في الرباعية التي تألق بها.. في مسابقة شاعر الصمود الموسم الرابع لنيل لقب شاعر الصمود.. أبسمنا باسم مساوى بقصائده الشعبية البديعة ذات الطابع البطولي التراجيدي.. والصور الشعرية البديعة.. والرموز التاريخية المهمة.. ساوى بين الصدفين بعد أن جعل بيننا وبين يأجوج ومأجوج الشعر ردما... وبذلك كان له من اسمه ولقبه نصيب.. سميح ونفاق الأمم وصدى الحجة وباب الفلاح وعروس البحر.. وتناول في مساهمته الأولى في الحلقة 4 من المسابقة قضية الطفولة وكيف أنها تنتهك من قبل من يدعون تبنيهم لحقوق الإنسان وفيها ومن خلال صوته الشعري المميز أوصل صوت الطفولة إلى العالم ليرى كيف يتم التغاضي عنها في ظل الصمت العربي والعالمي المطبق.. وفي مساهمته الثانية في الحلقة 12 تناول قضية الإعلام وكيف أن للإعلام دورا مهما في إيصال الخبر الصادق وفي مواجهة التضليل الإعلامي المرعب الذي تتبناه قنوات الإعلام المعاونة للعدوان.. وتناول في مساهمته الثالثة في الحلقة 20 موضوع الزراعة.. والتي جسدت جدلية المدرج والسد كنظرية زراعية يمنية خالصة.. والتي تضاهي في حضاريتها وقدمها وبراعة تشييدها وعبقرية إنسانها أهرامات ونيل مصر.. وفي المساهمة الرابعة عروس البحر والتي أذيعت في الحلقة 27 حضر اليمن كعروس للماء الذي يحيطها بحريا من جانبين الجنوبي والغربي وبحيث يوحي في ذهن المتلقي العديد من المسائل التاريخية والدينية والاستراتيجية ومنها أن ثمة جانبا مائيا شرقيا هو سد مأرب.. وجانبا مائيا شماليا هو الركن اليماني بمائه زمزم.. ومن هنا تكون اليمن محاطة بالمياه من كل الاتجاهات بما في ذلك ماء السماء كبعد مائي سماوي خامس.. وماء الأرض كعمق مائي جوفي سادس.. نحن بلد تجري من تحته الأنهار.
«سميح ونفاق الأمم»
سميح لمزيد من التأكيد هو طفل استشهد والده في مجزرة بني قيس محافظة حجة بقصف طيران العدوان الثلاثي وفي حين كان سميح موجودا ساعة القصف مع والده ولم يصب جسديا وإنما كانت إصابته معنوية ومع ذلك فقد فضل البقاء جوار جسد والده الممزق.. رافضا ترك أبيه حتى وقد فارق الحياة.. مما يعكس قوة الطفل اليمني وأن باستطاعته بمفرده وهو طفل مواجهة حرب كبرى شنتها ضده كبريات الدول الاستعمارية في العالم.
الشاعر باسم مساوى شاعر بدوي قادم من ريف القصيدة المورقة بالحروف المزهرة بشقائق الرمان.. تدلى من سدرة المعنى.. نادى باسم غيم الأحزان ممسكا تلابيبها وأحسبني أسائلها ما الذي تريده فجاءت تبيع الماء في حارة السقائين.. «يا غيم الأحزان ما صدر المعنى شحيح».. هو ذا صدري كأنه ديمة مكتظة بالأمزان.. ثم حملها بضاعته المزجاة.. وزادها حمل براق... «عوج الحنايا من أوجاع الزمن مورقة»... يصف ضلوعه المعوجة وكأنما اعوجت من كثرة السفر.. كأنه طرفة بن العبد يصف ناقته العوجاء المرقال.. مورقة بالمطر الذي أمطرها به طوال الموسم.. مورقة بالقصائد وهذه القصيدة إحدى سعف رطب عراجين جذعه العتيق.. سميح ونفاق الأمم.. سميح قد يسامح كل الناس لكنه لا يسامح قاتلي أبيه.. يتمثل دور الأب فيتحدث بلسان حاله.. وأنا هو ذلك الميت الذي حياته مجرد ضريح على قبره.. دعونا نقف قليلا على ضريحه ونقرأ الكلمات المكتوبة على شاهد القبر.
اجلسوا لكي اقرأ عليكم خبر الضريح.. «أنا هو الميت اللي له حياته ضريح».. يتمثل دور الميت الأب الذي يقف ابنه إلى جواره حيا كشاهد قبر.. «أتكفن الصبر واتمدد بلحد الثقة».. إنه الميت المكفن بالصبر.. كل الأكفان المعروضة في المآتم نسائج الصبر.. نحن منذ وثقنا بالله ودعناه أنفسنا في اللحود... بعناها بيع نفاذ. «فيني أسى شعب ثلثينه قتيل وجريح».. في داخل قلبي مآتم ومناحات الشعب كله.. ثلاثون مليون إنسان يئنون ويبكون داخلي... ثلثا صدري صالة عزاء بحجم الوطن. «وثلثه الباقي اتعود يواري الانفس المزهقة».. الباقي مقبرة.. أنا دفانها.. تعود يواري أشلاء القتلى الثرى.
