لم يكن مفاجئاً لي بصراحة أن سارع بعض العرب وأعلنوا حالة الحداد وتنكيس الأعلام حداداً على وفاة الملكة اليزابيت الثانية ملكة بريطانيا!
فأنا أعلم يقيناً أن لدى هؤلاء من الجرأة والوقاحة ما يكفي للقيام بما هو أدهى وأمَرّ من ذلك!
ما فاجأني في الحقيقة هو ذلك الكم الهائل من الحزن والأسى الذي أبداه هؤلاء الصنف من العرب على رحيل الملكة اليزابيث!
يحسسوك يعني كما لو أنها كانت واحدة من (بقية أهلهم) أَو من أعز أقرباءهم!
والحمد لله..
الحمد لله أنه لا أحد من المسلمين قد صدق تلك الرواية التي تقول أنها من سلالة النبي الأعظم وآله الكرام وإلا لكانوا قد جاؤوا براقصة أَو اثنتين وأصروا على أن يعملوا لها (زفة) كتلك التي عملوها للفنانة اللبنانية الراحلة صباح!
طيب..
إن أعلنتم الحداد، فهذا شأنكم وأنتم أحرار!
لكن تعلنوا تنكيس الأعلام، فهذه بصراحة التي ما اقدرت حتى الآن أفهمها أَو استوعبها.
فقط اخبروني..
أي أعلامٍ وراياتٍ هذه التي ستنكسونها إذَا كانت جميع راياتكم وأعلامكم وإن بدت ظاهرياً مرفوعةً اليوم هي في الأصل (مُنَكَسَّة) حكماً منذ حرب (النكسة) أَو يزيد؟!
ومتى رأى العالم لكم بعد ذلك اليوم أصلاً (راية) ارتفعت عاليةً أَو (علماً) رفرف خفاقاً حتى تتحدثون اليوم عن تنكيسها؟!
يعني ببساطة..
ارفعوها وحلقوا بها عاليًا في سماء الكرامة والعزة والسيادة والاستقلال أولاً.. ثم بعد ذلك إذَا أردتم تنكيسها حداداً على رحيل أَو موت أحد مثلاً -إن شاء الله تكون أُمّ الصبيان- فافعلوا.. ولن يلومكم عندها أَو يسخر منكم أحد!
إلا إذَا كنتم تقصدون (بتنكيس الأعلام) هنا هو الاشتراك في لعب أدوارٍ كُمبارسية في مسرحية تراجيدية جديدة بعنوان (تنكيس المنكس وتقزيم المُقَزَّم) والتي تحاكي في شكلها ومضمونها المسرحية القديمة الجديدة (تجزئة المجزأ وتقسيم المُقَسَّم)، فهذا في اعتقادي أمر آخر.
على أية حال..
لقد كان عليكم يا عرب -وقبل أن تفعلوا ما فعلتم- أن تسألوا أنفسكم أولاً هذا السؤال:
هل كانت بريطانيا أَو أمريكا أَو فرنسا أَو أية دولةٍ غربيةٍ أُخرى ستنكس أعلامها لو أن ملكاً أَو رئيساً أَو أميراً عربياً مثلاً أدركه الموت؟!
هل كان هؤلاء سيبعثون إليكم (ببرقيات عزاءٍ) فيها من البكائيات والحزن والأسى ما يعجز عن وصفه أَو التعبير عنه الشعر والشعراء؟
والله لو تموتوا جميعاً دفعة واحدة، ما اكترثوا لكم ولا أسفوا عليكم لحظة واحدة!
قللك ينكسوا الأعلام.. قال!