عندما يتحدث القرآن الكريم عن مجتمعٍ أو أمةٍ ما سواءً كانا من أهل الخير والصلاح أو من أهل الشر والفساد، فإنه يريك أدق التفاصيل المتعلقة بهما، بالمستوى الذي يجعلك تتمثل كل ذلك من خلال إسقاطه على نفسيتك ونفسيات الآخرين من حولك، سواءً الذين يتحركون معك ضمن الخط الواحد ويحملون ذات النهج والمشروع، أو الذين يقفون على النقيض مما أنت عليه، بل ويتبنون العداء لك ولكل من يتحركون معك بشكل واضح وعلني، لذلك وجب العمل على استيحاء كل تلك الملامح لكل تلك الفئات والشخصيات بمختلف مواقفها وتحركاتها، بغض النظر عن طبيعة من صدرت عنهم، هل كانوا مؤمنين أم كافرين، فحاجتنا لكل ذلك هي على درجة عالية من الأهمية سواءً بسواء.
وإذا ما حاولنا التوقف قليلاً في ما تبقى من سطور على هذه المساحة، مع الفئة التي تقول عن نفسها: إنها تتحرك في سبيل الله، وتسعى لإعلاء كلمته، سنجد أن القرآن الكريم يحثنا على اتخاذ الحذر اللازم من أجل الحفاظ على استقامة التوجه وسلامة الخط حتى الوصول إلى النقطة التي يعني الوصول إليها تحقق جميع الأهداف على مستوى الحياة والمصير.
لأن هناك مَن يبدون للناظر من أهل السبق وممَّن أبلوا في سبيل الله بلاءً حسناً، بينما هم في حقيقة الأمر ليسوا كذلك، لأن رفعهم لعنوان سبيل الله ما كان إلا نتيجة رغبةٍ لديهم في إزالة ما وقع عليهم من ظلم فشلت في تخليصهم منه كل العناوين والانتماءات والشعارات الأخرى، فلجأوا إلى العقيدة، لا لجوء قناعة وإيمان ويقين، وإنما لجوء استوجبته المصلحة في حماية كل ما هو متعلقٌ بالجوانب الذاتية لهم، تماماً كالقوم الذين حكى عنهم القرآن من بني إسرائيل، الذين طلبوا من نبيهم أن يعين لهم ملكاً ليقودهم للقتال في سبيل الله، ولم يكن الدافع خالصاً لوجهه الكريم، وإنما كان رغبة في الانتقام من الذين أخرجوهم من ديارهم ومن بين أهليهم وأبنائهم، لذلك ظهرت حقيقتهم بمجرد أن كان القائد ليس منهم وكانت معايير اختياره مختلفة على تلك المعايير التي ألفوها.
وهكذا يطغى الذاتي لدى هؤلاء على العقائدي في كل زمان ومكان، لأنهم فقط يحاولون لفت الانتباه إليهم بكلمات حماسية لا قدرة لهم بترجمتها إلى مواقف وأفعال، بالإضافة إلى أنهم لا ينظرون إلى الطبقة المسحوقة إلا نظرة الاستحقار، بينما يعملون بكل جد في المحافظة على التركيبة المجتمعية التي تجعل جميع الأمور في مختلف شؤون الحياة بأيديهم هم، ولا يسمحون لأحد مشاركتهم في ذلك، مع تماديهم في ظلم الناس وقهرهم، بغرض تنفيرهم من الحق وإبعادهم عن الهدى، ليستمر عبثهم بدين الله وكذبهم عليه سبحانه تحت عنوان سبيل الله.
* نقلا عن : لا ميديا