هل حدث أن شاهدت رئيس وزراء حكومة «الإنقاذ» يطل على الشارع الموجوع ولو لمرة واحدة متخففاً من برواز الرزانة الثقيل والفارغ ومنصات الرطانة الخطابية المناسباتية المشغولة بـ«لوجوهات ومايكات» الفضائيات ووسائل الإعلام؟!
محافظ عدن السابق -الذي بارك العدوان في الشهر الأول منه للقضاء على النفوذ الإيراني في اليمن حد قوله- أصبح رئيساً لحكومة «شراكة وطنية» في صنعاء! كيف حدث ذلك؟!
لا معلومات شافية؛ لكنه حدث، وعوضاً عن أن تناط به مهمة «مكافحة الوجود الفارسي في اليمن» تحت لواء تحالف الاحتلال كمحافظ لعدن، بات -مجازاً وبالنقيض- منوطاً بمواجهة تحالف الاحتلال كرئيس حكومة في عاصمة الصمود صنعاء!
هذه النقلة للنقيض لم تكلف بن حبتور سوى تحويل وجهة الرطانة إعلامياً باتجاه معاكس كموقف كلامي محض وغير مشفوع بدور عملي يصب إيجاباً في خندق المواجهة. إن بن حبتور لا يفعل شيئاً؛ لكنه ليس مجرد «كوز مركوز» كما يحاول أن يبدو، وكما هي الصورة التي يحرص على تكريسها لدى الرأي العام المحلي، و«غرف المراقبة والتقييم على الضفة المقابلة للوطن»؛ صورة الرجل المستلب وعديم الحيلة الذي يتعايش مع موقعه الراهن كأمر واقع فُرِض عليه لا كقناعة وطنية يعيشها وينهض بعبئها وموجباتها عن إيثار ومن كل بد.
قالت القيادية العفاشية فائقة السيد لقناة خيانية في القاهرة قبل أسابيع: «كنت مضطرة للبقاء كوزيرة في صنعاء عقب مقتل صالح حتى أحتفظ بشرعية العمل في العاصمة». وهذا هو ما يفعله مسؤولون كثيرون في الإنقاذ - بالأرجح- وبن حبتور أحدهم، حيث «شرعية العمل» في عاصمة الصمود تستوجب غطاءً رسمياً. لكن إذا كان غالبية وزراء «الإنقاذ» ورئيسها لا يعملون شيئاً بالأصل فما المقصود بـ»العمل»؟!
تكشف مذكرة صادرة عن رئيس الحكومة (حصلت الصحيفة على نسخة منها) جانباً مهماً من طبيعة عمل المسؤولين من شبكة «البيات والكمون» لحين ميسرة!
المذكرة تتضمن طلب إفراج عن أحد أخطر العناصر الداعشية المتصلة بالعدوان والمسؤولة عن مجزرة كمين الدواعش الشهير بشرعب السلام نهاية عام
2016، والذي تبنته وسائل إعلام العدو باعتباره «عملاً بطولياً» نفذه من وصفتهم بـ»رجال المقاومة في شرعب محافظة تعز ضد قيادات متحوثة كانت على رأس حملة تستهدف المديرية»، بحسب ما نقلته «العربية» و«الحدث» حينها.
ما هي صلة بن حبتور بـ«الكوحة» المتهم من قبل الجزائية بالمشاركة في عصابة حرابة قتلت ومثَّلت وأحرقت جثث 5 شهداء من وجهاء ومشائخ شرعب كلفهم مكتب أنصار الله بالتدخل لفض نزاع قبلي تنفخ وتستثمر فيه مطابخ العدوان لجر المديرية المشرفة على الساحل الغربي إلى أتون اقتتال أهلي تمهيداً لاحتلالها؟!
في مذكرة بن حبتور يصبح المتهم الداعشي، المعروف لأبناء المديرية بسجل من الأعمال الإجرامية، «مجاهداً» يتشفع له رئيس حكومة الإنقاذ لدى النائب العام للإفراج عنه بصورة عاجلة! والمفارقة أن المذكرة موجهة كذلك إلى وزير الدفاع في الموضوع ذاته. فلماذا يحشر بن حبتور وزير الدفاع في القضية؟!
