عرب جورنال / خالد الأشموري
يهل على العالم الإسلامي شهر رمضان المبارك خيراً وبركة.. ليس شهراً عادياً يتوالى فيه الليل والنهار وللصوم فقط، ولكنه معنى وحكمه بالأعمال الصالحة والتي تتمثل في السلوك الديني والأخلاقي، إنه فرصة ثمينة لعباد الله يراقبون فيها أنفسهم فيعدلون عن سلوكياتهم وهو مكسب عظيم قد لا يتحقق في غير رمضان.
فصوم رمضان ركن أساسي من أركان الإسلام، دين التوحيد اختاره الله لتوحيده كإله واحد لا شريك له، موحداً للمسلمين في الأرض، فقد حارب المسلمين في شهر رمضان من أجل إعلاء كلمة الله، ولم يكن الصوم عذراً للكسل والنوم، بل عبرة وعظة وتحمل وصبر وإرادة نفسية ومعنوية وردع للشهوات ومشقة على هجر الملذات بأنواعها ودرس مفيد للتهذيب وللتربية – تربية الإنسان المسلم على الجهاد والصبر على الشدائد وضد النفس الأمارة بالسوء، وضد الفساد والتعصب، والاعتداء على حقوق الآخرين.
إنه شهر البركة والرحمة وهذا هو سبب جعل الله هذا الشهر مخصصاً للصوم والعبادة تكريماً له.. ولأن الصوم نعمة وهداية ومنّة لآلهية إلى بني البشر فهو أيضاً شهر الوعي الاجتماعي لأمة الإسلام التي شاء الله أن تشهد مجداً وعزة في ظل الحضارة الإسلامية، وفي ظل العبادات والشعائر، فالمسلم الصائم مميز بالنية التي لا يعلمها إلا الله وحده.
وفي التشريع - تشريع صوم رمضان قول الله تعالى في محكم كتابه الكريم: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } سورة البقرة الآية (183-184).. وما جاء في الحديث القدسي – قول رسولنا الكريم محمد صلوات الله عليه وآله وسلم: " قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي، وأنا أجزي به، والصيام جُنة، فإذا كان يومُ صوم أحدكم فلا يرفث يومئذ ولا يصخب، فإن سابه أحدَّ أو شاتم، فليقل: إني صائم، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله يوم القيامة من ريح المسك، وللصائم فرحتان يفرحهما: إذا فطر بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه".
وما ذكر عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه" في رواية الطبراني " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم – قال: أتاكم رمضان شهر بركة يغشاكم الله فيه فينزل الرحمة ويحط الخطايا ويستجيب فيه الدعاء، ينظر الله تعالى إلى تنافسكم فيه، ويباهي بكم ملائكته، فأروا الله من أنفسكم خيراً، فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله".
وغير ذلك من الآيات والأحاديث الطيبة الذكر عن فضائل الصوم.. وقد تحدث علماء كثيرون مسلمون وغير مسلمين عن فوائده ومكاسبه – يقول أحد الأفاضل الكرام: كان الناس إلى زمان قريب يحسبون أن الصيام من الشئون الخاصة بالأديان، ولكن لم يكد ينتشر تاريخ الطب بين الناس، حتى علموا أن الصيام قد أعتبر في كثير من الأمراض من مقومات الصحة الجسمانية، كما علموا من عهد أبقراط أنه عامل قوي من العوامل المنقية للجسم من سموم الأغذية، فإن الأغذية التي نتناولها بشراهة تحتوي على مواد دهنية، ومواد رباعية العناصر، لا تطيق البنية البشرية أن تختزن مقداراً يزيد على الحاجة منها، وإطلاق الحرية للإنسان يجعله يتناول كل ما يقع تحت يده، وكثيراً ما يصاب بسبب هذه الحرية بآفات مرضية، تكون وبالا عليه، والصوم ذو تأثير بالغ في تخفيف الأعراض التي تنتاب الأعضاء الظاهرة والباطنة ، وتحويل محمود في حالة المريض يقوده إلى التخلص من الآلام والانحرافات، وحصة الروح من هذا التحويل لا تقل قيمة عن حصة الجسم، وقد استفاد الطب من ناحية الصوم، مالم يستفده من ناحية العلاج بالعقاقير".
وبالحديث عن الصوم بمنظار غير المسلمين فقد خط الكاتب والصحفي الجزائري " ابراهيم نوري " في مقالة المعنون بـ " الصوم تحت مجهر العقل " شبكة النت".
الصوم بمنظار غير المسلمين :
يقول الإعلامي- براهيم نوري – نقلاً عن الدكتور الأمريكي " ماك فادون" في حوار له كانت قد أجرته معه إحدى المجلات العلمية الأمريكية: لقد عالجت كثيراً من الأمراض عن طريق الصوم إن كل إنسان يحتاج إلى الصيام وإن لم يكن مريضاً، لأن سموم الأغذية والأدوية تجتمع في الجسم فتجعله كالمريض، فتثقله وتقلل نشاطه .. فإذا صام خف وزنه وتحللت هذه السموم من جسمه بعد أن كانت مجتمعة فتذهب عنه، حيث يصفو صفاءً تاماً، ويستطيع بعدئذ أن يسترد وزنه ويجدد حيويته في مدة لا تزيد على العشرين يوماً بعد الإفطار، ولكنه يحس بنشاط وقوة لا عهد له بهما من قبل.
