في مقامِ التحقيرِ والتقليل من نتائج العمليات العسكرية المعلَنِ عنها قبل يومين، قال أحدُهم: إنها مُجَـرّد عمليات عادية وبسيطة، وإنما تحقّقت بصعوبة شديدة.
فتساءلت: هل توجدُ حربٌ سهلة؟؟!!
حتى يصفَ البعضُ المعاركَ الدائرةَ في مديريات مأرب بالصعبة، وكأن ما سبقها من تضحيات وبطولات أقلُّ منها شأناً، أَو أن ما سيليها من معارك التحرير الوطنية المُستمرّة، لا يحتاج إلى ما احتاجت إليه من الترتيبات.
وبغضِّ النظر عن كُـلِّ تلك الأوصاف التي أُطلقت من الأعداء أَو الأصدقاء، وعن كُـلّ التحليلات التي تناولت عملياتِ “النصر المبين” في مرحلتها الثالثة، إلا أنني أحببتُ المشاركةَ في لفتِ النظر إلى قضايا هامة وأَسَاسية.
أولاً: استمرار عجلة التقدم الميداني في مسار التحرير للمناطق المحتلّة انتصارٌ في حَــدِّ ذاته، ووفاء بوعود قائد الثورة التي قطعها للشعب المجاهد والصابر والصامد، وهي تجسيدٌ فعلي والتزامٌ ميداني لمجاهدي القوات المسلحة، قدموا مِن أجلِه قوافلَ الشهداء وجسيم التضحيات.
ثانياً: فشل الضغوطات العالمية في كسر إرادَة التحرير ومواجهة الاحتلال لدى اليمن قيادةً وجيشاً وشعباً، فرغم كُـلّ ما قامت به الإدارة الأمريكية من ضغوط دبلوماسية واقتصادية على اليمنيين إلا أنها فشلت في منع استمرار تحرير المزيد من المناطق المحتلّة، وهذا دليلٌ حتمي أن بقيةَ الخطوات المماثلة ستفشل أَيْـضاً.
ثالثاً: منذُ إعلان الإدارة الأمريكية رفضَها لعودة مأرب إلى أحضان اليمن المستقلِّ الحر، وتصريحاتها بضرورة بقائها تحت السيطرة السعوديّة والإماراتية، فقد باشرت أمريكا الدعمَ اللوجستي والمعلوماتي للقوات المتواجدة في مأرب، وزوَّدتهم بمنظومات الاتصالات الحديثة، وسعت جاهدةً إلى تعزيز مواقعهم الدفاعية ميدانيًّا، ومساندتهم بالغطاء الجوي الكثيف والمُستمرّ والذي لا يغيبُ عن سماءِ مأربَ لحظةً واحدةً ليلاً ونهاراً.
ورغم ذلك كله لم ينجحوا عملياتيًّا وفنيًّا وعسكريًّا في منع تحرير المزيد من المديريات المحتلّة.
وقد قدَّموا في هذه المعارك ذروةَ ما لديهم من الدعم الفني والتقني للقوات الموالية لهم في مأربَ، وألقوا بكل ثقلِهم العسكري، إضافةً إلى الضغوط السياسية والاقتصادية.
وعلى هذا الأَسَاس نقيسُ مستوى صعوبة المعارك ونثمّنُ قيمةَ الانتصارات التي تحقّقت ميدانيًّا.
رابعاً: توقيت إعلان الانتصارات له دلالاتُه الكبيرة التي تشيرُ إلى مستوى التقدم الكبير في تثبيت الوضع الميداني بعد معركة التحرير، وتثبِتُ من جديد قوةَ منظومة القيادة والسيطرة التي تديرُ المعاركَ العسكريةَ، وقدرتها على التحكم في الميدان عسكريًّا وإعلاميًّا وسياسيًّا، وفق خطط محكمة ودقيقة ومدروسة.
إن ما يحصلُ من انتصاراتٍ ليست نتائجَ لجهود عشوائية أَو عمل فردي، وإنما لجهود منظومة متكاملة من القوات المنسجمة مع بعضها، المتوحِّدة فيما بينها، والتي تتحَرَّكُ في ميدان المواجهة صفًّا واحدًا كالبنيان المرصوص.
وهذا ما يحقّقُ لها المزيدَ من النصر والتأييد الإلهي، ويؤهِّــلُها لمزيدٍ من الإنجازات العسكرية الخارقة للعادة والمخالفة لتوقُّعات القوى الإقليمية والدولية المعادية والمتربِّصة والمحايدة والمتخاذِلة.
وما النصرُ إلا من عند الله العزيز الحكيم..