القصة بدأت عندما فر معظم أفراد العصابة الداعشية المنفذة لمجزرة الكمين والتحقوا بعصابات العدوان في تعز المحتلة كقيادات عسكرية في مواجهة الجيش واللجان، حيث فر «الكوحة» هو الآخر؛ لكن إلى صفوف الجيش واللجان الشعبية، وصار في غضون عام مشرف نقطة في طور الباحة ثم «قائد كتيبة في المنطقة العسكرية الرابعة - جبهة حيفان»، قبل أن تقبض عليه الشرطة العسكرية للمنطقة بتهمة «السطو على المسافرين وابتزازهم وفرض إتاوات غير قانونية على التجار والشاحنات وسرقة عدد كبير من منازل وممتلكات المواطنين في حيفان تنوعت بين ذهب ومجوهرات وسيارة تعود لأحد أبناء المديرية».
أربعة أعوام كانت النيابة الجزائية بصنعاء توجه مذكرات تسليم وأوامر قبض قهري بحق المتهم لأمن تعز واستخباراتها في قضية شهداء الكمين الداعشي، بينما كان الأخير يتحصن بـ«رتبة رائد مجاهد وقائد كتيبة في الجيش واللجان»، وعندما وقع في قبضة عسكرية المنطقة استغرق تسليمه للجزائية نحو عامين، بفعل استماتة عدد كبير من فئة البيات والكمون المتغلغلين في صفوف السلطة والدولة لإطلاق سراحه، قبل أن يتكشف الرأس الأَوْزَنْ ورجل الظل على صورة رئيس حكومة إنقاذ!
هكذا يتخلى «أولياء الله» عن شهداء الكمين «المتحوثين» فلا يأبه لأمرهم أحد، بينما يرفع «أولياء عفاش وطارق وابن زايد» قتلة الشهداء إلى مستوى «مجاهدين وأولياء لله برتب عسكرية كبيرة»، وينشط أحد أيادي عفاش في المخابرات (ع. ن)، المقبوض عليه في العام
2019 بتهمة التخابر مع عصابات طارق في الساحل، لطمس معالم الجريمة وبصمات المجرمين على غرار ما فعله مشرف المديريات الشمالية الشرقية بتعز، ومدير مديرية ماوية السابق!
«شرعية العمل في العاصمة بغطاء رسمي»، بحسب مصطلح فائقة السيد، لا غنى عنه لحماية «مصالح شبكة سلطة الوصاية وإقطاعياتها وقنواتها المالية والتجارية وشركاتها من خطر التأميم الثوري ومصادرتها لحساب الشعب»، كما وترميم وإعادة بناء بنية الوصاية الساقطة.
ليس هذا فحسب، فشبكة البيات والكمون لا غنى عنها لجهة تأمين مناخ رسمي ملائم لاختراق أجهزة الدولة وتمكين أيادي العدوان في الداخل من التغول والاستشراء في خنادق الثورة ولجانها الشعبية وتصفية أنوية العمل الثوري ورجاله المخلصين في كل جبهة وخندق، وتجيير العملية الثورية لحساب وصاية مقنّعة، وسرقة المستقبل السياسي لحركة أنصار الله الطليعية الثورية بأذرعة ويافطات انتهازية وصولية تضارب في «حاجة البلد لشراكة وطنية في مواجهة العدوان».
بن حبتور لا يفعل شيئاً في الواجهة، حيث يرمي لتكريس انطباع بأن الأنصار «يستحوذون على كل شيء ويحتكرون كل الصلاحيات»، وفي الكواليس يزاول من خلال هذا «الاستلاب الظاهري» نفوذه في العمل الإداري والتنفيذي لجهة لملمة شتات الوصاية في الدولة تحت تسميات جديدة «جهادية» وتحت عنوان «الشراكة الوطنية» المحفوز بدوافع حزبية سياسية محضة تتماشى مع حاجة مركز الوصاية العالمي لقضم حضور حركة الأنصار الثورية تدريجياً وعلى نحو ناعم وضرب ثقة جماهير ثورة 21 أيلول في مشروعها ومصداقية شعاراتها لجهة تمكين المقهورين والمهمشين من زمام الفعل وطي صفحة طبقة السيطرة الوصائية وتقويض قلاع نفوذها.
إن عين شبكة البيات والكمون الناشطة في الكواليس هي على مستقبل الحكم في اليمن، وتعمل ليكون مستقبلاً «بلا أنصار» يعيد إنتاج ماضي الوصاية والهيمنة كمضمون قديم بصيغة جديدة.
