تأتي
الذكرى
السنوية
للشهيد
في
كل
عام
مع
كثير
من
التطورات
والأحداث
والمتغيرات
في
الواقع،
فمنذ
أول
فعالية
أقيمت في
شعب
من
شعاب
مِطرة،
في
منطقة
صغيرة
محاصرة
،
وفي
مرحلة
كان أبناء المسيرة القرآنية يعيشون
فيها
واقع
المظلومية
إلى
حد
كبير
،
مع
التضحية
في
سبيل
الله
ـ
سبحانه
وتعالى ـ ،
وإلى
اليوم
في
كل
محطة
سنوية
تكبر المتغيرات
،
والأحداث
،
والتطورات،
في
مسار
تصاعدي
لصالح
عباد
الله
المستضعفين
والمظلومين،
سواء
في
الداخل
اليمني
أو
في
بقية شعوب
المنطقة،
وهذا
يقدّم
بحد
ذاته
شاهداً
واضحاً
على
قيمة
الشهادة
وأثرها
وعطائها،
وما
يكتبه
الله
لعباده
المستضعفين
في
جهادهم
،
وصبرهم
،
وتضحياتهم
،
وعطائهم
وصمودهم
، و
تمسكهم
بالموقف
الحق، وتوكلهم
على الله ـ سبحانه وتعالى ـ وثقتهم
به
.
حتى أصبحت
هذه
المحطة
السنوية
محطةً
مهمة
لاستلهام
الدروس
والعبر،
وللتزود
منها
طاقة
معنوية
تتمثل
بقوة
الإرادة
والتصميم
والعزم
على الثبات
في
طريق الحق
، والاندفاع
أكثر
وأكثر
في
مواصلة
المشوار
في
سبيل الله، فهي تحيي في مشاعرنا قداسة القضية التي نضحي من أجلها، وعظمة المسيرة التي ننتمي إليها، وأهمية المسؤولية التي نتحملها كمؤمنين، لأنها ذكرى للعز والإباء، ذكرى للثبات والشموخ، ذكرى لكلِّ قيَم الحقِّ والخير والعدالة، ذكرى تُحيي فينا من جديد رُوحَ المسؤولية، وتزيدُنا من جديد عزماً إلى عزمنا، وثباتاً في مواقفنا، وصُمُوداً في مواجَهة التحديات والأخطار، وهي مناسبة لاستذكار جميع شهداء النهج الإلهي على امتداد التاريخ، ولأخذ الدروس والعبر منهم والتي نحن اليوم في أمس الحاجة إليها، كما أنها مناسبة للحديث عن عظمة الشهيد ومقامه ومواقفه.
وهذه المناسبة بكل فعالياتها تجاه الشهداء وأسرهم هي تذكير بواجبنا جميعاً تجاههم، وما نقدمه لهم قليل من كثير من عظيم حقهم، وما يجب علينا تجاههم، فهؤلاء الشهداء الأعزاء الذين ببركة تضحياتهم، وتفانيهم في سبيل الله، وصدقهم مع الله، وعطائهم العظيم بكل شيء حتى النفس، تَحقَقَ النصر والعزة، ودَفَعَ الله عن عباده المستضعفين خطر الإبادة والاستعباد، فلهم عظيم الفضل ورفيع المكانة، والحق الكبير علينا تجاههم وتجاه أسرهم، وهم مدرسة متكاملة نعرف من خلالهم الإيمان وقيم الإسلام، من عزة، وإباء، وصمود، وثبات، وتضحية وصبر، وبذل، وعطاء، وسخاء، وشجاعة، ونعرف من خلالهم أثر الثقة بالله ـ سبحانه وتعالى ـ ففي يوم الشهيد نستلهم من الشهيد معاني العزة والوفاء، والصدق، والإخلاص، والذوبان في الله، نستلهم منه مكارم الأخلاق، وفضائل القيم، والمشاعر الإنسانية السامية.
كما أنها محطة نتذكر فيها واقعَنا، وما نتحمله من مسؤوليات تجاه هذا الواقع، وما يتطلبه من ضرورة إحياء الروحية المعطاءة الصامدة للشُّـهَدَاء في وجدان الأُمَّــة، ومواصَلة السير في درْبِ الشُّـهَدَاء، طريقِ الحُـرِّيَّة، والكرامة، والعزة، والاستقلال.
