في كل منعطــف تاريخي أو حالــة تحولية أو انتقالية يبرز الســؤال
الاقتصادي كرديف لعملية التحول، ويظل السؤال الاقتصادي سؤالا
دائماً ومســتمراً في الحالــة الوطنية، فهو دائم الحضــور ولكنه الأكثر
غيابــاً أو تغييبــاً ُ ، وكلما امتدت يــد التغيير والتحديــث للإجابة عليه
تكــشر المصالح التقليدية أنيابها في الدفاع عنه، ولذلك ظل الحال على
ما هو عليه من حيث المؤشرات ونســبة النمــو، فهي تراوح مكانها إن
لم تكن في تدن مستمر..
فالدين العام في تصاعد مســتمر، ومعــدل البطالة يتصاعد بسرعة
الضــوء، ومــؤشرات التنميــة تزداد ســوءاً، أمــا دخل الفرد فــلا يمكن
الحديث عنه خاصة في ظل الوضع القائم الذي بشهد حربا وحصارا
مــن دول التحالف وصراعا بينيا وانقســاما ، والناتج المحلي يتدحرج
وقــد تدحرج إلى أســفل الســافلين إلى درجــة عجز ميــزان المدفوعات
وشــلله التــام، وأمــام كل ذلــك الانهيار تــبرز من بين صفوف الساســة
مجموعــات لا تــدرك تموجــات الســؤال الاقتصادي الوطنــي ولكنها
تبحث عن بطولات وأمجاد ومكاسب شخصية ..
حــين جــاءت حكومــة المبــادرة لــم تكــن تحمــل مشروعــاً أو رؤية
اقتصاديــة تتجــاوز بهذا الوطن العــثرات فظل الحال عــلى ما وجدوا
آباءهــم عليه، بل وزاد الاقتصاد أعباءً إضافية وزادوه ســوءاً إضافياً،
فلم يكن أمامهم من خيار ســوى تنمية الــذات وشراء المدرعات وبناء
َ الفلــل والعمارات، ومــا كان محرمــاً ومنتقداً في أمســهم أصبح مباحاً
وحــلالاً في زمنهم، فالغنائم والأنفال ذات قــراءات وتأويلات متعددة،
وقــد رأينا الرجل منهم وهو يقترح البدائل التي كان يرفضها بالأمس
قبل أن يكون وزيرا وقد كان يعارضها وينفدهاً..
لا يمكــن أن يكــون الموضــوع الاقتصــادي ترفــاً ذهنيــاً بل هــو رؤية
منهجيــة مؤصلــة وعلميــة بقياســات واضحة تــدرك أماكــن النجاح
وتــدرك الثغرات وأماكن الفشــل.. والموضوع الاقتصــادي حركة نمو
دائمة ومتصاعدة وليســت تعطيلاً- كما هو في واقعنا اليمني - وشــللاً
تاماً في كل المؤسســات كما نشــهده في واقعنا، ولذلك فالقول بمعالجة
الحالــة الاقتصاديــة الوطنية دون رؤيــة علمية واضحــة ودون دولة
قويــة وعادلــة ودون شــفافية مدنية، قــول باطل لا يمكــن الوثوق به
ولا يمكنــه ادعاء الخروج واقتراح البدائــل والمعالجات، فالإطار العام
للموازنــة العامــة للدولــة مثقــل بــكل صراعــات وتراكمــات وأخطاء
الماضي وهــو إطار تقليدي تراكم عبر الســنين والعقود والأزمنة ولا بد
مــن الوقوف أمامه وتشــذيبه وتهذيبــه وبالتالي تحديثــه حتى يكون
الأقــرب إلى روح العصر الذي نحن فيه ولا بد أن يكون إطاراً إلكترونياً،
أي الانتقــال إلى الحكومة الالكترونية، بدلاً من الابتزاز الذي يمارســه
الموظــف المــالي في كل المؤسســات، فالحكومــة الالكترونيــة تخفف من
وطأة الابتزاز والفساد وتقاليده الممقوتة وتجعل من الحركة الزمنية
ذات قيمــة تفاعلية وهــو الأمر الــذي يتيح سرعة الإنجــاز وقد يكون
عامــلاً مهماً في تعزيز الثقة بين مؤسســات الدولــة وجميع المنتفعين،
فالضرائــب وهــي أكــبر وعــاء إيرادي مــع الجمــارك إذا لــم نتمكن من
تحديــث البنية التنظيميــة والإجرائية وربطهــا بالتقنية الحديثة في
إطار الشــبكة الالكترونية المكتبية وبما يعزز من الرقابة ومن التحفيز
على الإنجاز فلا يمكن أن تتجاوز ذات الإطار التقليدي وهو المســاومة
والابتزاز والتحايل على إيرادات الدولة للمنافع الشخصية..
ّ وموضــوع التحديث والتحول إلى الحكومة الإلكترونية ليس بالأمر
الصعب إذا أردنا إصلاحاً ودرءاً للفســاد والمفسدين في هذا البلد.. وقد
أصبــح إحــداث الحركة في المصــارف أمــراً محتماً وضروريــاً، فالمكلف
بالضرائــب يقوم بالتوريــد إلى أحد المصارف بدلاً مــن ابتزاز المحصل،
وإنفــاق الدولة يجب أن يكون عبر المنافــذ المصرفية وفق آلية إجرائية
ضامنة لســلامة الإجراء ووصول الحق إلى أصحابه، واستبدال الكَتَ َبة
وأمناء الصناديق بالمصرف ضمان أكيد لمثل تلك السلامة..
ثمــة معالجــات قد تبدو شــكلية في ظاهرهــا ومحدودة الأثــر لكنها
بالغــة الأهميــة إذا أمعنــا النظــر وحاولنــا مواكبــة الزمن المتســارع،
فالزمن تجاوز المكاتبات البريدية التقليدية التي تأخذ وقتاً مضاعفاً،
ومثــل تلك المكاتبات لا تأخذ جزءاً بســيطاً من الثانيــة في عالم اليوم،
فالإنجــاز أصبح أوفر وأكثر وبتكاليف أقل بعــد أن تطورت أدواته ولم
يعد بحاجة إلى تلك العمالة الفائضة.