هي ذات المهمة والدور الذي جعل مركز الوصاية يستبقي العميل علي عفاش في الداخل الوطني كورقة حسم احتياطية مُرْجَأة جرى تفعيلها في كانون الأول/ ديسمبر
2017. ورغم أن رأس الحية قد تم قطافه حينها، إلا أن جسدها الممتد في هيكل الدولة وأجهزتها وفي جملة علاقات السوق، لايزال يتوثب لتعويض الرأس الفاقد ولو برؤوس أصغر حجماً من «صُمْعِي عفاش» التي قرعها ذات يوم بسبابته متوعداً على شاشة التلفزة: «مادام امصُمعي بخير لا يمكن نتزحزح»!
ويبدو أن «امصمعي» لاتزال بخير وتتناسل رؤوساً فتاكة في الكواليس لميقات يومٍ غير معلوم تتكشف مؤشراته لبصيرة الحصيف تباعاً في صورة شبكة عنقودية مموهة بغلالة «شراكة وطنية» كسيحة؛ شبكة تجعل رئيس حكومة يمد يد العون لعنصر تخريبي داعشي في مديرية كشرعب تعصف بها الاختلالات الأمنية وتتنامى فيها جرائم القتل والاغتيالات وتُمحى رسمياً ملامح مجاهدين أبطال من أبنائها كـ«شهيد الصرخة- أبورعد الحشاش، وليث الكتائب أبوعلي الحسام، والشهيد الشيخ أبوجبريل الشرفي»... بطغيان نجوم الجريمة المحروسين بقرارات عليا كـ«الكوحة» الذي يحرر بن حبتور مذكرات رسمية لتحريره من قيد العدالة ليعاود تصفية من تبقى من «رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر»، حيث خناجر شبكة البيات والكمون لا تخطئ طعناتها ظهور الشرفاء، وحيث يصبح المجاهد المغدور «سارق قات» في سجلات الحكومة، ويصبح القتلة و لصوص الحظائر «مجاهدين وقادة كتائب»!!
... بعض حلقات المسلسل الخياني
تمثلت أبرز غزوات شبكة البيات والكمون الظافرة في عملية اغتيال الشهيد الكبير صالح الصماد، الذي كان التجسيد القيمي للمسيرة القرآنية في الفضاء السياسي والشعبي الواسع، والذي أنهك الكساح الحكومي جرياً في ميادين وجبهات المواجهة، ونسف أخطر أحابيل مطابخ العدوان، لدرجة بات معها رأسه هدفاً رئيساً لمخطط ديسمبر الخياني، أمكن تحقيقه لاحقاً وبصورة مباشرة عبر أيادي الشبكة ذاتها.
ولايزال بعض تلك الأيادي القذرة إلى اليوم خارج طائلة القصاص ويتمتع بغطاء حمائي اتسع واستغلظ عقب اغتيال الرئيس الصماد. ولعل بن حبتور يذكر اليوم بحنق جولاته القسرية مع الرئيس الشهيد ويحمد الله على أنها باتت ذكرى وأنه لا شيء سيعكر صفو بياته وكمونه مجدداً.
* قال بن حبتور في تصريح لقناة «الميادين» قبل أشهر إن «قرارنا صنعاني». بصيغة عمدية كهذه ينفي بن حبتور يمنية القرار الوطني في صنعاء في معرض يفترض أنه يدحض خلاله أكاذيب تحالف العدوان وعملائه حول وصاية إيرانية على قرار صنعاء. كان يمكنه القول إن قرار صنعاء وطني محض ولا وصاية عليه من عدو ولا من صديق؛ لكنه أراد تمرير رسالة مضمرة إلى دوائر الوصاية في توصيفه للقرار الوطني بـ«الصنعاني»؛ رسالة مضمونها أن بن حبتور «مُكْرهٌ لا بطل» في موقفه المناهض للعدوان، بما يعزز صورته محلياً كمستلب لـ«أنصار الأمر الواقع».
