ليس إلا محض بروش على ياقة قميص إيفانكا و زر على أكمام طويل العمر.. الصين تتطور باتجاه رأسمالي لا يقل توحشاً عن المسار الرأسمالي الغربي سوى في كونه متخففاً من مراهم الليبرالية ودعاوى حقوق الإنسان والديمقراطية التي يمرهم بها الغرب توحشه الفاضح.
هذا يجعل من الصين مسخاً موعوداً لا يتلطف ولو من قبيل الإتيكيت مع ضحاياه مسخا انتهازيا يزحف على مساحة الضمور الغربي ويرث الأسواق والشعوب المستضعفة التي استنزفتها الهيمنة الامبريالية الغربية لعقود وقرون في دور تسليم صامت وبارد بين جلاد أشقر ضاحك القسمات وجلاد أصفر متجهم ساكن الملامح بعيون نصف مغمضة.
الصين التي تربح التريليونات من تجارة الألعاب والإلكترونيات المقلدة في الشرق العربي والجزيرة واليمن، لا تبيع طائراتها لتحالف العدوان بهدف مراكمة الأرباح وإنما بغية فرض نمط عنفها الحضاري على نحو تبشيري بشع خلفاً لنمط العنف الغربي.إنها دعاية وجودية لكتلة شرقية صاعدة متسلحة باستعلاء الحضارة الغربية ومطامعها ومموهة بملامح الضحية الشرقية التي تشرئب إليها أعناق المقهورين بوصفها منقذاً لهم كما تقع الحشرات فريسة لجمال نباتات كأس القناص ونجم البحر.
ليست التوجهات التحررية في شرقنا العربي والإسلامي من دواعي سرور الصين كما يعتقد البعض، فهذه تريد أن تتداول ضحايا يسهل هضمهم لا أن تتعاطى مع أنداد كاملي الوجود يبادلونها المصالح من موقع المقتدر كأرقام وازنة غير كسرية، لذا فإن الانبعاثة الثورية اليمنية هي حجر عثرة أمام هذا التوجه الكولونيالي الصيني المغلف بمسوح تجارية شرقية والمتعاون في الكواليس مع تحالف العدوان بغية الإجهاز على هذا المتغير الثوري الوجودي الطامح في اليمن حاله حال أمريكا وبريطانيا في ذلك، ولعل التباين الوحيد هو فقط في كون الصين تريد مساحة حركة حاكمة في البحرين الأحمر والعربي والمحيط الهندي، بينما تحاول الإمبريالية الغربية الشائخة الاحتفاظ بإرث السيطرة الاستراتيجية المائية هذه بمجملها كامتياز حصري لا يقبل القسمة على اثنين وهو تباين لا يمنع الصين من مقاربته مع عواصم الغرب ودياً في الكواليس لجهة تخريج معادلة هيمنة متكافئة تكسب معه القوى العظمى التقليدية والناهضة معاً باعتبارها تتشاطر بالأصل سوقاً رأسمالية كونية واحدة من الباطن ولا تناقضات تناحرية حقيقية في علاقاتهما بل وراثة صامتة سلسة تعتورها بعض العوائق المقدور عليها.
في هذا السياق تلوح روسيا هي الأخرى كذراع حديدية لقبضة الصين الناعمة في كتلة بريكس الاقتصادية وسياسات البلدين تصب في ذات الوجهة من التحولات المرجوة في معادلة الهيمنة الكونية السلسة وغير المحتربة ولا القائمة على تناقضات وجودية أيديولوجية حادة.
على الحركات التحررية إذن أن تكدح في طريق امتلاك عنفها الخاص على طريق الاستقلال الكفيل بأن يفرضها قسراً كرقم وازن في الوجود الدولي ودون ذلك فإن الاتكاء على الصين وروسيا كنقيض للغرب هو شيك زائف غير قابل للصرف في حساب الاستقلال المنشود فالممكن فقط والمطلوب هو استيعاب تباينات القوى الدولية بالعموم وتدويرها لجهة تحقيق مستوى من المصالح الوطنية غير المرهونة بالتبعية لأي قوة منها بل المتكئة على عصامية المبادرة والفعل الخلاق الذي يدرك مديات النضج من حوله ولا يتردد في اغتنام اللحظات المواتية.
لقد اعتقد البعض أن الصين ستكون قوة إيجابية دافعة في اتفاق ستوكهولم لصالح انفراج الوضع الإنساني المتأزم في اليمن ووقف عجلة العدوان العسكري وإدارة الخلافات بين الفرقاء بالحوار السياسي على طاولة الرعاية الأممية ولكن تعثر كل ذلك طيلة مايقارب نصف العام منذ توقيع الاتفاق الآنف مع تصاعد وتيرة الأزمات الإنسانية واشتداد الحصار والحرب الاقتصادية على بلدنا وشعبنا ، كل ذلك يؤكد واحدية الرؤية الصينية من جهة والغربية من جهة موازية لما ينبغي أن تكون عليه اليمن ومحددات التعاطي معها بمنأى عن طبيعة التباينات القائمة بين الجانبين…إن الصين باختصار لا تريد لليمن مآلاً مستقبلياً مغايراً لما تريده لها الامبريالية الغربية بتحالف عدوانها الكوني والتباين بالنسبة للصين محصور بين قوسي تشاطر الهيمنة ومستوياتها و دفع الضرر الذي يمكن أن يترتب على نجاح الغرب في تمزيق النسيج والتراب اليمنيين بمشروعه الاستعماري ذي المخالب الوهابية التكفيرية التي لن تكون الصين بمنأى عن شفراتها القاطعة….تريد الصين طريقاً آمنا لبخور عصري تمثل اليمن محطة استراتيجية رئيسة على جادته الرابطة بين القارتين الأسيوية والأوروبية والمشرفة على القرن الأفريقي والضفة الهندية لكن نجاح الغرب في تمرير مشروعه سيجعل من طريق البخور طريقاً مرتداً لـ(السي فور وتي إن تي وغاز الكلور ) وكتائب الصرصر التي ستهب ريحها ولاريب على بنية المليار ونصف المليار صيني لتذرها عصفاً مأكولاً اتكاءً على مسمار (الروهينجا ) و (أقلية الإيغور المسلمة ذات الأصول التركية في إقليم تشينجيانج).
* نقلا عن لا ميديا