إن صدق السعوديّون هذه المرة، فَـإنَّهم بذلك، في اعتقادي، يكونون قد خطوا الخطوة الأهم ووضعوا أرجلهم على بداية الطريق الصحيح.
فهم بصراحة، ولأسباب معروفة، كانوا الطرف المتعنت والرافض دائماً لأي فكرة للتقارب مع إيران على مدى الفترة التي أعقبت قيام الثورة الإسلامية في إيران في نهاية سبعينيات القرن الماضي.
الإيرانيون، في الحقيقة، لم يكن لديهم مشكلة في التقارب مع السعوديّة، بل أنهم قد ظلوا يدعون إليه مراراً وتكراراً وفي مناسباتٍ عديدة.
الرئيس الإيراني الأسبق (محمود أحمدي نجاد) على سبيل المثال، وفي أثناء فترة رئاسته، كان قد دعى إلى إقامة مشروعٍ نووي عربي-إيراني مشترك.
بل أنه زاد على ذلك واقترح بأن يصطلح الطرفان على تسمية موحدة للخليج، بحيث يصبح (الخليج الإسلامي) بدلاً عن الخليج (العربي أَو الفارسي).
كل ذلك طبعاً كان في سبيل إثبات حسن النوايا الإيرانية تجاه السعوديّة وذلك رغبةً منهم في التقارب معها وكذلك لإزالة كُـلّ أسباب التوتر والاحتقان العالقة بينهم، بما فيها طبعاً المخاوف السعوديّة من طموحات إيران النووية بالإضافة إلى ما ظل يثار من وقتٍ لآخر من خلاف غير معلن حول تسمية الخليج.
السعوديّة بدورها لطالما ظلت متصلبة في موقفها المعادي والرافض لإيران منذ نجاح الثورة الإسلامية هناك، ولم يبدر عنها بصراحة أي تحَرّكات جادة أَو ملموسة في هذا الاتّجاه.
وليس هذا فحسب، بل أنها عملت، وعلى مدى أكثر من أربعة عقود، على التحريض ضد إيران وتأليب العرب والعالم عليها بدعاوى كثيرة؛ مرة بدعوى سعي إيران لتصدير ثورتها، ومرة أُخرى بدعوى نية إيران إقامة هلال شيعي في المنطقة العربية، ومرة ثالثة بدعوى قيام إيران بدعم جماعات ومنظمات عربية (إرهابية) بحسبها، ومرةً رابعة بدعوى تدخلات إيران في المنطقة العربية، ومرة خامسة بدعوى سعي إيران لامتلاك أسلحة نووية تهدّد أمنها والأمن القومي العربي ككل.. وهلم جرا!
إلا أن الأخطر من ذلك هو إقحام الإسلام في الموضوع وذلك من خلال ما عكفت عليه السعوديّة دائماً من تأجيج وإذكاء لنار الطائفية وإحياء للنعرات المذهبية في محاولة منها لإضفاء صبغة دينية ومذهبية على هذا الخلاف!
لم تكن السعوديّة، في الحقيقة، تصرح بذلك رسميًّا بصورة مباشرة، إلا أنها، ومع ذلك، لم تتورع في إطلاق العنان لمؤسّستها الدينية للخوض طويلاً في هذا الأمر وعمل كُـلّ ما من شأنه تعكير الصفو بين السنة والشيعة.
إيران بدورها ظلت تنتهج سياسة حذرة ومرنة في تعاملها مع السعوديّة تقوم على أَسَاس الفعل ورد الفعل وذلك من باب الدفاع عن نفسها إذَا جاز التعبير خَاصَّة وأنه لم يعرف عنها أن قامت وبادرت أولاً بأي سلوكٍ أَو عملٍ عدائي تجاه السعوديّة، فكل تحَرّكاتها في هذا الخضم، وعلى أغلب الظن، لم تكن، في الحقيقة، تأتي إلا من باب رد الفعل ليس إلا.
عُمُـومًا، سيظل الاتّفاق السعوديّ الإيراني، والذي تم برعاية صينية، على المحك ما لم نشاهد أَو نلمس خطوات ملموسة وحقيقية تدفع باتّجاه تعزيز العلاقات بين البلدين الجارين، خَاصَّة وأنه من غير المعقول أن تبرم السعوديّة مثل هذا الاتّفاق بعيدًا عن موافقة حليفتها أمريكا صاحبة المصلحة الحقيقية الأولى من وراء القطيعة السعوديّة الإيرانية.
فهل قرّرت السعوديّة أخيرا، باتّفاقها مع إيران، فسخ عقد (الزواج الكاثوليكي) الذي ظل يحكم علاقتها مع أمريكا لأكثر من سبعة عقود منذ التوقيع عليه وإشهاره على ظهر المدمّـرة الأمريكية كوينسي؟!
أم أن إبرامها لهذا الاتّفاق قد جاء باتّفاق سري مع أمريكا وإسرائيل تمهيداً لقيام الأخيرتين بتوجيه ضربة قوية ومفاجئة لإيران عبر الأراضي الأذربيجانية، فلا تقوم إيران بالرد وضرب القواعد والمصالح الأمريكية الحيوية في السعوديّة؟!
من يدري؟