يتداول الناس قول الرسول الكريم المصطفى ” إنما بعثت لأتمم مكارم الاخلاق” فيمر عليهم مرور الكرام – كما يقال- – أي دون تمعن وتعمق في هذا القول الذي أفادنا به الرسول الخاتم، إن اصطفاءه من بين سائر الخلق وابتعاثه إلى الناس أجمعين كان لهدف أول وغاية أسمى هما أن يتمم مكارم الاخلاق فيحقق بذلك خيرا أراده الله لعباده وبعث من اجله الأنبياء بالرسالات السماوية فكلمة (أتمم) هنا تعني استيفاء ما بدأه اخواه موسى وعيسى عليهما السلام .
يحصر الكثير مفهومه للخُلق ( جمع أخلاق) على أنه السلوك الحسن والقول الطيب ويتساءل بعضهم قائلاً هل انحصرت الغاية من ابتعاث الرسول محمد (ص) في إتمام مكارم الاخلاق لقوله (ص) انما بعتت لأتمم مكارم الاخلاق. مع أن الرسالة جامعة؟ وللإجابة الإيضاحية على هذا التساؤل، نقول نعم ولكن بالمفهوم اللغوي العام للأخلاق وتعريفها من قبل الرسول المتمم (ص) فهذا الكتاب القاموس (لسان العرب) لابن منظور وأهم مراجعنا اللغوية يقول أو يعرف الاخلاق بأنها الدين والطبع والسجية، وهي الصورة لباطن الإنسان ونفسه أو نفسيته كما نقول في عصرنا والعلوم الحديثة.
من هنا نستطيع القول وبكل ثقة، أن الاخلاق هي الدين بقيمه وتعاليمه وهي الطبع والمروءة والسجايا الحسنة.. وفي هذه الأمور المكونة لكلمة أخلاق أو المجتمعة في مصطلح الاخلاق نجد الخير كله الذي أراده الله لعباده حتى يصلح الكون وتستقيم العلاقات بين الناس دون ظلم أو فساد، ومن شواهد التدليل على ذلك أن الله سبحانه عندما جمع كل الصفات النبيلة والحميدة ليصف بها رسوله الخاتم المتمم قال: وإنك لعلى خلق عظيم.
نكتفي بهذا الجانب اللغوى ،لتنتقل إلى تعريف الرسول (ص) للأخلاق ومفهومه لها ،فإذا كان هناك من يرى أن الايمان يكمن في التوحيد والعبادات والصدقات وأعمال الخير والجهاد في سبيل الحق وغيرها من الأمور المطلوبة في المؤمن الحق فإن الرسول (ص)يرى أن كل ذلك يتوفر في الأخلاق الحسنة، وبما أن لكل انسان أخلاقه فإن أكرم الناس وأكثرهم ايمانا هو من حسنت أخلاقه أو تحلى بمكارم الأخلاق ،فقد قال (ص) “أكمل المؤمنين أحسنهم أخلاقا” بمعنى أن اكتمال الإيمان بحسن الخلق وإذا ما كانت العبادات المخلصة من أعمدة وركائز الدين والايمان فهذا رسولنا الكريم يجعل التقيد بمكارم الاخلاق في مرتبة تلكم العبادات عندما قال (ص) “أن العبد ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم” ونفهم من هذا أن من حسنت أخلاقه صار ومن يصوم ويقوم الليل سواء في نيل مرضاة الله سبحانه”.
أما إذا بحثنا عن التعريف الجامع لحسن الخلق، حتى يكون لنا منهجا وهاديا فلن نبحث طويلا، ونجد المراد لدى أم المؤمنين السيدة عائشة وهي تصف الرسول الكريم فأوجزت في وصف خلقه وقالت (وكان خلقه القرآن) وفي هذا شاهد آخر على التداخل بل التماهي بين الدين والأخلاق وأن تعاليم حسن الخلق قد شملها القرآن الكريم في كل ما جاء به من أجل البشرية.
إذا ما كنا قد أطلنا في الحديث عن الأخلاق وحسن الخلق، فلن نقول شيئاً عن سوء الخلق والعياذ بالله منه، ونكتفي بما قال معلمنا الأول فقد قال صلى الله عليه وآله (سوء الخلق مشؤوم، وشراركم أسوأكم خلقاً) وقال (سوء الخلق يفسد العمل كما يفسد الخل العسل) أي وصف أبلغ من هذا لسيئ الخلق وسوء الاخلاق؟ وما عسانا أن نضيف اليه ؟
وبما أن الشعر هو ديوان العرب، فلنستدعيه، وقد وجدت في مخطوطة شعرية لم تطبع بعد أن الرسول (ص) قال (إن لله كنوزاً تحت أبطان العرش يلقيها على ألسنة الشعراء) وهذه إحدى الكنوز الملقاة على ألسنة الشعراء يقول لنا صاحبها أن لاصلاح ولا نهوض لأمة إلاّ بأخلاقها قال الشاعر “وإذا الأخلاق كانت سلما *نالت الشمس يد الملتمس” وهذا أمير الشعراء في عصره أحمد شوقي بك يقول إن الأمة بأخلاقها سلبا أو إيجابيا حيث قال:” وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت * فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا” إذا فخيارنا هم أحسننا خلقا وشرارنا هم أسوأنا خلقا.