الاحتلال الأمريكي للمنطقة يهدف إلى الإمساك بمنابع وممرات الطاقة وحماية أمن إسرائيل، وتأمين أنظمة تابعة رخوة ضعيفة يمكن التحكم بها.
,,
نحن نعيش في رحاب الذكرة الثانية عشر لبدأ الحرب التي شنت على سوريا في ربيع 2011، وعشيت الذكرة الثامنة لبدأ العدوان على اليمن.
في هاتين المناسبتين لابد من وقفة تأملية هادئة هل فعلاً أن الذي شهدته سوريا كان مجرد التقاء بين أسباب داخلية، وموقع اقليمية استثمرت على الازمة السورية لعب الاتراك فيها دوراً محورياً، كما هو الحال بالنسبة الى اليمن بعض الأطراف الداخلية التي استثمرت على محيط إقليمي بقيادة السعودية.
في الحقيقة يكون ساذجاً من يقبل بمثل هذا التحليل، لا الحرب على سوريا، ولا الحرب على اليمن كانتا ترجمة لقرار محلي إقليمي، بل أن المحلي والإقليمي كانا في خدمة قرار دولي، قرار أمريكي واضح منطلق من محولة إعادة ترتيب جغرافيا المنطقة، وصناعة شرق أوسط جديد.
المفهوم الأمريكي الاستراتيجي للمنطقة يقوم على ثلاث ركائز، الركيزة الأولى هي الإمساك بمنابع أو ممرات الطاقة وخصوصاً النفط، الثانية هي حماية أمن إسرائيل، الثالثة هي تأمين أنظمة تابعة رخوة ضعيفة يمكن التحكم بها.
انطلاقاً من هذه العناصر الثلاثة أقتنع الامريكيون، وتيقنوا من أن سوريا، والنهضة الثورية في اليمن، والمقاومة في لبنان، والمقاومة في فلسطين، ملامح تبلور المقاومة العراقية، ما تمثله إيران، مجموع هذه الركائز تسير باتجاه لا يمكن السيطرة عليه، سوف يبلغ في مرحلة متقدمة القدرة على تهديد المشروع الأمريكي فكانت الحروب الاستباقية.
سواءً عبر العقوبات التي تعرضت لها إيران، أو عبر الحصار الذي فرض على لبنان، أو الهمجية الوحشية التي قوبل بها الشعب الفلسطيني، ولكن كانت هناك حرب حاسمة فاصلة في سوريا، وتبعها عدوان غاشم على اليمن.
عندما نتطلع الى مسار هاتين الحربين التان كتبتا مستقبل المنطقة وحاضرها، وكانت للمقاومة البطولية لشعب اليمني، ولصمود الأسطوري لشعب السوري الدور الحاسم في تغيير وجهة الاحداث بعكس ما رمة إليه الخطة الامريكية.
طبعاً وقف الحلفاء الى جانب الشعب اليمني بحدود ما هو متاح، وما هو مستطاع، ووقف الحلفاء الى جانب سوريا وصمودها وثباتها بحدود ما هو متاح، وما هو مستطاع، لكن الذي تم حشده للحرب على اليمن وللحرب على سوريا هو أضعاف مضاعفة عن المقدرات التي تمكن الشعب السوري، والشعب اليمني، مع ما بلغهما من مساعدة ومؤازرة من تأمينه في موجهة هذه الحرب.
في الحقيقة كان الصمود، وكان الثبات، وكان القتال سواءً في اليمن، أو في سوريا في وجه المشروع الأمريكي كان بالحلم الحي كما يقال، كانت الروح هي التي تقاتل، كانتا الإرادة والعزيمة هما التان تصنعا هذه الأسطورة، وهذه الإنجازات العظيمة،
إذا قرأنا مسار هذه السنوات سوف نكتشف أن الأمريكي وصل في مرحلة قبل سنتين الى يقين بأن حربه في سوريا ميؤوس من إمكانية تحيق النصر فيها، وأن حربه في اليمن يعني 2019 بدأ الثبات بعد ضربة أرمكوا والتيقن من لا أمل يرتجى من إمكانية تحقيق انتصار في اليمن.
