المؤلف أنس القاضي.. الكتاب 470 صفحة.. صادر عن مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية اليمني.. العنوان «من الوحدة إلى الثورة.. الجمهورية اليمنية خلال ربع قرن من الاستبداد والهيمنة الأجنبية (1990ـ2015)».
الكتاب مكون من ستة فصول وملحق بالوثائق.. الأول: البنية الاجتماعية والاقتصادية والدولة. والثاني: من عام 1990 إلى 2010.
ومن بعض ما يبين الفصلان تأثير الإمبريالية على الاقتصاد من بعد عام 1990. وأن ما بعده كان يخدم حزبي النظام السابق الإصلاح والمؤتمر.
بدأت الدولة الاستبدادية بعد عام 1994 حين شرع الرئيس بتولية أقاربه مفاصل الدولة بالاشتراك مع رموز الإصلاح وبعض المشائخ.
وأن علاقة دولة الاستبداد بالخارج بدأت منذ السبعينيات عندما قامت الولايات المتحدة الأمريكية باحتكار رأس المال.. تحت عنوان العولمة.. مذكية الصراعات الداخلية.. كما أن التوظيف السياسي الأسري للجيش جعل جميع المؤسسات العسكرية تابعة لأسرة الرئيس وحزب الإصلاح وبيت الأحمر.. مما أفقد الشعب ثقته بالجيش.
الفصل الثالث: يدرس مرحلة ثورة 2011 إلى 2014. والفصل الرابع: يتناول ثورة 21 سبتمبر 2014 من الريف إلى العاصمة.
الفصل الخامس: يتناول جوهر الثورة حتى التدخل العسكري العدواني في 26 مارس 2015م.
الفصل السادس: قسمان: التحديات التي تواجهها الثورة الشعبية.. والدور المنوط بمكون الأنصار.
وفي الغلاف الأخير للكتاب مقطع من «خطاب النصر» لقائد الثورة السيد عبدالملك الحوثي بتاريخ 23 سبتمبر 2014.
أهمية الكتاب تكمن في معالجته لعدة إشكاليات واشتماله على جوانب بحثية فلسفية شتى منها علم النفس الاجتماعي والاقتصاد السياسي ونظرية الثورة.. كما يرى عبدالملك العجري في تقديمه الكتاب.. واعتبر أن الكاتب غامر بدراسة بنية الدولة والمجتمع ليفسر من خلالها تطورات الأحداث.
وبرأيي الكتاب رؤية عميقة لـ»نظرية أمن قومي يمني» مع رجائي أن يقوم في الطبعة الثانية بتضمين خرائط توضح أبعاد اليمن الجغرافية بموازاة الأبعاد التاريخية.. بخاصة وأن المؤلف اعتبر أن ثورة 21 أيلول/سبتمبر 2014 أفشلت مشروع تقسيم اليمــــن والفوضـــى. كما أن منطق الكتاب ودلالات العنــــــــــــوان وسياقات التحليل تتناول إرهاصات قيام ثم إشكالات تداعي وحدة قادمة من رحم ثورتين في 14 أكتوبر و26 سبتمبر في ستينيات القرن الماضي. ثم تصب في سبيل دراسة مخاضات ومآلات ثورة فراير 2011 وثورة سبتمر 2014 القادمتين من رحم وحدة مايو 1990. وأعتقد أن الكتاب بهذه المتانة في التناول وعمق الطرح ووضوح الرؤية.. سينقل القارئ بحتمية من تفاصيل كل تلك الرحلة المضنية واللذيذة معا إلى شغف العودة من غليان الثورة الحديثة ثورة المواجهة والانتصار على العدوان على اليمن وإسقاط الوصاية.. بعد خبرة ووعي إلى صرح الوحدة على أسس ثورية ووحدوية حقيقية من واقع التجارب والمعاناة التي خاضها الشعب اليمني في سبيل تحقيق أهدافه. أقول ذلك ليس إقحاما على منهج المؤلف ولا تجاوزا على الرؤية الوطنية. لأن في الفقرة المقبوسة من خطاب القائد والمطبوعة على غلاف الكتاب الأخير ما يؤكد على أن ثورة الشعب هي من يحدد المسار.. ومنها قوله: «على شعبنا اليمني العظيم أن يواصل مشواره في التقدم إلى الأمام وإنجاز مطالبه وتحقيق حلمه ببناء دولة عادلة بالروح الثورية والتحرك الشعبي المقوم دوما لأي انحراف». منحتني أملا وشجنا ملحا للعودة إلى زخم الوحدة. هذا يحتاح إلى رسم رؤى جديدة تقتضيها المرحلة.. هي باختصار ما استشففته من الخطاب.. والذي ما إن تقرأه حتى يتبادر إلى ذهنك صياغة بيان العودة.. ويتناوح في سمعك صوت أيوب طارش منشدا: رددي أيتها الدنيا نشيدي.