غير بعيد، قال هشام شرف، وزير خارجية بن حبتور، مثل قوله، في حوار متلفز مع القناة الألمانية: «نؤيد حرب الأنصار في مواجهة التحالف ونعتبرها دفاعية مشروعة»، ما يعني بالخلاصة: «نحن لسنا جزءاً من الحرب الدائرة وإنما ضحايا لها ومجبرون على التعاطي مع أصحابها الذين هم الأنصار»، كما هو المضمون المضمر لتصريح الوزير في امتداد لمقولة ظل العميل علي عفاش يرددها حتى هلاكه: «نحن لم ندخل الحرب بعد، ويمكننا التوسط للسعودية لدى الأنصار لوقف استهداف المملكة بالصواريخ. نحن لا نمثل تهديداً لإسرائيل. تعال يا إسرائيلي نتفاوض ونتفق». هكذا تشابهت وتتشابه قلوب ورؤوس الثعابين وأقوالهم!
ضابط الارتباط (ع. ن)
ينهض (ع. ن) بدور حلقة ارتباط بين مركز الشبكة وأطرافها التخريبية. ورغم أنه سبق وتم القبض عليه في تعز بتهمة التخابر مع عصابات المرتزق طارق عفاش في العام
2019 إلا أنه أُطلق سراحه ويستميت اليوم كوسيط نافذ في استنقاذ الداعشي المتهم في مجزرة كمين شرعب من قبضة العدالة، وهو الجهد الذي أسفر عن تحرير مذكرات ممهورة بتوقيع بن حبتور وختمه كرئيس للحكومة في جناية قانونية جسيمة.
إلى ذلك يمتلك (ع. ن) مواهب متعددة، فإلى جانب كونه ضابطاً في جهاز المخابرات بصنعاء، يعمل (ع. ن) أيضاً ممثلاً في فرقة المهرج المرتزق فهد القرني، وقد لعب دور وكيل نيابة في مسلسل «ليالي الجحملية» المعروض في رمضان الفائت على قناة «يمن شباب» التابعة لمرتزقة تحالف العدوان!
كل ذلك يحدث في زمن 21 أيلول الثوري المجيد، وفي بلد يعيش للعام الثامن جحيم عدوان كوني وحصار عالمي شامل، ويموت عشرات الآلاف من أبنائه بالأمراض الفتاكة على أبواب مطار مغلق وميناء لا تتسرب من خلاله قطرة وقود إلى مولدات المشافي ومراكز الأورام والغسيل الكلوي...!
بينما يطير مواطنو شبكة البيات والكمون على أجنحة أممية وتجارية ليتداووا من نزلة برد أو يُجْرُوا «عمليات الشبكية»(*) ويلعبوا أدوار البطولة في مضاجع دراما الارتزاق والعمالة وسِيْرك التهريج ضد الوطن وشعبه المثخن بالجراح والخيانات وتسامح القيادة.
كل هذا يحدث وإذا كان للمعنيين دوافعهم التي لا نعلمها للتغاضي عنه والتزام الصمت إزاءه فليس بوسعنا الصمت ولا نمتلك دوافع تبريره ولسنا ملزمين بابتلاع ألسنتنا نزولاً عند «فتبينوا» بقراءة حفص أو عمرو أو نافع!!
سنفتح الجروح المتخثرة، وعلى المتضرر اللجوء إلى تابوت «الشراكة الوطنية» أو انتظار ثورة مجاهدين بقيادة السيد العلم تجتث الخَبَث الموروث والمكتسب وتسحق أفاعي الوصاية وطفيليات الثورة.
إن العالم ليس حديقة ولا بستاناً للسلام والدعة كما قال أبو جبريل، ونحن لسنا من يسترهبون تكاليف الصراع جنوحاً إلى خدور السلامة أو طمعاً في غنائم المحاباة ولهاثاً خلف رُيُوع ثورة تصبّ في القصور وتتجاوز حضيض الأكواخ وجفاف حلوق المستضعفين.
***
لن نصمت، فامكروا مكركم واعلموا أن الله خير الماكرين.
(*) بدأت فصول مخطط ديسمبر الخياني بـ«فريق أطباء روس» فتح لهم تحالف العدوان الأجواء اليمنية المحاصرة ليهبطوا في صنعاء بذريعة «إجراء عملية شبكية لعلي عفاش» وتبين لاحقاً أن هذه الخطوة كانت التدشين الفعلي السرّي للمخطط الخياني، بإشراف وضمانة روسية اشترطها صالح على مركز الوصاية حتى لا يتنصل الأخير عن تمكينه من أثمان المخطط فيما لو نجح، والتي كان أبرزها عودة عفاش إلى واجهة الحكم وإطلاق أمواله المجمدة بقرار أمريكي في الخارج.
* نقلا عن : لا ميديا