كل المعطيات العسكرية والميدانية والسياسية، منذ بداية اطلاق عمليتهم الخاصة في اوكرانيا وخلالها، خاصة بعد اعادة انتشارهم في الشمال والشمال الشرقي، كانت تؤشر الى ان الروس يعطون كل الجهود والضغوط والتحضيرات والافضلية العملانية لفتح وتوسيع معركة انهاء السيطرة على كامل اقليم الدونباس، وان هذه المناورة ستكون الاكثر تركيزا من قبل وحداتهم، والتي تنتشر حاليا بمستوى متقدم جدا على كامل المنطقة الجنوبية والجنوبية الشرقية من اوكرانيا، والتي ايضا، اصبحت تمتلك كل نقاط الارتكاز الهجومية لتوسيع هذه المناورة، انطلاقا من خيرسون جنوب كريفي ري، ومن بولوهوي وفيليكا نوفوسيلكا جنوب زاباروجيا ، ومن بوباسنا غرب لوغانسك، ومن ايزيوم جنوب خاركوف.
هذا لناحية الموقف العسكري والميداني المناسب لهذه العملية، وايضا، لناحية التصريحات السياسية المتواصلة حول اعتبار انهاء السيطرة على الدونباس، هدفا استراتيجيا وقوميا روسيا، كان اساسيا في مطالبهم من الناتو ومن اوكرانيا قبل العملية (اعتبروه استقلال الدونباس)، وبقي اساسيا ايضا بعد انطلاقها وبدء مفاوضاتهم المتقطعة وغير الثابتة مع الرئيس زيلنسكي، ولكن...
لماذا لم نجدهم حتى الان قد تحركوا بشكل جدي، واعطوا الجهود المناسبة والضرورية لتوسيع هذه المعركة عمليا؟
ولماذا يبدون وكأنهم ينتظرون شيئا ما قبل اطلاق صفارة البداية لضخ الجهود والقدرات الموجودة اصلا في مسرح العمليات، والتقدم نحو انهاء السيطرة على الدونباس كاملا؟
بداية، في الوقت الذي يظهر فيه الروس مترددين او حذرين في اطلاق عملية السيطرة الواسعة على ما تبقى من الدونباس، وفي الوقت الذي لا تبدو فيه مفاوضاتهم مع الرئيس الاوكراني منتجة او قابلة للوصول الى نتيجة، يتابعون وبتركيز واسع وفعال، عملية تدمير البنية العسكرية التحتية (الاساسية) للجيش الاوكراني، وهم عمليا، لم يخففوا بتاتا من مستوى الجهود التي اعطوها لهذا الهدف الرئيسي الذي اعتبروه احد اهم اهداف عمليتهم (انهاء وتدمير قدرات الجيش الاوكراني)، وما يعلنوا عنه من تدمير متواصل للقدرات والاسلحة والاليات والمنشآت العسكرية لهذا الجيش، وبالارقام المفصلة، يوحي بان هذا الهدف على طريق التحقق بشكل كامل.
فأن يتم تدمير اكثر من الفين دبابة اوكرانية من اصل 3500، وتدمير اغلب منظومات الدفاع الجوي الاوكرانية، الاساسية قبل المعركة او التي تم تزويد كييف فيها مؤخرا، وتدمير النسبة الاكبر من القواعد الجوية وجميع مواقع ومخازن اسلحة الجيش الاوكراني ومنشآته التدريبية، في الشرق والوسط الاوكراني، وتدمير نسبة معقولة من الموجودة منها في غرب البلاد، فلا يمكن القول بعد الان ان هذا الجيش ما زال يملك الامكانية للانطلاق في عملية عسكرية واسعة بمستوى وحدات منظمة، وذلك بعد أن فقدت هذه الوحدات القيادة والسيطرة، وبعد ان فقدت ايضا امكانية الاستفادة من اسلحة الدعم والمساندة التي تكون عادة على مستوى جيوش، وحيث لم يعد ممكنا القول ان الجيش الاوكراني ما زال جيشا قادرا على مواجهة عملية واسعة للروس بالحد الادنى المطلوب، فإن هذا الامر يشكل لوحده حتى الان، انتصارا عسكريا واضحا للوحدات الروسية في اوكرانيا.
من جهة اخرى، اصبح واضحا ان الروس حاليا، وقبل ان يطلقوا العنان لعملية واسعة للسيطرة على ما تبقى من الدونباس، ما زالوا يراهنون على نقطتين اساسيتين:
اولا: يحاولون قدر الامكان انهاء قدرة الوحدات الاوكرانية على القتال في منطقة الدونباس، دون الالتحام المباشر معها، وذلك بهدف تفادي سقوط المزيد من الخسائر لهم اولا، حيث لم تكن خسائر الروس بسيطة حتى الان، وثانيا بهدف تفادي اسقاط خسائر للوحدات الاوكرانية ايضا، وربما ذلك لاهداف سياسية ترتبط بما بعد انتهاء عمليتهم الخاصة وتحقيق مطالبهم منها، وهم في ذلك يراهنون على امكانية استسلام الوحدات الاوكرانية وعزوفها عن القتال، بعد ان تلمس هذه الوحدات، عجز قيادتها عن متابعة ادارة عملية المواجهة، بسبب الاستنزاف المتواصل في بنيتها العسكرية.
ثانيا: يتجنب الروس حاليا قدر الامكان، إحداث خسائر بين المدنيين، او تدمير تلك المناطق من الدونباس، والتي ستكون تابعة لجمهوريتي لوغانسك ودانيتسك الحليفتين، والتي يريدونها سليمة بنسبة كبيرة، بما تحضنه من ثروات طبيعية ومن منشآت صناعية وزراعية هي الاغنى اساسا من بين المناطق في اوكرانيا.
وتبقى في هذا الاطار نقطة مهمة تؤخر تركيز جهود الروس كاملة على الدونباس، وتتعلق بما تبقى خارج سيطرتهم في مدينة ماريوبل (معمل ازوفستال)، وحيث أعلنت وزارة الدفاع الروسية إجلاء ثمانيين مدنيا من المصنع المذكور، من بينهم نساء وأطفال كان يَحتجزهم النازيون الجدد (حسب ما صرحت الوزارة المذكورة) ، بعد أن فتحت القوات الروسية وقوات دانيتسك ممرا إنسانيا ووفرت نظام تهدئة لإجلائهم، وسلمت للأمم المتحدة والصليب الأحمر المدنيين الراغبين في الذهاب إلى أماكن سيطرة نظام كييف، فان الروس ما زالوا يعطون اهمية كبرى لانهاء السيطرة عليه كما خططوا، لان نتائج ذلك مفيدة لهم على كافة الصعد العسكرية والامنية والسياسية والدولية، خاصة ما يرشح عن جنسية واختصاصات المحاصرين، وما يمكن ان يكون مرتبطا بدورهم على صعيد ما سرب من معلومات حساسة وخطيرة عن مراكز الاسلحة البيولوجية الاميريكة والغربية في اوكرانيا.
* نقلا عن :موقع العهد الإخباري