لا شك أن تحذير وزير الحرب الأمريكي لويد أوستن للعدو الصهيوني بأنه قد يواجه هزيمة استراتيجية في قطاع غزة، هو تصريح كاشف لأزمة العدو ومدى المخاوف التي تعيشها أمريكا من نتائج المعركة الراهنة. أوستن قال إنه: "في هذا النوع من القتال، يكون السكان المدنيون هم مركز الثقل. وإذا دفعتهم إلى أحضان العدو، فسوف تستبدل النصر التكتيكي بهزيمة استراتيجية". وهو ما يعني أن الإمعان في قتل المدنيين وزيادة عدد الضحايا لا يشكل نصرًا عسكريًا في ذاته، ولا يحمل أي بعد استراتيجي، بل على العكس قد يشكل هزيمة على المدى الاستراتيجي البعيد.
وهذا التصريح وغيره من التحليلات التي تتحدث عن سيناريوهات الحرب ونهاياتها المتوقعة، والتقييمات المتباينة للنصر والهزيمة، يجعلنا نفتح ملفًا استراتيجيًا هامًا، يتعلق بأنواع النصر من المنظور العسكري، وكذلك السيناريوهات المختلفة للحروب ونتائجها، ومن هذا الملف يمكن تبيّن حقيقة النصر الاستراتيجي وكيف يتحقق في المعركة الراهنة؟
وقبل الخوض في ذلك، ينبغي التذكير بالأهداف التي أعلنها الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله، في خطابه المؤرخ في 3 نوفمبر/تشرين الثاني، لأننا سنكتشف مدى دقتها ورؤيتها الاستراتيجية بعد استعراض النصر الاستراتيجي ومواصفاته. حيث قال السيد نصًا: "عندما نتحدث عن تحمل المسؤولية يجب أن نضع الأهداف القريبة التي يجب أن نعمل لها جميعا وفي رأينا هناك هدفان، الهدف الأول الذي يجب العمل له في الليل وفي النهار، وقف العدوان على قطاع غزة، وقف الحرب على قطاع غزة، والهدف الثاني أن تنتصر غزة، أن تنتصر المقاومة الفلسطينية في غزة وأن تنتصر حماس بالتحديد في غزة".
وهنا يمكننا الولوج في السيناريوهات المختلفة للحروب ونتائجها ومواصفات النصر والهزيمة بها، وفقًا لما قررته العلوم العسكرية:
أولًا- النصر الحاسم: هو النصر الذي ينتهي بتحطيم قوات الخصم وشل قدراته بحيث يصبح عاجزًا عن مواصلة القتال، أي توجيه ضربة قاضية لقدرة الخصم العسكرية وإنهاء تهديده تمامًا.
ثانيًا- النصر الاستراتيجي: وهو النصر الذي يتم فيه تدمير جزء مؤثر من قوات الخصم أو آلته العسكرية أو الاستيلاء على موقع أو مواقع شديدة الحيوية ومؤثرة كثيرًا في سير العمليات العسكرية أو يتم فيه صد وإفشال هجوم كبير للخصم ووضع نهاية لسلسلة اندفاعاته، وهو ما يؤدي لتحول اتجاه الحرب وانتزاع زمام المبادرة من طرف إلى طرف آخر ويأتي بانتصارات طويلة الأجل للمنتصر ويضعف قدرة المهزوم على استكمال الحرب.
ثالثًا- النصر التكتيكي: وهو انتصار تستطيع فيه قوات أحد الطرفين أو جزء منه (لواء أو فرقة أو جيش ميداني) تحقيق مكسب على الأرض باكتساب مساحة معينة أو إلحاق خسائر بشرية ومادية كبيرة بالخصم، ولكن هذا المكسب لا يؤدي لتدمير قوات الخصم ولا حتى جزء مؤثر من تشكيلاتها ولا حصارها أو تطويقها، وبالتالي، فإن النصر تكتيكي يعني تحقيق مكسب على الأرض دون أي تأثير على قدرة الخصم على مواصلة الحرب.
رابعًا- حالة التعادل: أي أن الحرب أو المعركة استقرت على إنجازات عسكرية للطرفين دون أن تعطي تفوقًا واضحًا لأي طرف.
