مرت المنطقة بمراحل متعددة بعد سايكس بيكو أهمها:
الهدم المنهجي لوعي الشعوب، وذلك من خلال عدة خطوات لبلوغ هذا الهدف، أبرزها:
خفض سقف الحريات إلى الحد الذي يسلب الفرد والمجتمع القدرة حتى عن التعبير عن الرأي.
تكريس الثقافة القبائلية القائمة على العصبيات، والولاءات والطاعة العمياء المطلقة.
وسلب الحرية هو إغلاق للباب الذي يحقق العدالة وبالتالي الكرامة الإنسانية، الأمر الذي يؤدي ولو تدريجيًّا إلى تبديل منظومة القيم والمفاهيم، التي تؤدي لتبديل معالم الهوية وفق إرادة المستكبر، ليصبح الإنسان العربي مجرد مظهر يشبه الغرب، لكنه مفرغ نفسيًّا وعقليًّا.
وقد استلزم ذلك ضرب كل مناهج التربية والتعليم، وتفريغها تدريجيًّا من أهم العلوم العقلية التي تعزز قيمة العقل وثقافة السؤال ورغبة البحث، والاعتماد على الدليل والبرهان في المعارف وقبولها من عدمه.
ولتحقيق هذه الأهداف المهمة تطلب ذلك زرع أنظمة مستبدة، ولكي تتمكن هذه الأنظمة من قيادة المجتمعات، كان لا بدّ من وسيلة ناجعة ومقنعة يمكن من خلالها الهيمنة على العقول والقلوب والوجدان، ولا يوجد عبر التاريخ وسيلة كالدين وتوظيفه في السياسة ليكون خادمًا لها، ومقننًا تشريعات وفق مقاساتها تمكن الحكام من السلطة ومن رقاب الناس، وتجعل المجتمعات طيعة سهلة الانقياد. خاصة أن منطقتنا تاريخيًّا معروفة في ميلها المحافظ وعمقها التاريخي المرتبط بالدين، حيث المقدس والمحرم من أساسيات ثقافتها وهويتها، بل هو في عمق وجدانها ومحرك قوي لها عبر التاريخ بل باعث لكثير من نهضاتها.
لذلك تم تمكين أنظمة تناسب كل مجتمع ونقاط ضعفه وثغراته التي يمكن من خلالها النفوذ والهيمنة عليه.
ولضمان القضاء كلياً على جذوة الوعي والتحرر في تلك المرحلة عمل الاستكبار على إيجاد أنظمة تتبنى السياسات المزدوجة. هذه الأنظمة جاءت في ظل وعي أممي مناهض رافض للاستعمار واحتلال فلسطين، مما اضطر أغلبها لممارسة سياسة ذات وجهين:
وجه خارجي مع الشعوب يتوافق مع لغتها الرافضة، ويتبنى شكليًّا قضية فلسطين ومواجهة الاستعمار.
وجه داخلي بينها وبين رعاتها من المستعمرين، يعمل وفق خطة منهجية في كي وعي الشعوب مع التقادم، بما يتناسب والكيان الغاصب ليصبح كيانًا مقبولًا في المنطقة، ويتم التعايش معه كواقع مقبول، وكقوة عظمى لها الحق في تسيير المنطقة وشعوبها وفق إرادتها.
لكن ومن بركات طوفان الأقصى، وصمود غزة والشعب الفلسطيني الحر كُشف وجه هذه الأنظمة الحقيقي المتصهين.
* نقلا عن : لا ميديا