«صدى الحجة»
قصيدته الثانية وهي التي تأهل بها من مرحلة 32 الى مرحلة 16:
«البارحة واجوا الحقيقة ضايعة بين الضباب
والزيف يغتال المسامع والعيون منومة»
مايزال الماء المتكثف ملهما مهما للشاعر باسم مساوى ومفتتحا مثيرا لهاجسه المتوجس ولكن هذه المرة على هيئة ضباب... وبدلالات مختلفة فالغيمة هي صورة الحزن في فلسفته وجاء الضباب كصورة للزيف.. لكن هل التركيب في الجملة سليم.. أعتقد.
«ولدت سفيرة شعبنا المظلوم من رحم الغياب
وشموسها اجتاحت مسارات السنين المظلمة»
مايزال النسق السياسي محمولا منذ النص الأول وهذا هو النص الثاني في منظومة القصيد الفائز بجائزة شاعر الصمود.. فنفاق الأمم هناك تليه سفيرة شعبنا هنا. والصورة الشعرية هي الفن الأبرز لدى باسم مساوى وإلى ذلك السياقات الدرامية ونداء التاريخ.. هو الشيمة المعاصرة في ظل غياب الحضور الإنساني الدولي.. لكنها ظلمة ردحت عقودا حتى اضطرت الثورة في عتبة الباب المسدود.. بحجب التضليل فلم يكفها بعد إلا اجتياحها.
«باب الفلاح»
«يا مخاييل البكار اللي لها اجواف الموارد
سجن والسجان قلبه يستهيم بكل وادي
لو بنينا للسدود ان ما في غيابك نكابد
وكل عام وغيبتك عن سابقتها في تمادي»
قصيدته التي انتقل بها من مرحلة 16 الى مرحلة 8 .. بعد هذه القصيدة الجميلة أمكنني القول إذا كان لصنعاء اليمن سبعة أبواب فقد ذكر لنا الشاعر باسم مساوى بابا ثامنا... هو موضوع الزراعة الذي بين أهميته للدخول من خلاله إلى أبهى الحضارة اليمنية بقصيدة باب الفلاح... قصيدة طرقت أهم عناصر القوة في اليمن إلى جانب عناصر أخرى وأهمها الصناعة والتجارة لسنا بصددها هنا ولا بصدد قراءة متعمقة للقصيدة.
«عروس البحر»
«سرينا يا ضيا عن كل الاضوا
يشوفَه مَن فَقَد شُوفَه بعينه
الى حيث التقى آدم بـحوّا
وحيث اتفارق ايّوب وأنينه
سقطرى يا منابع كل سلوى
ويا قلعة من البلوى حصينة»
عروس البحر.. المساهمة الرابعة التي تأهل بها من مرحلة 8 الى المربع الذهبي.. وهي القصيدة الأخيرة في المنظومة النصية لشاعر الصمود.. وقد أبدى فيها قدرة عالية على التصوير التاريخي للبحر مع اعتباره البحرين الأحمر والعربي امتدادا واحدا بغض النظر عن شكله الهندسي وهنا تظهر فلسفة التاريخ وشعرية الجغرافيا لدى الشاعر.. يمكن إسقاطها كمفهوم على امتداد الساحل هنا وهناك وربط الموقع بالواقع والعمق الاستراتيجي بالعمق الإنساني اليمني من سقطرى وباب المندب إلى العقبة والسويس.. مع التلميح عن نسق في البيت الثاني يعتقد أن أرض اليمن هي مهد الإنسان الأول.. وهي مهبط الوحي منذ آدم فأيوب.
على الشاعر لاكتمال فحولته الشعرية أن يتعرف على أشياء... أولها مفهوم نقل الأفكار.. أو كما يسميه الناقد سعيد الغانمي انتقال المواضيع... وهو الاستفادة من أفكار مجال آخر أدبي أو غيره.. للكتابة في المجال الأدبي.. انتقال المواضيع يشبه إلى حد ما انتقال فكرة رحلة ابن بطوطة وهو رحال ومؤرخ سابق لابن خلدون.. إلى رواية رحلة ابن فطومة للروائي نجيب محفوظ.. ولا يعد هذا تناصا إلا في العنوان لكنه في داخل العمل الأدبي ليس إلا انتقال أفكار.
والثاني التناص وهو تداخل النص وتفاعله مع نصوص الأدب والتاريخ والتراث.
والثالث التقمص وهو انتقال ذات الشاعر أو النفس الشعرية إلى كائن آخر غيره.. للتعبير عنه بالأصالة بما يشبه التناسخ في التيارات الفلسفية الغنوصية.. وهذا موجود بكثرة في أدب الحيوان وأدب الأطفال والمقامات.. وفي النصوص الشعرية والسردية الحوارية.. وحتى في النصوص النقدية كما في دراسة الناقد إبراهيم الهمداني لقصيدة صقر اللاحجي «مأرب والخوف العالمي».. وطبعا في عنوان اللاحجي انتقال فكرة لعنوان باسم مساوى «سميح ونفاق الأمم». وعودا على الهمداني ففي دراسته لنص اللاحجي نجد إذا ما جاز لنا ما يشبه تقمص التقمص أو تقصي الناقد أثر وانتقالات وتفاعلات الشاعر في نصه وشخصياته وكأنه هو.
التقمص وحلول ذات الشاعر في شخصياته وجدناه في نص سميح ونفاق الأمم للشاعر باسم مساوى.. ليس بمعنى تقويلها ما لم تقل وإنما على الأقل فهمها كما يفهم الطبيب النفسي حالاته.
* نقلا عن : لا ميديا