خامسًا- الطريق المسدود: وهي أن الحرب كانت عقيمة في نتائجها العسكرية النهائية وتحولت لالحاق الخسائر بين الطرفين دون جدوى ومردود.
طبيعة الصراع: وطبيعة الصراع مع الصهاينة هي صراع وجودي وهو صراع قائم على الإرادة، أي أن الهدف الاستراتيجي للطرفين هو كسر الإرادة وبالتالي تحقيق النصر الحاسم.
هل هناك خلاف بين أميركا والكيان الصهيوني؟
من واقع ما سبق يمكننا القول إن ما يبدو أنه خلاف بين أمريكا والعدو، هو خلاف وهمي وربما هناك تمايز فقط في المراحل، فالولايات المتحدة والكيان الصهيوني هما كيان واحد متفق على تصفية المقاومة وربما العدو الصهيوني يفضل أن يحقق نصرًا حاسمًا، بينما ترى أمريكا أن الوقت لا يسمح سوى بالنصر الاستراتيجي والذي سيصل مع التفاعلات اللاحقة إلى النصر الحاسم الذي تريده "اسرائيل"!
أهداف العدو: وبالتالي فإن العدو الصهيوني بحكومته المتطرفة الحمقاء تريد تحقيق نصر حاسم على المقاومة، وإن لم تتمكن من ذلك فعلى الأقل تسعى لتحقيق نصر استراتيجي، أي إذا فشلت في سحق المقاومة، فعلى الأقل تريد تكريس أوضاع تجعل من المقاومة رقمًا مهملًا في السياسة وتنظيمًا محاصرًا لا يمتلك التسليح ولا الدعم ولا القدرة على التهديد.
أهداف المقاومة: لا شك أن المقاومة هدفها الاستراتيجي هو التحرير الكامل وتحقيق النصر الحاسم الذي لا يسمح للعدو ولا لأي مستعمر أن يتجرأ على الغزو والاحتلال لأي شبر من الأراضي.
ولأسباب موضوعية تتعلق بامتلاك الأعداء لآلات القتل والقدرات الجوية والتواطؤ الدولي والعربي الرسمي، فإن المقاومة تسعى في هذه المرحلة لتحقيق النصر الاستراتيجي والقائم على صد العدوان وإفشاله والاحتفاظ بقدرات المقاومة وخيارها وشرعيتها وسلاحها واستنزاف العدو باعتبار الوقت في صالح المقاومة وتناميها وانتصار إرادتها في نهاية المطاف.
الصراع الراهن:
يبدو هنا أن الصراع الراهن يتمحور حول الحصول على النصر الاستراتيجي باعتبار أن الميدان لا يسمح بنصر ساحق لأحد الطرفين وفقا للمعطيات والظروف الراهنة.
ما هو النصر الاستراتيجي للعدو؟ هنا فإن النصر الاستراتيجي للعدو هو النجاح في شل قدرات المقاومة وتفكيك قواها وعزلها سياسيا وخلق أمر واقع لا يسمح لها بممارسة خيار المقاومة لفترة طويلة واستغلال هذه الفترة في تصفيتها على مراحل متلاحقة.
ما هو النصر الاستراتيجي للمقاومة؟ أما النصر الاستراتيجي للمقاومة فيتمثل في الاحتفاظ بقوتها وقدرتها على تهديد العدو وتثبيت وضعيتها السياسية وشرعيتها وإفشال العدو ومخططاته.
هنا وبالعودة إلى الأهداف التي حددها السيد نصر الله في خطابه والتي حصرها في هدفين في هذه المرحلة، فإن الهدفان هما وقف الحرب وانتصار المقاومة وحماس تحديدا باعتبارها هي الهدف المعلن للعدو، أي أن السيد تحدث عن نصر استراتيجي يقوم على صد هجمة العدوان وبقاء المقاومة راسخة وثابتة ومحتفظة بقوتها وممثلة شرعيا باعتبارها تعبير عن ارادة شعبية تتبنى خيار المقاومة وهو ما يعني عدم كسر الإرادة وهو ما يعني باختصار النصر الاستراتيجي كمقدمة للنصر الحاسم.
* نقلا عن :موقع العهد الإخباري