إن أسوأ شيء قد يشعر به الإنسان هو العجز عن فعل ما يجب فعله، أن تكون عاجزاً تماماً عن تغيير واقع كارثي لا بد من تغييره، أن ترى نفسك عاجزاً تماماً عن نصرة مظلوم ما.
هذا الشعور القاتل يخلق فيك خجلاً شديداً ورغبة بالهرب من كل شيء، يجعلك تخجل من الشخص الذي لم تستطع أن تدفع الظلم عنه، تتحاشى مقابلته أو التواصل به، فأنت تعلم أنك لن تستطيع النظر في عينيه.
بالرغم من أنه يدرك جيداً أن الأمر ليس بيدك، وأنك تبذل كل قواك للوقوف إلى جانبه.. لكنك مع ذلك ستتحاشاه خجلاً وحياءً، ستهرب منه بلا توقف.
لا يمكن للكلمات أن تصف مقدار ما أشعر به من خجل تجاه الشاعر الحر «خالد الخطاف الكميم»، ذلك الرجل الذي هاجم السعودية وعدوانها على اليمن في عقر دارها وعلى الهواء مباشرة، مسجلاً بذلك أول إهانة لمملكة الشر تُبث مباشرة على قناتها الساقطة (MBC)، لتقوم على الفور سلطات المملكة بمصادرة تجارته وأمواله وتهديده بالتصفية والإخفاء القسري.. وقد قامت بإحراق سيارتيه بالفعل.
القيادة السياسية تمكنت بعملية أمنية من تأمين خروجه وإعادته إلى حضن الوطن، فعاد كريماً عزيزاً غير آبه بالتجارة والأملاك، غير أسيف على الملايين التي تركها وراءه.
لم يلتفت للخلف أبداً.. كان كل ما يهمه أنه انتصر لبني وطنه ولقن العدو دروساً في الكرامة والإباء، لكنه لا يعلم أنه قادم إلينا لنحاول أن نسلبه كرامته التي لم يعد يملك سواها..!
تفاجأنا قبل أيام بقيام شرطة المحكمة التجارية في الأمانة باعتقاله من الشارع بطريقة مهينة واقتياده إلى السجن، وذلك على خلفية ديون تتعلق بتجارته التي تركها وراء ظهره من أجلنا.
الكارثة لا تكمن في سجنه.. إن الكارثة المخزية أن أمر اعتقاله صدر بناءً على دعوى أحد أقارب العميل صعتر الفارين في المملكة.
لا بد أنها من علامات الساعة، أن يقوم عملاء الرياض بسجن أحرار صنعاء في صنعاء.. الأمر لا يطاق.. والله لا يطاق.
الأمر غريب لدرجة أنني بدأت أسأل نفسي:
هل أخطأ الشاعر الحر بانحيازه إلى وطنه ومهاجمة المعتدين في عقر دارهم؟
هل ارتكب ذنباً بتخليه عن التجارة والأموال إكراماً لنا وانتصاراً لمظلوميتنا؟
لأنه لو كان بوقاً من أبواق العدوان التي تقتات على دمائنا (وحاشاه) ثم قرر العودة فجأة، لاستقبلناه في السائلة ولتسابقنا لأخذ الصور التذكارية معه، وسنحرص كل الحرص على أن نؤمن له كل مقومات الحياة كما نفعل مع أي خائن.
لقد كنت قبل فترة متحمساً جداً لمعرفة الشاعر «خالد الكميم»، حتى إنني أطلقت عليه لقب «وزير الكرامة»، وجعلته عنواناً لمقال يتحدث عن نتفة من كرامته وإبائه، كنت متحمساً حينها.. لم أعلم أبداً أنها مسألة وقت حتى نسلبه هذه الكرامة.
اليوم أنا خجول جداً منه، لست من أصحاب القرار والنفوذ، ولا أملك من الأمر شيئاً، لكن الشعور بالخجل يأكلني وينهش روحي.. فما بال أصحاب القرار لا يشعرون..!
إنني أناشد كل المعنيين في الصف الوطني، وأخص بالنداء رجل المواقف الأصيلة الأخ محمد علي الحوثي، العمل على تخليص الشاعر الحر من الضائقة التي حلت به.
«خالد الخطاف الكميم» لم يطلب تكريماً ولا تشريفاً.. ولم يذكر الملايين التي بصقها في وجه «ابن سلمان» من أجلنا، ونحن في الأساس لم نقدم له شيئاً، بل حاربنا لقمة عيشه.. ثم رميناه مكبلاً في السجن.
يا حكومتنا الموقرة.. أنتم لم تنقذوا الشاعر من سجون الرياض لتسوقوه بعدها إلى داخل سجون صنعاء.
ما هكذا يُرد الجميل.. والله المستعان.