رسالة الإسلام جاءت تكريماً للإنسان أكثر مما جاءت تكريماً للمكان (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) آية (70) سورة الإسراء
وفي هذا الإطار يأتي حديث الرسول (ص) (لهدم الكعبة حجراً حجراً أهون عند الله من قتل امرئ مسلم)، والراجح عموم القتل حسب الآية الكريمة (مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا) سورة المائدة آية (32)؛
فالمسلم قبل أن يتوجه في صلاته إلى الكعبة توجه إلى القدس لمدة سبعة عشر شهراً تقريباً قبل مكة وهو ما يعني أنه يعبد الله وليس الكعبة أو القدس؛ وهذه واقعة تعطي بلغة التوحيد مدلولاً للتفريق بين عبادة الأصنام وعبادة الله (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ۚ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) آية (115) سورة البقرة،
والقبلتان اليوم محتلتان ، القدس تحت الاحتلال الصهيوني ومكة في حكم المحتلة من بني سعود الذين يُخضِعُونَ فريضة الحج لأمزجتهم السياسية فيسمحون بالحج لمن يشاءون ويمنعون من يشاءون ويسيئون معاملة الحجاج ويرتكبون بحقهم المجازر والأمثلة كثيرة أبرزها مجزرة تنومة بحق الحجاج اليمنيين عام 1923الموافق 1343هـ ، وما جرى ويجري على أهل اليمن وهم من آوى الرسول ونصروه ، ولهم حقُّ الجوار ومكانتهم عند رسول الله (ص) يطول الحديث عنها، جرائم هذا النظام ضد الإسلام والمسلمين لا تحصى وإن سمَّى الملك نفسه خادم الحرمين الشريفين العبرة بواقع الحال لا بالألقاب والنعوت ، بدأت هذه الجرائم سراً ثم افتتحت مرحلة العلنية بإعلان التحالف الصهيو أمريكي السعودي عدوانه على اليمن في 26 / 3/ 2015 من واشنطن وتصاعد أنشطة ومظاهر التطبيع ، والعلاقة السرية كانت مستورة بالأقوال والتصريحات المؤيدة للفلسطينيين والمنِّ بالمساعدات التي لا تقارن بما يقدم من دعم إماراتي سعودي سخي للصهيونية والمتحالفين معها سواء مباشرة أو عن طريق أمريكا وبريطانيا وغيرهما من الداعمين والموجهين ، ويكفي الإطلاع على الوثيقة الشهيرة بخط من أسمته بريطانيا مؤسس المملكة عبد العزيز مع بداية التأسيس وفيها موافقته على منح فلسطين لليهود المساكين حسب وصفه, وهي وثيقة لا تقل خطورتها عن وعد بلفور على افتراض أن له صلة قربى مع الفلسطينيين بالانتماء للعروبة !، ولم يعد خافياً أن خيرات الأمة وبالذات دول الخليج تصب في خزينة أعدائها ونسبة ضئيلة منها تخصص لحماية هذه الكيانات من عدو متوهّم (إيران) بدلا عن العدو الحقيقي ( الكيان الصهيوني) ، وبعض الأموال لترفيههم وكلها تنفق في شراء الأسلحة من مصانع الحماة وفي ملاهيهم وحاناتهم والباقي محجوز في بنوكهم وبيوتهم المالية ؛
و يستخدم هذا التحالف ما تسمى جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي لتخدير الأمة وسلب سيادتها ، والدليل دورهما المظلل من العدوان الهمجي على اليمن الذي تقوده اسماً السعودية وحقيقةً أمريكا ، حيث كان الواجب عليهما بذل الجهد في التحقيق حول ما يقوم به جار السوء ومن يسانده من مجازر مشهودة على مستوى العالم ، وحين نقول التحقيق نفترض عدم مشاركتهما في العدوان بمحاولة شرعنته ، وكذا دورهما بالسكوت عن ممارسات ترامب بحق فلسطين وسوريا واليمن وكل العرب والمسلمين مثل : اعترافه في 6 ديسمبر بالقدس عاصمة لليهود ، وإعلان وزير خارجيته مايك بومبيو في 18/ نوفمبر 2019 أن حكومة بلاده لم تعد ترى في بناء المستوطنات انتهاكاً للقانون الدولي ليفتح بذلك بوابة الاستيطان للصهاينة في كل الأراضي الفلسطينية ، وفي 25 / 3/ أصدر أمراً تنفيذياً باعتبار الجولان جزءاً من الكيان،
هذه الأنشطة والسياسات تتم بتمويل سعودي إماراتي بل وتوجد معلومات موثقة بأن إماراتيين بتوجيه رسمي طبعاً قاموا بشراء بيوت بعض المقدسيين لتهجيرهم وتوطين اليهود .
في هذا السياق لا يُستغرب رفض السعودية دعوة حضور قمة كوالالمبور والضغط على الدول التي تحرك أذيالها خلف المال أو التابعة لنفس الحلف كالإمارات وباقي دول الخليج أو الواقعة في دوامة الفساد وخانة الفشل الاقتصادي والمالي لعدم المشاركة في القمة لأن قبولها يعني بداية التخلي عن دورها الوظيفي ؛
قمة كوالالمبور ضمت دولاً إسلامية ناجحة (ماليزيا المضيفة التي يقود التنمية فيها أنجح رئيس وزراء له دور أساس في بناء استقلالها الاقتصادي والسياسي وبفضل سياساته صارت في مقدمة النمور الآسيوية ، وإيران الدولة التي ستبقى مقاومتها للطغيان الأمريكي مضرب الأمثال على مدى التأريخ ، وتركيا إحدى الدول العشرين مع رفض دورها في سوريا ، وفي إطار الرد السعودي على القمة لا يستغرب كذلك تصريح يوسف العثيمين أمين عام ما يسمى (منظمة التعاون الإسلامي : (إن قمة كوالالمبور تقوض التضامن الإسلامي) وأن (أي إضعاف لمنظمة التعاون الإسلامي هو إضعاف للإسلام والمسلمين ) وهنا أتخيل صحفياً حراً يسأله: وهل يوجد في عالم اليوم أكثر ضعفاً وهواناً من المسلمين ؟!!!؛
المشاركون في القمة يدركون حقائق ما تصنعه السياسة والمال المسمى بالسعودي ومن يقودها ويتبعها، ومع ذلك حاولوا بلغة دبلوماسية تطمينهم بأن القمة ليست بديلا عن أي كيان فهل ما يزال للغة الدبلوماسية جدوى؟!
بهذا الوضوح فتح مهاتير محمد وضيوفه الكرام باب الأمل لكل شرفاء الأمة لتلمس طريق الخلاص، فهل تكون قمة كوالالمبور بداية الخروج من عار التبعية ودخول مرحلة جديدة من التنمية والسيادة؟.
من التراث الشعري العربي:
(وإذا أظهرت شيئاً حسناً فليكن أحسن منه ما تُسِرّ
فمسرُّ الخيرِ موسومٌ به ومسرُّ الشرِّ موسومٌ بشرِّ)