إليك حيث مقامك السامي، يا من تربع عشقك على عرش قلوب الكثيرين!
إليك أيها العطاء الممتد بلا حدود!
إليك أيها الحاضر الكامن في الجوانح!
إليك يا من نبعك الفياض مازال يجري، نستقي منه علّنا نرتوي!
إليك يا أسمى آيات العشق! إلى عظمتك أرنو ويجيش بصدري حديث ذو شجون.
ها نحن نحيي ذكرى اعتلاء روحك السامية للسماء، وتعود بي الذكرى مستجمعة أطراف الحكاية يوم حن ورق لها قلبي بعد أن كنت عنها غافلة وجاهلة!!
بداية يوم دخل أصحابك عمران، وفي وقت قياسي استحوذوا على كل شيء وملكوا زمام الأمور، رغم قلة مؤنهم وعددهم.
كان يومها ثمة من يعي معنى دخولهم من محبيهم ومبغضيهم، وهناك من لا يعرف شيئاً سوى أن ثمة أموراً عجيبة تحدث عواقبها تهدد الأمن والاستقرار.
كان أصحابك يا قائدي الشهيد قد باغتوا جيشاً هزيلاً رغم عدته وعتاده، فإنه كان متراخياً ولم يكن مستعداً أو متوقعا ذاك التقدم المباغت!
ومثل السيل الجارف تقدموا واقتلعوا كل ما يواجهونه.
كانت العاصمة صنعاء قلعة حصينة لا يمكن لقوة أن تجتاز حراسها. ولكن مع هؤلاء حدث العكس، فكل جهاتها العسكرية والسياسية وغيرها سلموا لهم دون مقاومة حتى، وكل التقنيات الحديثة والأسلحة المتنوعة لم تشكل قوة لتعجز هذا التقدم أو توقفه عند حدود معينة، بل بكل طواعية سلمت المعسكرات والألوية والضباط والأفراد!!
تطورت الأمور وأصبح الأمر أشبه بالمعجزات! حدث ما يشبه الحلم! استسلم الكثير لـ»الحوثيين» من انتسبت تسميتهم للقبكم الكريم.
ومرت الأحداث سريعا حتى وجدنا أنفسنا أمام عدوان خارجي. لم نكن نتوقع كل هذا. قصف طائرات في سماء صنعاء، أمر لم يكن في الحسبان، ولم يحدث له شبيه إلا صورة مصغرة جداً له في حرب 94 مع الجنوب.
لم يكن الكثير يعلم لماذا استشاطت غضبا دولة بني سعود وقامت مع تحالف دولي بقصفنا دون هوادة.
كانت الحروب الست مفصلاً تاريخياً مهماً، وما حدث فيها حلقة مهمة تربط الأحداث. كانت السعودية قد حاربتكم من قبل بطرق مباشرة وغير مباشرة، لأنها تعي خطورة انتشار فكركم ومشروعكم. وكانت أذرعها لا تكل ولا تمل وهي تمدها مرة تلو الأخرى كي تنهي هذا الفكر وتدفنها حيث لا رجعة. لم تكن فقط الجارة «المصونة» تعمل على ذلك، بل كل من حاربتهم بشعارك الذي أرعبهم وفاجأهم؛ فكيف برجل يمني يبرز من جبال مران في صعدة يحرض الناس على أمريكا و»إسرائيل» وينشر فكراً ومفاهيم تحاربهم وهي الدول العظمى؟!
سلطوا النظام البائد بكل خبث كي ينهي المسألة. لكن إيمانك القوي بنهجك ومشروعك وتمسكك به وتعلق ثلة من المؤمنين المجاهدين بهذا الفكر وتلك المفاهيم خلق أمامهم قوة تحد ومجابهة أرهقتهم واستنزفت منهم الكثير من الجهد والوقت دونما فائدة.
فعلاً، نالت أيديهم الخبيثة منك، وفي جرف مران حدثت تلك المأساة التي تنصلوا فيها من كل القيم والشيم والأعراف، فلم يراعوا حرمة من معك من الأطفال والنساء، وبحقد وخبث منقطع النظير صبوا نارهم عليكم في جرف مران ونكثوا وعدهم لك بأنك إذا خرجت لك الأمان. يومها ظهروا بأقبح الصور. كي يصلوا لهدفهم تنصلوا من آدميتهم وأضحوا مثل الوحوش الناهشة في الأكباد!
لكن روحك السامية يومها صعدت لبارئها مطمئنة وواثقة أن خلفها رجالاً صادقين سوف يحملون رايتك ويكملون المشوار.