من حيث المضمون.. لا فروق بين أي ثورة في العالم عبر التاريخ وبين ثورة أخرى.. كما لا فرق بين أي ظلم في العالم وعبر التاريخ وبين ظلم آخر... ولا فرق بين أي وحدة وبين وحدة أخرى.. ولا بين انفصال وانفصال غيره. لا مجال لأن نستغرب أن تحتوي ثورة ما على عدة مكونات شعبية.. مختلفة فكريا وعقائديا.. فثورة مصر فيها المسلم والمسيحي والاشتراكي والملحد والعلماني والشيعي والسني.. ومثلها تونس ومثلهما اليمن وغيرها.. فالثورة مفهوم شعبي وإنساني. وكذلك الظلم لا علاقة له بتلك المسميات والتصنيفات.. وبالمثل فالوحدة لا يمكن أن تساق في أي مدلولات ضيقة.. بغض النظر عن الانتماءات والجذور والفئات.. وحدة مصر وحدة ألمانيا وحدة الصين وحدة الهند وحدة اليمن.. وأي وحدة في العالم هي ذلك المفهوم الإنساني الاجتماعي والحضاري والوجودي ذاته.
الوحدة والثورة وجهان لإنسان/وطن واحد. لا تستطيع استيعاب أن يكون لديك وطن موحد غير مبني على فكرة الثورة.. أو ثورة غير مبنية على فكرة الوحدة.. إنهما قرينان لا يقوم أحدهما إلا بالآخر.. وموقع كليهما من الثاني كموقع الروح من الجسد وعلاقتهما محايثة كعلاقة الشكل والمضمون.. وعندما يكون عنوانك حكيما بهذه الكيفية وتجد أنك ثائر ذاهب إلى الوحدة أو وحدوي ذاهب إلى الثورة فأنت كل في جزء وجزء في كل.. وفكرك منسجم ومشروعك متماسك.
هكذا قرأت عنوان كتاب الرفيق أنس القاضي المهم جدا كمؤلف تأريخي ومعرفي.. بفصوله الستة.. التي تستحق أن تدرس كعناوين مهمة وأن تعطى حقها من القراءة والتحليل والتفكيك.
مع كون المؤلف قد نوه في مقدمته إلى أن الكتاب ليس توثيقيا وإن كان له بعد توثيقي وأن وظيفته الأساسية التحليل الاجتماعي والسياسي والاقتصادي.. للمرحلة المذكورة.. لكنه أيضا يريد الإجابة على سؤال ما هو خط حركة التاريخ اليمني الموضوعي المفترض.. وبدوري أسأل كيف سيجيب عليه دون النظر إلى الخريطة الجغرافية.. لأن المنطق يقتضي ذلك.. فلا يستطيع قراءة التاريخ بمنأى عن الجغرافيا.
كما أن العقود الاجتماعية والسياسة وثيقتها المخطوطة.. فإن ثورة المجتمع وثيقتها الفئات.. وقد أحسن المؤلف حين أفرد جانبا عن الفئات في سياق حديثه عن طبيعة المجتمع اليمني في فترة الوحدة وما قبل الثورة وفي الفترات المختلفة مما بعد ذلك.. مع وعي تام بحيثيات تشكل الفئات وأن للنظام السياسي إسهامه في إفرازها وكذلك الوضع الاقتصادي.
أنهى المؤلف أنس القاضي الفصل السادس بالمهام الآنية والمستقبلية للثورة الشعبية 21 سبتمبر 2014:
(1) صون الاستقلال الوطني وحماية الجغرافيا الوطنية من الاحتلال والتمزق وفرض سيادة الدولة على كامل إقليم الجمهورية اليمنية.
(2) إعادة بناء الدولة اليمنية على أسس شعبية وتغيير طبيعتها السياسية الاستبدادية.
(3) إجراء تحولات اقتصادية اجتماعية بما يحقق الاستقلال الاقتصادي ويعزز الاستقلال السياسي ويحقق العدالة الاجتماعية والرفاه العام.
(4) رفع المستوى الثقافي والعلمي للشعب.
ومع أنه لم يشر إلى حيثيات تمخض تلك المهام إلا أني على يقين أنه وإن لم يشر أنه جدير بها وبالكتاب عموما بمفرده عن وعي ثوري ومسؤولية ثقافية ومجهود كبير.. وهذا ما دعا رئيس مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية اليمني إلى قول: «وفي العادة فإن عملا كهذا تقوم به لجنة باحثين».. وأنه «يبرز في الكتاب الجانب المعرفي المميز للكاتب في النظرية الثورية وهي في رأيي مكتسبة من اطلاعه الواسع على تاريخ الثورات العالمية».
* نقلا عن : لا ميديا