تراب.. تراب.. صار لي ستّ سنين ما شفت تراب!". بشغفٍ غير مسبوق، تشمّر عن يديها، وتكشط التراب الملتصق بالبطاطا، ليس بغرض تنظيفها، وإنما لتجميع التراب الملتصق عليها وحِفظه.
تبحث عن رحم لتزرع فيه الحياة، وترعى عِرقاً أخضر قد يينع منه. ربما أرادت أن تسمّي شتلة باسمها، أو أن تتركها إرثاً يزهر بعد أن تتم سنيها السبع في تشرين الثاني/ نوفمبر القادم، وتخرج للحرية.
ليس التراب فقط ما يستوقفها، بل كل ما يحرك وجدانها، كقصة حب صادقة، أو صورة طفل صغير، أو "سورة يوسف"، والتي تجتاح جوارحها في كل مرة تقرؤها، لتعزيها، وتسكّنُ آلامها. تستوقفها أيضا الرصاصة المستقرة في صدرها حتى اللحظة، والتي باتت علامة تذكرها بالحكاية من جديد".
ولدت أمل جهاد طقاطقة في أيار/ مايو 1994 في بلدة بيت فجار بيت لحم. انتمت لحركة الجهاد الإسلامي في 1 كانون الأول/ ديسمبر 2014. توجهت لشراء بعض الأغراض لإتمام زواجها الذي كان مقرراً بعد عدة أيام. أطلق عليها جنود الاحتلال الرصاص قرب مفترق تجمع مستوطنات جنوبي بيت لحم.
أشيع حينها خبر استشهادها، ثم تبين بعد ساعات أنه تمّ اعتقالها ونقلها وهي جريحة إلى مستشفى هداسا لترميم ما هشّمه الرصاص من رجلها اليمنى، وتدعيم ما تبقى منها بالبلاتين، فيما استُخْرِجت الرصاصات الأخرى من بطنها، إلا واحدة، تموضعت بالقرب من القلب، تذكاراً أبديّاً لها.
يقول والد أمل: "سقطت أمل على الأرض. نهضت بعد أن أصابتها رصاصة في رجلها. حاولت الهرب والجندي من على البرج العسكري أطلق رصاصة أصابت ظهرها أفقدتها القدرة على الحراك. تجمع الجنود حولها وأطلقوا رصاصات أخرى من مسافة الصفر. واحدة أصابت يدها، واثنتان في صدرها، وأخرى في الخصر، ثم اعتقلوها".
اتهموها بأنها حاولت طعن مستوطن صهيوني، بالرغم من أن كل روايات الشهود الذين كانوا في المكان تكذب رواية المستوطن والجنود. لم يستجيبوا لطلب المحامي في جلب تسجيلات كاميرات المراقبة في مكان الحادثة. حكمت عليها محكمة الاحتلال بالسجن 7 سنوات. حرمت من زيارة ذويها في الفترة الأولى للاعتقال رغم إصابتها التي وصفت في حينها بالخطيرة. تم نقلها إلى السجن. تعرضت أكثر من مرة للاعتداء عليها من قبل مستوطنين، وهي مكبّلة بالأصفاد.
سجلت العديد من الإنجازات في السجن، حيث كانت نائبة ممثل المعتقل في سجن "هشارون". أنهت امتحان الثانوية العامة، والتحقت بدورات عدة، وتتطلع لدراسة القانون في جامعة بيرزيت.
أفرج عنها يوم 30 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021 بعد أن أكملت 7 سنوات في السجن.
قالت عقب الإفراج عنها إنها تشعر بألم كبير وهي تترك خلفها الأسيرات والأسرى يعانون الأمرين من إجراءات الاحتلال. وناشدت أحرار العالم ضرورة الوقوف إلى جانب الأسرى والأسيرات حتى الحرية.
ونقلت رسالة الأسيرات داخل السجون الصهيونية، والتي تتمثل بـ"تحرير فلسطين من بحرها إلى نهرها ورصّ الصفوف الوطنية في سبيل ذلك، بالإضافة إلى العمل على حريتهن، وإن لم يتحقق الشق الأول لن يتحقق الثاني".
* نقلا عن : لا ميديا