واشتعلت الحروب وأكسبت رجالك الكثير والكثير من الخبرات والمهارات، وازدادوا صلابة وقوة وحماساً، وحطموا كل ما واجهوه من حواجز، وتحدوا كل الأسلحة، حاملين مشروعك سلاحاً في قلوبهم.
تلك التربية الإيمانية أثمرت وأطل بدر منير شع نوره فتبدد الظلام. وبحكمة وبصيرة قاد السفينة ربان حكيم. فأدرك الجميع أن استشهادك لم يكن إلا بداية لمرحلة نضال وكفاح جديدة.
بعد دخول أصحابك صنعاء كانت -بفعل تجاربهم السابقة- قد قويت شكيمتهم واشتد عزمهم وازداد إصرارهم على مواصلة الدرب، فتذللت لهم كل الصعاب، وانتشر فكرك ومشروعك مثل الماء الجاري، وارتوى منه كل بيت متعطش ساده الظلم وساده التهميش وافتقر للصواب وبحث عن الحق.
نعم، توحش العدوان وفعل ما لم نعهده أو نطيقه مما كنتم أنتم قد عشتموه في صعدة الشموخ، فقد ألفتم أصوات الطائرات وانهيال الغارات، ألفتم الأطلال والحزن، وعرفتم قسوة الفراق، ومسكم ضر الحصار، بينما كنا نحن نعيش السلام.
اليوم ذقنا كل ما ذقتموه. ومع كل ذلك تمسكنا بالثبات والعزم وصمدنا.
كل ذلك لأننا عرفناك وعرفنا ماهية مشروعك، وشعارك الذي كان يعتقل كل من صرخ به في الجامع الكبير أضحى اليوم معلقاً على جدار السفارة الأمريكية، بل وفي كل شارع وزقاق.
اليوم السيد العلم عبدالملك (حفظه الله) احتوى الشعب بحكمته وبعذوبة منطقه، احتوانا بسلاسة فكره وليونة حديثه، احتوانا بإيمانه المشع من قسمات وجهه، احتوانا بعصارة تجاربه التي صبها علينا مثل العذب الزلال الصافي الذي تشربناه.
اليوم يا شهيدنا وقائدنا امتلأت جبهات الشرف واكتظت برجال الله من كل قبيلة يمنية التحقوا يا سيدي بمسيرتك بقناعة تامة، وتحملوا كل المشاق ووهبوا أرواحهم رخيصة في سبيل الحق، في سبيل إعلاء كلمة الله التي صدحت بها أنت، واعتليت يوماً ما المنابر مجاهراً بها أمام قوى الطواغيت.
أتدري سيدي الشهيد أين أضحى مصير علي صالح وعلي محسن الذي توحش وأثخن بإجرامه، وكل من كانوا يحاربون مشروعك؟! كيف أصبح توجههم أو أي أرض باتوا فيها؟!
لا أخفيك القول أن معظم من التحقوا بمسيرتك الشريفة أيها الشهيد والقائد العظيم استوحوا من هذا المشروع قيماً ومبادئ كانت قد بدأت تتراجع في مجتمعنا اليمني، كالمروءة والنخوة والشموخ والعز والالتزام، وكذلك غاب عن وعينا الجمعي أهمية الرجوع للقرآن الذي بات مهجوراً، وعرفتنا مسيرتك كيف نتدبر في الآيات ومعانيها، وعرفتنا ملازمك التفسير المنطقي الذي خالف تفسير الوهابيين المليء بالثقافة المغلوطة التي حشوا بها رؤوسنا في مناهجنا الدراسية.
أتدري سيدي القائد؟! لقد عرفنا رجالك حتى في حربهم ذوي مبادئ وأخلاق قرآنية. وهل تدري أنهم يصنعون الصواريخ؟! أمر لم نكن نتخيله!
أمور كثيرة يا قائدنا استجدت وروحك هي التي ترافقها وتبعث فيها الحياة والقوة من بعد الله جل في علاه.
اليوم يا سيدي الشهيد انقلبت كل الموازين وبعد شهر واحد سيكتمل العام الثامن من عدوانهم، وفي الأعوام السبعة الفائتة حدث العجب العجاب.
نم قرير العين سيدي الشهيد، وعذرا على ثرثرتي هذه التي لم تكن إلا من وحي تأملي للأحداث ودهشتي مما يحدث وكيف أن الأنصار أعيوا العالم وأضحت قوتهم أكبر مما يتصوره الكثيرون، فكم استنزفوا العدوان وحالوا بينه وبين الوصول إلى مراده، بل إن كل تحرك منهم يزيد الأنصار نصراً وعلواً.
أعرف سيدي الشهيد أنك مطلع على كل الأحداث وأنت مطمئن القلب تحيا في النعيم الأبدي.
إلى روحك كل السلام.
* نقلا عن : لا ميديا