أراد قائد المسلمين العام ونبيهم الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم أن يفتح مكة بأقل الخسائر، وأقل الكلف البشرية، فحشد جيشا كبيرا، واستعان في أمره على الكتمان، ودعا الله أن يأخذ الأخبار عن قريش.
تقدمت جيوش الله نحو مكة. وعلى مقربة من مكة في الجبال المحيطة بها، أمر الرسول الحكيم جميع أفراد جيشه الإسلامي بأن يشعل كل فرد منهم نارا على الجبال المحيطة، فاشتعلت الأرض المحيطة بمكة نارا، وبدا للمشركين أن هناك زحفا ناريا بكثافة غير مسبوقة على مكة، وكان هذا عرضا عسكريا مهيبا وعبقريا ومحنكا، أراد منه الرسول صناعة حرب نفسية تسحق نفسية العدو فلا يفكر في أية مقاومة.
كان أبو سفيان قد خرج إلى خارج مكة يتجسس الأخبار، فرأى تلك النيران، وهاله الموقف، وبينما كان يحدث رفيقه، بديل بن ورقاء الخزاعي، عن ذلك الأمر في تلك الليلة، سمعه العباس بن عبدالمطلب فناداه، وأخذه معه إلى رسول الله، فغدا به في اليوم الثاني على رسول الله، فقال له: أما آن الأوان يا أبا سفيان أن تشهد ألا إله إلا الله؟! فقال له: بأبي أنت وأمي يا محمد ما أكرمك، وما أوصلك للرحم! لو كان هناك إله غير الله لأغنى عنا.
فقال له: أما آن لك أن تشهد أني رسول الله، فقال: أما هذه ففي النفس منها شيء (ما امتغطت له عدو الله)، فأشار له العباس أن يسلم قبل أن يُطاح برأسه، فأعلن إسلامه مرغما كارها.
بعد ذلك أمر رسول الله أن تنظّم عملية عرض أخرى مهيبة وقوية وعاصفة لجيوش الله وجنوده على مرأى قائد قريش ومسمعه، وأمر العباس بحبس أبي سفيان في مضيق الوادي حيث يستطيع رؤية جميع كتائب الجيش الإسلامي، وأمرهم أن تمر تلك الكتائب كتيبة بعد كتيبة، فمرّت عليه، وكان كلما مرت عليه كتيبة قال: من هؤلاء يا عباس؟ فيقول له: هؤلاء بنو فلان، فيقول: ما لي ولبني فلان!... حتى إذا مرت كتيبة المهاجرين والأنصار، وقائدهم رسول الله محمد (ص) متسربلين الحديد، ولا يُرَى منهم إلا الحدق، هاله الموقف، وقال: سبحان الله، من هؤلاء يا عبااااااس؟ قال: هؤلاء المهاجرون والأنصار. فانهزم نفسيا، وقال: لقد أصبح ملك ابن أخيك الغداة عظيما! فألهم الله العباس أن يقول كلمة رائعة وملهمة نستطيع أن نجيب بها على كل النسخ السفيانية في كل زمان ومكان؛ قال له: إنها النبوة! قال أبو سفيان: إنها إذن! (بلهجتنا: تمام، سابر)، وهو غير مقتنع.
على كل حال، أعلن أبو سفيان بعد هذا العرض مباشرة أنه لا قبل لهم بهذه الجيوش، ونجحت خطة رسول الله في سحق معنويات قائد قريش، بل واستطاع تجنيده ليحمل هذه الهزيمة النفسية إلى قريش، فقال له: قل لهم: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، فذهب أبو سفيان، تسابق رجليه الريح، إلى مكة، مناديا قومه بأن محمدا قد جاءهم بما لا قبل لهم به من الرجال والعتاد.
حاولت زوجته هند أن تستعيد المعنويات المنهارة، وتطلب ألا يصدقه الناس؛ ولكنه قال لهم: «لا تصدقوا هذه، فإنها لن تغني عنكم شيئا مما سيقدم به محمد عليكم»، فقالوا له: فما الرأي؟ فقال لهم: «من دخل داري فهو آمن»، قالوا له: ويلك! وما تغني عنا دارك؟! فقال: ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن. فانشغل الناس كل واحد منهم يريد أن يبحث لنفسه عن مأمن، ونجحت خطة رسول الله في إلحاق هزيمة نفسية ساحقة عصبها على رأس أبي سفيان نفسه، وانطلق بها إلى قومه. ومن عبقريته (ص) أنه جند رئيس خصومه القرشيين ليكون رسول الحرب النفسية إليهم.
أبو سفيان اليوم من المؤكد أنه سيشعر بهزيمته النفسية وهو يرى هذه العروض العسكرية غير المسبوقة، وسيقول: لقد جاءنا الأنصار بما لا قبل لنا به من الرجال والعتاد، وستحاول زوجته (المرتزقة) أن تصرفه عن هذا الشعور، ولكنه لن يغني عنهم من الله شيئا، بعون الله وقوته.
هذه العروض العسكرية مقدمة للفتح الكبير، مهما حاولت هند بنت عتبة (المرتزقة) أن تكابر وتستمر في حالة العناد؛ ولكن بشارات وأمارات النصر تلوح واضحة للجميع بفضل الله وعونه، وبحكمة وعبقرية السيد القائد وريث حكمة وعبقرية جده رسول الله محمد (ص)، صلوا وسلموا عليه وعلى آله.
* نقلا عن : لا ميديا