سقطت الحرب من جهة وظيفتها الإيجابية، من وجهة نظرهم طبعاً، هي دائماً وظيفتها سلبية بالنسبة لنا، لكن إمكانية تحقيق أهدافها انتهت لم تعد للحرب قضية، لكن كان القرار الأمريكي هو المضي قدماً في توريط وتشجيع المشاركين والمنخرطين في هذه الحرب للمضي بها لتقديم المزيد من أسباب زعزعت الاستقرار، والارباك، والاشغال، والحصار، والانهاك، والاضعاف.
أملاً أن يتمكن من أن يقود المفاوضات سواءً في اليمن، أو في سوريا بما يضمن له حد أدنى من رؤيته لكيف يمكن أن تكون عليه سوريا، وكيف يمكن أن يكون اليمن، لهذا مضى الأمريكي في إبقاء قواته في سوريا، وشجع الجماعات الكردية المسلحة على بلورت ما يشبه الكانتون الانفصالي، الذي يملك الكثير عناصر القدرة على الحياة، من خلال نهب الثروات النفطية، نهب الثروات الزراعية.
والامريكي كان يقوم مباشرةً بعملية النهب، ولايزال حتى اللحظة، مانع إمكانية أي نهوض لسوريا اقتصادياً، لأن الطاقة هي المورد الرئيسي لحركة الاقتصاد، ولعجلة الاقتصاد، ولدورة الحياة، وحرمان السوريين من موارد الطاقة، سواءً بنهب ثرواتهم النفطية، أو من خلال الحصار الذي يمنع وصول أي موارد من المساعدات، أو من المشتريات النفطية الى السواحل السورية، يشبه تماماً ما رمى إليه الحصار المفروض على اليمن.
عندما بدأ التموضع لدى الحلفاء الذين كانوا قاعدة أمريكا في خوض حربها، تركيا بالنسبة لسوريا، والسعودية بالنسبة لليمن، عندما بدأ الحلفاء يستشعرون بأن الأمريكي عاجز عن وعدهم بتحيقي نصر، ليس مستعداً لأن ينخرط مباشرةً في دفع أثمان المواجهة، يتكئ عليهم، ويحملهم التبعات في أن يكون هم حلف الخاسرين، لا يبدي أي استعداد لتشارك في تفاوض يمكن أن يؤدي الى صيغة تسوية يمكن أن يقبلها السوريون واليمنيون.
بدأ هؤلاء الحلفاء كلاً على طريقته، السعودية على طريقتها، وتركيا على طريقتها يبحثان عن مخارج، طبعاً ليست هذه المخارج منصفة بالنسبة لليمن ولا بالنسبة لسوريا، لكنها خطوات أكثر اقتراباً من فكرة الاستبدال للاستثمار على الحرب بالتفكير الجدي بالذهاب الى التسوية.
نحن نقف اليوم أمام تحولات كبرى عنوانها روسيا تمكنت من أن تجذب تركيا الى مساحة متقدمة نحوا فكرة التسوية، لكن هي ليست الفكرة التي يمكن أن ترضي سوريا.
كذلك تمكنت الصين أن تجذب السعودية نحوا مساحة متقدمة نحوا فكرة التسوية بما هو أبعد من حدود اليمن تسوية على مستوى الإقليم، سواءً من خلال اللقاء السعودي الإيراني، والتفاهم على استعادت العلاقات الدبلوماسية، أو من خلال ما هو ثابت، ومعلوم، ومصرح به بأن إيقاف الحرب في اليمن هو الامتحان الأساسي لنجاح الثلاثية الصينية، السعودية، الإيرانية.
دخل الامريكيون هنا على الخط، دخلوا لتخريب، ولقطع الطريق على أن تنعطف السعودية وتمضي قدماً، ولأن تنعطف تركيا وتمضي قدماً، ولذلك لانزال في مرحلة ارتباك سعودي، وارتباك تركي انطلاقاً من الضغوط الامريكية.
يريد الامريكيون انتزع اعتراف بشرعنة بقائهم في سوريا، وامتلاك قواعد عسكرية في اليمن انطلاقاً من ذات المفهوم، ما هو مفهوم تقديم الدعم والمؤزرة والحماية لأمن إسرائيل، ومفهوم السيطرة على موارد وممرات النفط والطاقة في المنطقة.
