في الظاهر، لا يوجد ارتباط مباشر بين إطلاق حزب الله سرب المسيّرات الاستطلاعية فوق حقل كاريش مؤخرًا وبين إطلاق حزب الله احتفالية ذكرى الأربعين عامًا على نشأته، ولكن عمليًا، جاء توقيت الحدثين متداخلًا ليظهر وكأنه يوجد ارتباط بينهما.
إطلاق المسيرات حصل بقرار من المقاومة وبعد تقدير موقف دقيق وحساس، نتيجة مسار من التطورات المتسارعة في ملف ترسيم الحدود البحرية والمفاوضات غير المباشرة مع العدو الإسرائيلي، وبعد محاولة الأخير تجاوز الحقوق أو العروض اللبنانية الأخيرة لتسوية القضية بما هو انسب ماليًا للطرفين دون الدخول في أساس النزاع (الترسيم وتحديد الخطوط)، وذلك عبر دفعه (العدو) سفينة التنقيب والاستخراج "انرجيه باور" الى وسط الحقل المتنازع عليه، واتخاذها وضعية مناسبة لتنفيذ أعمال بحرية بشكل لا يترجم مسار المفاوضات المتعثّر أو غير المكتمل.
أما احتفالية ذكرى الاربعين لنشأة حزب الله، فهي احتفالية محضّرة مسبقًا ومنسّقة ومحددة بالتوقيت وبالنشاطات وبأماكنها وبالمشاركين فيها، وجاءت نتيجة عمل طويل مدروس ومنظّم للاضاءة على مسار طويل من المقاومة والجهاد والتضحيات، وحتمًا، لم تلحظ هذه الاحتفالية مسبقًا في نشاطاتها، أية عملية لها طابع عسكري تقني أو حتى أي نشاط أو عمل يحمل طابع التحدي للعدو، كاطلاق مسيّرات فوق منطقة أعمال بحرية ولوجستية متعلقة بالطاقة، تتكدس فيها القطع البحرية المنتشرة عسكريا لحماية سفينة الاستخراج المذكورة، بعد أن كانت موضوع تهديد جدي من قيادة حزب الله، فيما لو قامت بأعمال استخراج الغاز قبل الانتهاء من المفاوضات غير المباشرة مع العدو.
اذًا، مع تباعد واختلاف ظروف وحيثيات الحدثين، لماذا يمكن أن نعتبر أن هناك ارتباطا وثيقا بينهما؟ وما هي أوجه الشبه أو التشابك التي تؤكد هذا الترابط؟
في التوقيت: ترافقت عملية إطلاق المسيّرات الاستطلاعية فوق "كاريش"، مع الاحتفالية المخصصة لاحياء الذكرى الاربعين لنشأة حزب الله، وفيما كانت وما زالت تقريبا نشاطات الاحتفالية مستمرة، جاء الحدث العسكري ـ الاستراتيجي ليضيء على عدة نوافذ مفتوحة أو من الممكن أن تفتح، من الاشتباك الحاصل أصلا مع العدو على خلفيات أمنية ـ عسكرية، وجودية وايضا على خلفيات صراع على الحدود البحرية وعلى الحقوق في الغاز والطاقة، وليشكل نقطة حساسة قد تكون مفصلية في هذا الصراع.
في الشكل: هم أنفسهم تقريبا، نفس المقاومين القادة أو الكوادر الذين نظّموا ونسّقوا وحضّروا الاحتفالية ونشاطاتها المتشعبة، هم أنفسهم الذين حضّروا عملية ما قبل إطلاق المسيرات، من دراسة القرار وتقدير الموقف، الى متابعة عملية إطلاقها، وهم أنفسهم من وضع خطط مواجهة مرحلة ما بعد الاطلاق، وهي المرحلة الأهم والاصعب والأكثر حساسية طبعًا، لما يمكن أن يحصل من ردات من قبل العدو أو من قبل حلفائه الاميركيين، وتكمن هذه الحساسية في ترقب ردات فعل هؤلاء (الصهاينة والاميركيين) في اتجاهين:
ـ الاتجاه الاول لناحية اعتبار الأمر تجاوزًا للمفاوضات التي ما زال المبعوث الأميركي يتابعها ولم تنته حتى الآن، وهذا الأمر أساسًا اعترض عليه الأميركيون قبل الاسرائيليين.
ـ الاتجاه الثاني يتعلق بالتحدي العسكري والتقني الذي فرضه حزب الله لناحية نجاح مسيّراته (كان هذا الامر ايضا مقدّرا)، في الوصول إلى بقعة السفينة المحمية بواسطة قدرات دفاع جوي مناسبة وكافية، بمعزل عن إسقاطها، خاصة فيما لو كانت مذخرة أو مجهزة بصواريخ مناسبة واستهدفت السفينة عن بعد، وقبل نجاح منظومات العدو في اسقاطها.
في المضمون، يدخل الحدثان وبنفس المستوى تقريبًا، ضمن نفس السياق والبعد. مسار شاق وصعب وطويل من المقاومة، نتيجته: من جهة تحرير أغلب المناطق المحتلة (ما عدا مزارع شبعا والقسم اللبناني من قرية الغجر)، وانتصارات ثابتة وأكيدة في أكثر من مواجهة وعدوان، وفرض معادلات اقليمية ودولية، وفرض اعتراف دولي بالمقاومة وبموقعها وبحقها الطبيعي والقانوني بمواجهة العدو، ومن جهة أخرى تحديد وفرض قواعد اشتباك ميدانية وعسكرية، وامتلاك قدرات وأسلحة نوعية، (اليوم ظهر منها فقط مسيّرات كاريش) تثبّت معادلات ردع وقوة لا يمكن للعدو تجاوزها او القفز فوقها، رغم امكانياته وقدراته المتميزة عسكريا وتقنيا.
واخيرا.. في البعد الوطني، يظهر هذا الترابط وبقوة بين الحدثين، في حرص المقاومة وعملها الدؤوب وبذلها أغلى التضحيات خلال مسيرة الأربعين ربيعا، بهدف حماية سيادة لبنان وأراضيه من جهة، وبهدف حماية حقوقه وثروات أبنائه أمام طمع العدو وغطرسته من جهة أخرى.
* نقلا عن :موقع العهد الإخباري