يرقب العالم مآلات المشهد الأمريكي باهتمام كبير، إلى درجة أن التظاهرات التي شهدتها واشنطن ومعظم المدن الأمريكية والغربية تكاد أن تغطي على أوسع تغطية إعلامية رافقت أخطر جائحة عالمية تهدد الإنسانية والأمن الصحي للملايين من البشر.
انتفض الشارع الأمريكي متحدياً كورونا وما تتطلبه من إجراءات وقائية، فخطف الأضواء وسلط المزيد منها على حقيقة ما يعتمل في الدولة الأقوى عالمياً عسكرياً واقتصادياً، وربما ديمقراطياً، وكشف أن العنصرية تجاه ” السود ” حقيقة مرة لم يحجبها التطور الكبير في سجل الحقوق المدنية والسياسية الأمريكي، التي لا يمكن نكرانها وتميزها عن كثير من الدول والشعوب التي انساق كتابها ووسائل إعلامها في التهكم والسخرية من الحالة الأمريكية وهي تعلم أن بلدانها ليست في موقع من يسدي النصائح في مجال الحريات وحقوق الإنسان.
مع ذلك فما ترتكبه أمريكا من فظائع بحق الدول والشعوب المستضعفة منذ غدت قوة عالمية يشار إليها بالبنان، يشفع للشامتين والمتهكمين، والمستبشرين بمآلات الانهيار الأمريكي المرتقب، على اعتبار أن دورة الحضارات سنة كونية لا تستثني دولة أو أخرى، وإن كان ذلك لا يعني أننا في العالم العربي سنكون أوفر حظاً ما بعد الحقبة الأمريكية، فمن سيخلف أمريكا لن يجد أمامه إلا منطقة مستباحة تغري كل الطامعين في نهب ثرواتها والتحكم في قرارها، والتسلي بوضعية شعوبها الانقسامية والصراعية.
فلننس حال أمتنا المهترئة قليلاً، ولنقارب بشكل موضوعي أسباب الفشل الأمريكي واقتراب ساعة الانهيار أو ما يسميه البعض بـ “اللحظة السوفيتية”، فليست التظاهرات الأخيرة إلا القشة التي يبدو أنها ستقصم ظهر البعير أو الثور الأمريكي، الذي بات منهكا أكثر من أي وقت مضى، سواء بسبب انخراطه بشكل كبير في الصراعات العسكرية الدولية، أو لجهة المنافسة الشرسة في مضمار الاقتصاد والتجارة الدولية مع التنين الصيني، أو نتيجة لبروز الكثير من المحاور والتحالفات الدولية التي تعمل خارج إطار النظام الرأسمالي المتوحش، وتشتغل على الضد من الهيمنة الأمريكية والغربية ، أو حتى لجهة الانقسام في محور الرأسمالية الغربية نفسها، حيث غدت نقاط الاختلاف بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أكبر من أن تحجبها الدبلوماسية وأوهام التعاون والمصير المشترك.
أما ” ترامب” ووصوله إلى البيت الأبيض فعامل مضاف وقد يكون الحاسم في تراجع الإمبراطورية الأمريكية وانكفائها على ملفات الداخل، مع ملاحظة أن واشنطن لم تعد تملك ترف تغيير أساليب السياسة الخارجية، عبر آلية التداول بين الجمهوريين والديمقراطيين كما كان عليه الحال في العقود الماضية، فالديمقراطيون هذه المرة يبدون أكثر عجزاً في مواجهة المستجدات الضاغطة، ولو كانوا في حالة أفضل لما أمكن للجمهوريين أن يتلاعبوا بالسياسة على هذا النحو من خلال زعامة شعبوية تافهة ومنحطة، عبرت عن حقيقة العنصر السيادي المتسلط والمتحكم بسياسة الدولة ونهجها وعلاقاتها الداخلية والخارجية.
بقي القول أن ثمة دولاً وأنظمة وشخصيات عربية، لا يمكنها تقبل حقيقة الانهيار المرتقب، وما يعني ذلك من خسائر فادحة لمشاريعهم الصغيرة والكبيرة، التي تدور حول الفلك الأمريكي. ولهؤلاء نقول: اللهم لا شماتة، وعلى نفسها جنت براقش.
* نقلا عن الثورة نت