في اليوم الأول من شهر رمضان المبارك لاحظنا عدم إكتراث الكثير من الناس لذنب يرتكبوه ويمارسوه ولا يرون فيه أي ذنب وهو ذنب الإسراف والتبذير في جانب المأكولات والمشروبات ، النهم الرمضاني لا يزال- سيد الموقف – لديهم في رمضان ، إصرار على إقامة الموائد المرصعة بمختلف أنواع الأطعمة والأشربة وبكميات كبيرة تكفي لعدد من الأسر مجتمعة ، ولا أعلم ما هي الحكمة من وراء إعداد وطهي كل هذه الأطعمة والمشروبات والتي يذهب الكثير منها إلى براميل القمامة ، في الوقت الذي توجد هنالك الكثير من الأسر التي تفتقر للقوت الضروري في هذا الشهر الفضيل ، ولا يوجد لديها أي مصدر للدخل يوفر لها الحد البسيط من حاجياتها الأساسية ، التي يهدرها ويكبها أصحاب الجاه والثروة في براميل القمامة غير مبالين بتبعات ذلك عليهم وعلى أسرهم وأموالهم .

ينهانا الله عز وجل نهيا صريحا عن التبذير والإسراف في كتابه الكريم قال تعالى ( وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) وفي آية أخرى ( وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا) هذا التحذير وهذا النهي الإلهي عن ممارسة هذا السلوك الغير سوي الذي يجلب على من يقومون به سخط الله عليهم وعدم محبته لهم ، عززه الله في آية أخرى بقوله تعالى ( إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا) كلنا نعرف من هو الشيطان وما هي المعصية التي تقام بها حتى أخرجه الله من الجنة ، ونعرف طبيعة المهمة الإغوائية التي يقوم بها في الدنيا والتي ستكون السبب في دخول الكثير من الناس النار ، ونعرف ما تقوم به الشياطين من جرائم ومنكرات تغضب الله ورسوله ، فعندما يجعل الله المبذر في درجة الشياطين فهذا يدل على فداحة وخطورة هذا السلوك وهذه المعصية الكبرى التي يمارسها الكثير منا ، في حالة من الطيش والإنتشاء والعجب بالنفس والمفاخرة رغم أن وزر ذلك عليهم كبير جدا .

أخي الصائم : لست في حاجة إلى أن تستعرض عضلاتك من خلال موائد الإفطار المتنوعة الأصناف والأشكال ، إذا كنت ممن أنعم الله عليك بالمال ، فتحلى بالعقلانية ولا تحرم نفسك مما تشتهيه ولكن في حدود المعقول والمقبول والذي لا يداخله أي شكل من أشكال الإسراف ، وحاول أن تمنح من حولك من الجيران مما أنعم الله عليك بها من النعم والخير الوفير ، أما إذا كنت ميسور الحال ومتوسط الدخل فإياك ثم إياك أن تعصي الله بالذهاب نحو المباهاة والمفاخرة والسمعة لكي لا يقال عنك بأنك أقل من الناس ، وتقع في معصية الإسراف والتبذير لكي ترضي الناس على حساب إسخاط ربك عليك ، لا حاجة لك بالمفاخرة بالأطعمة والأشربة ، فرمضان ليس شهرا للأكل والشرب ، البعض يذهب لاقتراض المال من هنا وهناك ، وتجدهم يقعون في معصية الإسراف والتبذير ، لا مبرر للتباهي بالأكل والشرب ، لتشتري ما يكفيك وأسرتك ولا داعي للمبالغة في هذا الجانب ، فرمضان مناسبة للتعبئة الروحانية الإيمانية ، مناسبة لكي نتذكر معاناة الفقراء والمحتاجين ، الذين لا يمتلكون الاستطاعة والقدرة على تلبية المتطلبات الضرورية التي تقيهم الجوع والعطش .

بالمختصر المفيد، من أراد أن يكون من إخوان الشياطين وأن يحرم محبة الله ، فليسرف وليبذر في مأكله ومشربه وملبسه وكل شؤون حياته ، فالشياطين يرتاحون كثيرا لصحبته لهم ، ومن أراد أن يبارك الله له في حاله وماله وأولاده ، ويبسط الله له في رزقه ، فعليه أن لا يسرف ويبذر في هذا الشهر الكريم وفي غيره من سائر شهور السنة ، هناك مبادرات مجتمعية في بعض الأحياء تلزم أصحاب المنازل بتعبئة الفائض من المأكولات والمشروبات خلال الشهر الفضيل في أكياس نظيفة ويقوم عدد من الشباب المتطوعين بأخذ هذه الأطعمة وتوزيعها على الفقراء والمحتاجين في إطار الأحياء التي يقطنون فيها ، وهي مبادرات تستحق الإشادة والتحفيز على توسيع نطاقها لتشمل كافة الأحياء السكنية في عموم المدن اليمنية .

صوما مقبولا وذنبا مغفورا وعملا متقبلا وإفطارا شهيا ، هذا وعاشق النبي يصلي عليه وآله .