وأضاف هذا الحكيم قائلاً: أن أكثر الأمراض تأثرا بالصيام أمراض المعدة، فالصوم بالنسبة لها كالعصا السحرية، فهو يسارع تماماً في شفائها، ويرى المعالج به العجب العجاب وتلي أمراض المعدة، أمراض الدم ثم أمراض العروق كالروماتيزم وغيره.
وكان الزعيم الهندي المهاتما غاندي يقول عن الصوم: إن الصيام بالنسبة للروح كالعين للجسد، فما تفعله العينان للدنيا الخارجية، يفعله الصوم للدنيا الباطنية.
وسُئل يوما الفنان الإيطالي العالمي" مايكل أنجلو" عن سر صحته الجيدة، ونشاطه المتدفق – بعد أن جاوز الستين – فقال: إنني أعزو احتفاظي بالصحة والقوة والنشاط في سنوات كهولتي إلى ممارستي الصوم من حين لآخر ، ففي كل عام أصوم شهراً، وفي كل شهر أصوم أسبوعاً وفي كل أسبوع أصوم يوماً، وفي كل يوم آكل وجبتين بدلاً عن ثلاث!.
أما حجة الإسلام أبي حامد الغزالي فيقول: الصيام زكاة للنفس، ورياضة للجسم، وداع للبر، فهو للإنسان وقاية، وللجماعة صيانة.. وفي جوع الجسم صفاء القلب، وإيقاد القريحة، وإنفاذ البصيرة لأن الشبع يورث البلادة، ويعمي القلب، ويكثر الشجار في الدماغ فيتبلد الذهن، والصبي إذا ما كثر أكله بطل حفظه، وفسد ذهنه.. أحيو قلوبكم بقلة الضحك وقلة الشبع وقلة الحسد، وطهروها بالجوع حتى تصفو وترق.
وبخصوص علاقة وآثار الصيام إزاء الحفاظ على الصحة المتوازنة، فمن المعروف لدى الجميع أن مرض السكر له علاقة وثيقة جداً بالطعام وكمياته ونوعه وطريقة طهوه، ولقد كانت الطريقة المتبعة في علاج مرض السكر قبل اكتشاف الإنسولين والأدوية الحديثة التي تستعمل في الفم هو الإقلال من تعاطي المواد النشوية، وقد أتبع في المانيا وأمريكا في أواخر القرن الميلادي الماضي وأوائل القرن العشرين طريقة السيطرة على مرض السكر في الحالات المتوسطة عن طريق الصوم لمدة يومين إلى أسبوعين، وقد أوصى البروفسور " نوفن" "أبو السكر في العصر الحديث " المرضى بأن يصوموا تماماً عن الطعام ما عدا تناول العصير بكميات قليلة لمدة يومين.
فالصوم يقيناً – كما أثبت العلماء والعلم الحديث – ذو فائدة كبرى في السيطرة على مرض السكر خاصة عند بدء اكتشاف المرض وهكذا تتبدى الحكمة الربانية الجليلة في تشريع الصوم، وجعله فريضة في الدين الإلهي الخاتم، وفيما قبله أيضاً من تشريعات السماء.
نحن والصوم..!
لكن وعلى الرغم من تضافر ما تهدي إليه النصوص المعصومة، وما يؤكده العلم والتجربة، من أهمية الصوم، وآثاره الجليلة النافعة روحياً ونفسياً وصحياً واجتماعياً، فإن واقع المسلمين اليوم يُعد بعيدا عن أهداف ومدلولات هذه الشعيرة الدينية الجليلة.
إنه من المؤسف حقيقة، بل من المخجل ألا يستوعب المسلمون غايات ودلالات ومقاصد البناء الاجتماعي والحضاري في شعائرهم التعبدية، وشرائعهم السلوكية والفكرية وغيرها، فصوم رمضان في الكثير من مجتمعات المسلمين اليوم هو صورة قاتمة حقيقية، ماثلة للكسل وهدر الطاقة والوقت، والاستهلاك الفوضوي البعيد تمام عن الوعي والعقلانية، وروحانية الإسلام الحقة.. وأخلاقيات هذا الدين الحضارية.
ومن الواجب على مختلف المجتمعات الإسلامية تقديم صورة مشرقة لعباداتهم ومناسكهم وسلوكياتهم، ليس فقط في شهر رمضان، وإنما على سبيل الدوام .. حتى تكون هذه المجتمعات في موضع القدوة والمثل، ولله در سلفنا الصالح إذ قال: إذا صُمت فليصم سمعك وبصرك، ولسانك عن الكذب والمحارم، ودع عنك أذى الجار، وليكن عليك سكينة ووقار ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء.
* نقلا عن :عرب جورنال