كم هو مؤلمٌ للقلب وشاقٌ على النفس ذلك الحال الذي نحن عليه، إذ الكثيرون منا لايزال تعاطيه مع ما يقدمه سيد الثورة (أيده الله) من نصائح وإرشادات عملية، ومواعظ إيمانية ذات بعدٍ تربوي، لما احتوته من المبادئ الرسالية والقيم الأخلاقية مقتصراً على التأثر الآني واللحظي لا أقل ولا أكثر، وخصوصاً مَن يتصدرون ميدان التحمل للمسؤولية، الذين ما إن ينفصلوا عن الجو الإيماني حتى يعودوا من جديدٍ إلى الوضعية التي ألفوها واعتادوا عليها، ولعل نظرة سريعة على بعض الحسابات في شبكات التواصل الاجتماعي لبعض العاملين على اختلاف مناصبهم واهتماماتهم وأدوارهم كفيلةٌ بتأكيد حقيقة ما ذهبنا إليه لدى القارئ الكريم.
لقد كنت أتوقع أن أجد تغيراً كبيراً لدى أولئك الذين لا هم لهم سوى تسقيط الآخرين، بتشويههم تارةً أو بإلصاق أبشع الاتهامات بهم تارةً أخرى، ولاسيما بعد سماع الجميع للمحاضرة الرمضانية الرابعة عشرة، والتي قام هؤلاء بنشر مقتطفات منها على حساباتهم، ولكن للأسف، فالطبع غلب التطبع، ولن تؤثر الموعظة مهما كانت بليغة وواضحة وصادقة، وأياً كان مصدرها، حتى وإن كان الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) هو صاحبها، وتم لمثل هكذا نفسيات اللقاء به وجهاً لوجه، ما لم يتخلصوا من الأحقاد الشخصية، ويبتعدوا عن الأجواء المحمومة والضاغطة التي تدفعهم بدافع العصبية الى أن يقفوا من هذا أو ذاك المواقف التي لا تحمد عقباها، وما لم يتخلصوا من النظرة الضيقة إلى الأمور كلها، لينظروا بنظرة القرآن، ويزنوا القضايا والمواقف والكلمات والسلوكيات بميزان التقوى، مع ضرورة استشعارهم العبودية لله بشكل دائم، كي لا تستحكم عليهم عقدة النقص التي توحي لصاحبها بالغرور وتدفعه للاستعلاء والفوقية، كنتيجة لما بلغه من مقام وحصل عليه من منصب، إلى جانب الحذر من اعتماد المشاعر الذاتية والصلات الشخصية والاعتبارات التنظيمية وسيلةً لتحديد ما يجب فعله إزاء فلان أو علان الذي اختلف معنا حول الكيفية التي نعتمدها للعمل في أي مجال من المجالات، وألا نتحرك تحت تأثير الغضب والانتقام لأن ذلك لا يليق بمن يعمل لله وينطلق في سبيله، وقد قال أحد أتباع الإمام علي (عليه السلام) الخلص: "لقد علمني أمير المؤمنين عليه السلام، أن أقاتل عدوي ولا أحقد عليه". لأنه حتى في أصعب المواقف وهو القتال لا بد أن يكون لله وحده، فما بالك بتعاملك مع أبناء مجتمعك الذين يحملون معك ذات القضية ويتوجهون ذات التوجه.
إن مبدأ القيام لله، والعمل من أجل إعلاء كلمته يقتضي التخلص من كل الرواسب والنزعات والرغبات والدوافع والأهواء السابقة، لمن يريد التحرك وفق هذا المبدأ، وأن يبني كل تصوراته ودوافعه ومنطلقاته ومشاعره وكل حياته على أساس ما توحي به الآية الكريمة في قوله عز وجل: "فاعلم أنه لا إله إلا الله".
* نقلا عن : لا ميديا