كانت اميليا ملكة في غزة. ربما للبعض ممن لا يعرف من هي اميليا وما الذي يجري في قطاع غزة، تبدو هذه جملة مقتطعة من قصة للأطفال أو رواية، أكثر من تفصيل واقعي. لذلك، قد يسأل هؤلاء: من هي اميليا؟، ولماذا هي ملكة في غزة؟ وفي الإجابة عن هذين السؤالين القصة بكامل عناصرها، هنا “بيت القصيد”، أي خلاصة الموضوع.
لنبدأ بالسؤال الأول. اميليا هي فتاة صغيرة، في الخامسة من عمرها تقريباً، ذات بشرة بيضاء وشعر أشقر. فعلياً، فإن هذه التفاصيل ليست الإجابة، مع أنها تفاصيل حقيقية، لكنها لا تؤدي الغرض المطلوب في سياق فهم الحكاية، فمن هي اميليا؟ اميليا فتاةٌ اسرائيلية كانت قبل السابع من تشرين الأول/اكتوبر، تعيش في احدى مستوطنات غلاف قطاع غزة في فلسطين، المحتلة من قبل الاسرائيليين منذ العام 1948. الأمر لم يقتصر منذ ذلك الحين على الاحتلال للمناسبة، كان أشبه بممارسة نوع من الإبادة بحق شعب بأكمله، جُرّد الأخير من وطنه، ليصبح جزءاً كبيراً منه هائماً في الشتات، وما تبقى هائماً في شتات الداخل وعذابات القتل والحرب والأسر والقمع اليومي المتنقل من جيل إلى جيل، أي من أجداد اميليا إلى أبويها وصولاً إليها.
ماذا عن السؤال الثاني؟ وفي الإجابة عنه تفاصيل أكثر من الأول، أو بشكل أوضح، قد تتفرع عنه اسئلة أخرى. إذ إنه قبل الإجابة عنه قد نُسأل، ماذا عن غزة؟ وما يحدث الآن في غزة؟ وبعدها يأتي السؤال اياه لماذا هي (اميليا) ملكة في غزة؟ الأخيرة من حيث الجغرافيا هي المنطقة الجنوبية من السهل الساحلي الفلسطيني على البحر المتوسط، تشكل 1.33% من مساحة فلسطين الكلية، وهي المنطقة الثانية التي لم يستطع الاحتلال الاسرائيلي السيطرة عليها (الأولى هي أجزاء من الضفة الغربية)، وللمناسبة فإن “إسرائيل” قامت بفصلهما بعد احتلالها للأراضي الواقعة بينهما لتنشأ بعدها ما يُسمى “الكيبوتس”، حيث تعيش اميليا.
لأن غزة بقيت كل هذه الفترة عصية على الاحتلال بفضل مقاومتها القوية التي طورت قدراتها يوماً بعد يوماً، رغم الحروب المتتالية والحصار الدائم. سعت “اسرائيل” كيان اميليا وأجدادها المصطنع بشكل دائم إلى العمل على ضربها وتدميرها وارتكاب الاف المجازر بأهلها، فكان الطوفان الكبير في السابع من تشرين الأول/نوفمبر، حيث خرج ثلة من أبطالها لممارسة فعل المقاومة بحق العدو والمحتل، وهنا وقعت اميليا ووالدتها والعشرات مثلهم أسرى لدى هؤلاء المقاومين، إلى جانب العشرات ايضاً من الجنود والضباط في جيش الاحتلال. المقاومون أعلنوا أهدافهم المحقة من العملية: اتمام عملية تبادل مع العدو تؤدي إلى اطلاق الالاف من الأسرى الذين يمارس بحقهم شتى أشكال التعذيب النفسي والجسدي اليومي، إضافة إلى حقهم بالأرض والحرية.
لكنها، أي “اسرائيل” إلى حيث تنتمي اميليا، كيان متغطرس لا خطوط حمراء لديه. خرج بكامل ناره وعتاده وتحالفاته الممتدة إلى أقاصي الأرض، خرج ورمى بحقده على 365 كلم، قتل أكثر من عشرين ألفاً، حاصر القطاع مانعاً عنه كل مقومات الحياة، دمر المستشفيات وأكثر من 50% من البنى التحتية، حتى أنه لم يأبه لاميليا ووالدتها دانيال ومن معهم، الذين زعم أن سيستردهم بناره، إلى أن شعر بالعجز ورضخ ذليلاً.
لماذا هي (اميليا) ملكة في غزة؟ لأنه رغم كل هذا القتل والدمار والموت الذي مارسه من تنتمي إليهم، فإن من يفترض أنهم سجانوها “كانوا لها كالأبوين، هي تعترف بأنكم كلكم اصدقاؤها ولستم مجرد أصدقاء وإنما أحبابٌ حقيقيون، شكراً لكونكم غمرتموها بالحلويات والفواكه وكل شيئ موجود حتى لو لم يكن متاحاً، بفضلكم ابنتي اعتبرت نفسها ملكة في غزة”، قالت دانيال والدة اميليا في رسالة وجهتها لأبطال الطوفان (كتائب القسام) عقب اتمام عملية تبادل في 23 تشرين الثاني/نوفمبر.
لماذا هي ملكة حقاً؟ لأنها كانت مع أًصحاب الأرض، ومن يدرك جيداً أنه منتصر لا محالة فلماذا يمارس العنف، لما الخوف؟ إنها طمأنينة أصحاب الحق التي انعكست جلياً حتى على وجوه أسراه، وبينهم اميليا.
ــــــــــــــــــــــــــــ
سمية علي*
* نقلا عن : المشهد اليمني الأول