|
على جرف هار
بقلم/ عبدالرحمن مراد
نشر منذ: سنتين و 8 أشهر و 27 يوماً الجمعة 25 فبراير-شباط 2022 07:22 م
خلال زمن العدوان على اليمن عَمِلَ النظام السعودي على السيطرة على الموجهات الدينية والثقافية، فمارس الغبن والطغيان ومصادرة الحريات، وسجن ونكل بالخطباء وقادة الرأي، ومارس كل بغي وظلم على مواطنيه، كما مارسه على الشعوب المسلمة في بقاع شتى من الأرض ولا أخص اليمن فهي جزء من الشعوب التي نالها ظلم نظام بني سعود، ولذلك ووفق المعيار التاريخي الذي مرَّ في تاريخ الدول منذ القدم إلى اليوم يمكننا القول اليوم إن النظام السعودي يقرع أبواب النهاية وهو على مشارفها من حيث يدري أو من حيث لا يدري، فسنن الله غالبة ولو كره الكافرون .
يظن النظام السعودي أن قدرته على الهيمنة على المساجد وتصفية خصومه من أئمة المساجد من غير أهل السلف سيمهد له الطريق لفرض ثنائية الهيمنة والخضوع على المجتمع السعودي، خاصة وأن أهل السلف يقولون بطاعة ولي الأمر ويرونها واجبة شرعا ولو سلب المال وجلد الظهر، ولذلك رأينا كيف تحول إمام الحرم المكي من رجل دين إلى مهرج وبهلوان في هيئة الترفيه، بعد أن أمره الحاكم بذلك حتى يهدم قداسة الفكرة الدينية في التصور الجمعي الإسلامي، ومن خالف مثل هذا النهج أخذوه من على المنبر وهو يخطب واقتيد إلى السجون، وقيل إن التقارير الأمنية للنظام تشير إلى السيطرة الأمنية على المساجد وأن نسبة التهديدات الأمنية أضحت صفرا من الموجهات الدينية بعد أن استقبلت السجون الخطباء وقادة الرأي من غير الواقعين تحت تأثير المقولة السلفية التي تستعبد الناس وتتضاد مع مبادئ وقيم رسالة الإسلام القائمة على الحريات وقيم العدل والخير .
ما تقوم به هيئة الترفيه اليوم هو تصادم كبير مع قيم المجتمع السعودي، وحين يتعاضد ذلك مع حركة المصادرة للخطاب الديني الحر الذي يتسق بشكل مباشر أو غير مباشر مع قيم المجتمع فحينئذ سوف يتجه النظام السعودي إلى تفكيك البناء الاجتماعي وتغذية صراعاته حتى تضعف شوكته ويفقد تأثيره، لكن هذا التصرف سوف يعمل على بناء شبكات جهادية وحركات مقاومة قادرة على إشعال فتيل الأزمات في بنية الاستقرار وبالتالي يفقد النظام السعودي حركة توازنه، وتنشأ العصبيات الاجتماعية والثقافية وحركات التحرر والديمقراطية والحداثة وحركات الحريات والحقوق، الأمر الذي يفت في عضد الدولة ويجعلها تعود أدراجها إلى منابعها الأولى في نجد والإحساء، وهذه هي الغاية البعيدة التي يريدها النظام الدولي الجديد من السعودية بعد أن زَجّ بها في صراع غير محمود العواقب في اليمن، وفي المنطقة العربية كلها وحاصرها من الشمال ومن الجنوب بالعداوات وبمشاعر الكراهية عند عموم المسلمين بسبب حركة التطبيع مع العدو الصهيوني وبسبب الحروب التي يشنها أو يدعمها في المنطقة لمصلحة إسرائيل والأمريكان .
من المعروف أن النظام الاجتماعي السعودي متنافر، فالناظم الأساس لذلك التنافر هو الوحدة الدينية، وحين تتشظى الفكرة الدينية سوف تترك أثرا على الوحدة الاجتماعية وبالتالي تنشأ العصبيات العرقية والجغرافية فتصبح نجد ضد الجنوب ومناطقه وسلالته، وتصبح الحجاز ضد نجد، وشمال السعودية ضد كل الجغرافيا وأقرب إلى العراق، ومؤشرات ذلك اليوم تبدو كظواهر تتنافر هنا أو هناك في شكل تغريدات ومواقف وفيديوهات في منصات التواصل الاجتماعي، وهذا التوجه القريب البعيد سوف يصنع فكرة الشرق الجديد التي حلم بها شمعون بيريز في كتابه “الشرق الأوسط الجديد”، وهي فكرة تقوم على إعادة تقسيم الخارطة العربية على أسس عرقية وطائفية وثقافية ومذهبية, ومناخاتها اليوم تهيأت كما لم تتهيأ من قبل بفضل غباء قادة السعودية والخليج، ولولا محور المقاومة أجّل من تنفيذها لكانت اليوم أمرا واقعا في الجغرافيا العربية، فالأكراد كانوا على قاب قوسين أو أدنى من إعلان دولتهم، وحالة الفرز الطائفي جارية اليوم في المنطقة على قدم وساق، وإسرائيل تتمدد في المنطقة وتعيث في البلدان والشعوب دماراً وفساداً، والأزمات السياسية تطحن العرب طحناً، السودان يشتعل، ومصر وإثيوبيا صراع قابل للانفجار، أزمة بنيوية في تونس، صراع المغرب والجزائر، الاضطرابات في سوريا، العدوان على اليمن، أزمة عميقة في ليبيا، العلاقات الجيوسياسية العربية والديموغرافية تتهيأ لحركة التقسيم الجديدة بشكل مدروس وجاد وبما يخدم الصهيونية العالمية، وكل ذلك يحدث بدعم وإسناد النظام المستبد السعودي والنظام العشائري المستبد الخليجي، وهما النظامان اللذان زرعتهما بريطانيا حتى تتمكن من السيطرة على مصادر الطاقة ومنابع النفط في ظل الصراع القديم بين الشرق والغرب.
اليوم يفقد النظام الدولي الجديد المتغطرس توازنه بعد أن تحرك التنين الصيني وتعاضد مع روسيا ويدير حركة توازن جديدة في العالم أصابت الدول الصناعية الست بدوران جعلها تعيد حركة الاضطرابات في أفغانستان وتمدد حركة العدوان في اليمن وتخلق أزمات بنيوية في الكثير من البلدان مثل أزمة أوكرانيا وأزمة الغاز مع ألمانيا والصراع بين الاتحاد الأوربي والروس، وسباق السيطرة على المنافذ البحرية والتحكم في مسارات طريق الحرير الصيني المزمع القيام به . |
|
|