرى، وتتعامد ذكراه (رضوان الله عليه) مع سقوط خصومه المتكرر هواناً ومهانةً وذلاً ومذلةً في قعر بئر السعود النحس، وما الحديث عن ضرب هادي وأولاده إلا حبة رملٍ في صحراء المرتزقة، وفي كل ذلك ذكرى يا أولو الألباب.
حسنٌ، وبرغم كل حزن الذكرى وألم الفاجعة يبقى الصماد شاهد أسطورة وشهيد ملحمة، وسيظل نبراس حقٍّ وحقيقة ومقياس نصرٍ وانتصار. ولا نقول ما يغضب ربنا، فقط نهمس في آذان البعض قبل أن «تقرصها» عدالة السماء: أتحسدون الصماد حتى في موته ومماته؟! عيشوا بعضاً من عطره لتمطركم الحياة ببعض طهره، وكفى!
* نقلا عن : لا ميديا