يبدو أن الواقع يتحرك نحو ما لا تشتهيه سفن العدوان , فهو يحث السير والخطى صوب القوى الوطنية التي تدافع عن الارض والعرض , فاتفاق الرياض الذي تم بين جماعة الفنادق ” الشرعية ” وبين المجلس الانتقالي الجنوبي أفرغ حجج الشرعية ومرجعياتها من المحتوى الذي كان يشكل سندا قانونيا يستند إليه العدوان في تبرير عدوانه على اليمن ويستند إليه هادي وجماعة الفنادق في نهب ثروات اليمن والعبث بها وإهدارها , وتفكيك البنى الاجتماعية والثقافية والسياسية وتشتيت القوة العسكرية شذرا مذرا تتنازعها الولاءات والثارات، وهو ما كان يهدف إليه المستعمر الجديد الذي جاء متخفيا بالعباءة الخليجية ويتأبطه “البشت” المرصع بالذهب كي يمارس غواية القهر والاذلال حتى يفرض ثنائية السيطرة والخضوع على الممرات والمنافذ البحرية ومصادر الطاقة .
يسعى المستعمر إلى تعدد الولاءات وبالتالي تفكيك الوحدة الوطنية , ولم يكن اجتياح عدن وطرد قوات الشرعية بالأمر العبثي كما قد يتبادر الى الذهن بل كان ذلك الأمر رؤية استراتيجية تهدف إلى تشظي القوى وتنازعها وبالتالي الفشل الذي يبدأ من التنازع والتعدد، وفي مقابل ذلك ينبغي التعامل مع الحدث كجزء من العدوان المعلن وليس منفصلا عنه , فالعدوان له وجوه متعددة وليس وجها واحدا فهو يستخدم كل الطرق والوسائل للوصول إلى غاياته وليس النشاط العسكري إلا جزءا واحدا من جزئيات متعددة , وتبعا لذلك فالمواجهة العسكرية لا تكتمل الا بمواجهة نشاط العدوان في الجوانب الأخرى وليس من الحكمة أن يمر اتفاق الرياض دون وعي ودراسة ومواجهة .
لقد أفرغ اتفاق الرياض المرجعيات التي تزايد بها الشرعية من محتواها , وتكثيف البيان الاعلامي لمثل ذلك الأثر هو جزء من المواجهة , كما أن الخطاب السياسي الوطني عليه أن يمتاز بالذكاء في استغلال الثغرات التي يتركها غباء الخصوم والنفاذ منها لتحقيق التفوق المعرفي والسيطرة على مقاليد اللحظة السياسية وبالتالي يقوم بشد الحبل حول عنق الخصوم لينتصر في المواجهة السياسية كما ينتصر في الجبهات المتعددة .
لقد يئس العدوان من الخيار العسكري وأصبح على قناعة كاملة بفشله , وأصبحت السعودية وحيدة في الميدان , وتساقطت أغصان شجرة التحالف غصنا غصنا , حتى أضحت عارية أمام الرأي العام الدولي , ومثل ذلك يجعلنا أمام مهمة صعبة وبالغة التعقيد من حيث التعامل والتوظيف , فالمعلومات المتوفرة حين نعجز عن تشغيلها بما يخدم القضية الوطنية فإننا نضع أنفسنا قاب قوسين أو أدنى من الهزيمة , والهزيمة غاية عجز عنها الخيار العسكري للعدوان فلا نجعله يصل إليها بعدم تشغيل المعلومات في المواجهات السياسية والثقافية والاعلامية بل والاجتماعية , ولابد لنا من تفعيل دور الرموز الثقافية والفكرية والاعتناء بالطاقات المبدعة لكي نبدع واقعا جديدا يكون عصيا على العدوان وعلى أدواته .
ينبغي علينا اليوم التحرك في المستويات المتعددة التي يعمل العدوان على تشغيل معلوماته فيها ليسجل لنفسه انتصارا ولو جزئيا في مجالها ودرء مثل ذلك لا يكون إلا من خلال تفعيل مراكز المعلومات والدراسات الاستراتيجية التي تساعد متخذ القرار على اتخاذ القرار من خلال ما توفره له من معلومات يمكنه النظر فيها وتشغيلها بما يتسق والهدف الوطني الكبير وتفويت الفرص على العدوان الذي نراه يتخبط في مستويات متعددة ليبلغ غاياته وأهدافه .
اليوم من الضرورة بمكان مواجهة اتفاق الرياض بما يتسق والحالة الوطنية اليمنية، إذ يفترض الشروع في التشاور لتشكيل حكومة وحدة وطنية في صنعاء بدلا عن حكومة الانقاذ الوطني التي بلغت أوج كمالها بتبدل الاحوال والغايات والمعادلات السياسية والعسكرية , وشروعنا في ذلك هو مواجهة فعلية لمشروع التقسيم وتفتيت الجغرافيا وتعدد الولاءات وهو إجراء عملي يحد من أثر الاتفاق على الارض وقد يجعله بدون مضمون إذا أحسنا التفاعل بما يعزز قيمة الوحدة الوطنية والهوية اليمنية .
من الحكمة أن يبرز صوت مقاوم متعدد التعبيرات كي يترك أثرا في الواقع , لأن الصوت الواحد الدال على هوية ثقافية واحدة سيكون محدود الأثر بفعل العاملين السياسي والاعلامي وتكثيف الاستهداف لهما , ولذلك حين تتحرك الاصوات المعبِّرة عن نفسها في مساحة من الرواج لأفكارها الجامعة سوف تتسع مساحة التأثير , ولذلك فالمرحلة بحاجة الى الانفتاح على الاصوات الثقافية والاهتمام بتفعيل دورها من خلال الاتصال والتواصل وتكثيف اللقاءات , فالوطن حالة جامعة والدفاع عنه وعن مقدراته حالة وطنية جامعة، لكن حين تكون السلطة محركا ودافعا من خلال الاعتراف بالقيمة والمعنى يكون الدافع أكثر استجابة للضرورات التي يفرضها الواقع .
ثمة ثغرات تركها العدوان وهي تتسع كل يوم لعدم قدرته على سد فراغاتها بسبب حالة اليأس التي وصل إليها، يفترض التحرك فيها لتعديل المعيارية الثقافية وتكثيف الشعور بالذنب , وتلك المساحة لا يمكن التحرك فيها بمعزل عن فكرة الخطاب الجديد الذي يفترض بنا تفعيل دوره في هذه المرحلة البالغة الحساسية من تاريخ شعبنا .
ونعود للتأكيد على أنه من الحكمة البدء في مشاورات مكثفة وسريعة لتشكيل حكومة وحدة وطنية كي نتمكن من السيطرة على مقاليد المستقبل ونحد من ظاهرة اتفاق الرياض ومن غاياته، فالموضوع لا يحتمل التأجيل.