ما بلغه اليمنيون، والسوريون بالعنفوان، والعزة، والكرامة، والاستثمار على التضحيات لا يسمح على الاطلاق بالتسامح مع مثل هذا التوجه العدواني الأمريكي.
لذلك كان الكلام الواضح لسماحة السيد عبد الملك الحوثي قائد المقاومة، وقائد أنصار الله في اليمن، وكان الكلام القاطع، والواضح، والثابت لرئيس بشار الأسد بالوجهة ذاتها، لن نقبل بقاء أي جندي أمريكي فوق أرضنا، سوف نقاتل هذا الاحتلال بكل أشكال المقاومة المتاحة.
على الأطراف الإقليمي ألا تشترك مع الأمريكي في حرب قادمة لأنه سوف يحملها هي التبعات، وسوف تنزف وتدفع أثماناً باهظة، ثم يحزم الأمريكي حقائبه، ويرحل كما في أفغانستان.
لذلك نحن أما لحظة دقيقة حساسة الموقف الثابت لشعوب، وللنخب الى جانب القيادات، وورائها لحماية ظهرها في هذه المواقف التاريخية، موقف السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، وموقف الرئيس بشار الأسد يجب أن يحظيا بكل الدعم، من كل شرائح اليمنيين والسوريين، ونخبهم، وقاداتهم، وأحزابهم، وعشائرهم، وقيادتهم السياسية والثقافية.
ليسمع الأمريكي من فمهم الآن أنه سوف ينزف دماً إذا ما قرر البقاء في الأرض اليمنية، وأنتزع قواعد عسكرية يتحكم من خلالها بموارد الطاقة، وممراتها ويوفر من خلالها الأمن لإسرائيل، وكذلك بالنسبة لسوريا.
موقع اليمن، وموقع سوريا محسومان في قيادة طليعية في محور المقاومة، وليس مجرد أطراف، هم مؤسسون وأركان في هذا المحور، ومواقفهم سابقة بأن فلسطين هي البوصلة، وأن أمن إسرائيل لا يمكن أن يخدم لا من اليمن، ولا من سوريا.
وأن الأسلحة، والمكانات، والمقدرات التي يملكها اليمنيون، والتي تملكها سوريا ستكون حكماً جزءً من أي مواجها يخوضها محور المقاومة في موجهة إسرائيل في أي لحظة قادمة يستدعيها الصراع الذي يخوضه الشعب الفلسطيني من أجل حريته ونيل حقوقه.
لذلك نحن نؤكد على ضرورة أن تكون المواقف واضحة قاطعة بتبني ما قاله سماحة السيد عبد الملك الحوثي، وما قاله سيادة الرئيس بشار الأسد، أن مفتاح الاستقرار في اليمن، هو الوضوح القاطع برفض أي شكل من أشكال المساومة مع الأمريكي.
كما أن الاستقرار الثابت والناجز لحماية وحدة وسيادة سوريا يبدأ مباشرةً من المتمسك بحقيقة لا رجعة عنها تطلب الرحيل الفوري للقوات الامريكية، وتحرير ثروات النفط والغاز التي ينهبها الامريكيون.
عندما يخرج الأمريكي من المعادلتين اليمنية والسورية سوف يكون سهل التقدم نحوا الحلول السياسية، لأن الذين يستثمرون على الدور الأمريكي سوف يعلمون عندها أن موازين القوى لا تسمح لهم لا بالمضي بالحروب، ولا بتعطيل التسويات، وسوف تكون الطريق سالكة الى تفاهمات تحفظ سيادة اليمن، تحفظ سيادة سوريا، تحفظ وحدة اليمن تحفظ وحدة سوريا وتحفظ حسن الجوار مع الذين أوغلوا بدماء اليمنيين، والسوريين، لأن لا سوريا تريد ثأراً من تركيا، ولا اليمن يريد ثأراً من السعودية.
شكراً والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
• رئيس تحرير صحيفة البناء اللبنانية
•
ورقة عمل للندوة الإعلامي التي نظمها اتحاد الإعلاميين اليمنيين السبت /18 مارس 2023-م