إننا حينما نُحيي الذكرى السنويةَ للشَّهيْـد، فإنما لنحيي فينا نحن روح الشَّهَادَة؛ لنحييَ أَيْضاً ونرسِّخُ في واقعنا مبدأَ الشَّهَادَة في سبيل الله ـ سبحانه تعالى ـ في سبيل الحق، في إقامة العدل، في مواجَهة الظلم والطغيان والإجرام، وخُصُوصاً ونحن في هذه المرحلة وفي هذا العصر نواجهُ كشعوب مستضعَفة تحدياتٍ كبيرةً، نواجهُ قوى الطغيان والاستكبار والإجرام العالمية، بأياديها الإجرامية في داخل مناطقنا وشعوبنا، وكذلك بمكرها الكبير، وطغيانها وإجرامها الهائل الهادف إلى احتلال بلدنا، واستهداف شعبنا، وإذلال أمتنا، وفرض خيارات العمالة والخيانة على شعبنا وعلى سائر شعوب المنطقة، نحن في أمسِّ الحاجة في ظل أوضاعٍ كهذه، وفي مواجهة تحدياتٍ كهذه، إلى هذه الذكرى المعطاءة بالدروس العظيمة والمهمة، والتي نتزود منها قوة العزم والإرادة الفولاذية، وقوة التحمل والاستعداد العالي للتضحية في مواجهة هذه التحديات مهما كان مستوى تلك التضحيات.
من ثمرات تضحيات الشهداء وعطائهم
لا يستطيع أحد على الاطلاق مهما كان توجهه وانتماؤه أن ينكر ما تحقق لشعبنا اليمني العظيم من نقلات نوعية وكبيرة بفضل الله ثم بفضل صمود الشرفاء المخلصين من أبنائه وتضحياتهم في سبيل الله، وفي مقدمتهم الشهداء الأبرارـ سلام الله عليهم ـ وكل هذه النقلات تدل على عظمة هؤلاء الشهداء، وعلى بركة وعظمة ما قدموه وجادوا به، من أجل أبناء شعبهم وأمتهم، وهذه النتائج العظيمة، كثيرة ومتنوعة تشمل كل الجوانب نستعرض بعضا منها:
أولا على مستوى الجانب النفسي والمعنوي
حينما تعود بنا الذاكرة إلى ما قبل الحرب الأولى، فإننا ولا ريب نتذكر تلك الحالة الرهيبة من الخوف، والانبطاح، والاستسلام، وما ها من ترهيب، وترغيب وتهويل إعلامي رهيب جدا، جعل من قوى الاستكبار بقيادة أمريكا وأعوانها قوة مهولة لا يمكن حتى التفكير في مواجهتها، فلاذ الكثير من الناس بالصمت، ورأوا فيه قربة إلى الله، وتسابق مهرة الانبطاح والتذلل نحو تقبيل أقدام الظالمين، وأصبح آخرون دعاة للاستسلام، وتنكر البعض لدينهم، ومبادئهم، وقيمهم، ومعتقداتهم، بل وسعوا إلى نبذها، ومحاربتها، وحينما تحرك الشهيد القائد (رضوان الله عليه) بمشروعه القرآني التحرري، ارتعدت فرائص البعض، ورأوا فيه انتحارا حقيقيا، ومستحيلا لا يمكن تحقيقه، عاكسين بذلك مدى تجذر الخوف والهزيمة النفسية لديهم، غير أنه مع ثلة من المؤمنين الصادقين، بفضل الله ـ سبحانه وتعالى ـ ثم بفضل ثباتهم وتضحياتهم كسروا حاجز الخوف، وأثبتوا للجميع أنه في مقدور أي فئة صادقة وصابرة لديها استعداد عالي للتضحية والصمود أن تواجه، وأن تتحرر من سطوة الظالمين مهما كان جبروتهم وقوتهم، مجسدين بذلك قوة الحق، وهشاشة الباطل، ومثبتين لكل الناس على أرض الواقع، أن ثقافة الشهادة تقوي النفوس وتزكيها، فيبطل معها كيد الأعداء، وتخيب رهاناتهم في ترغيب الأمة وترهيبها، وتجعل من أساليبهم ومكرهم وخداعهم سلاحا فاشلاً، وضعيفاً لا يحقق لهم هدفا، ولا يوصلهم إلى نتيجة، ولا يهيئ لهم ما أرادوه منه، وحينها ارتفعت معنويات الناس، وقويت نفوسهم، وذهب عن قلوبهم رين الخوف ورهبة العدو، انتعشت نفوسهم واتجهت نحو التحرر، وهذا ما نلمسه اليوم بشكل واضح، فبصمود شهدائنا الأبرار وثباتهم، أصبحنا أكثر شعورا بحريتنا وعزتنا، وكرامتنا من أي وقت مضى، وتجلى في واقع شعبنا مصداقية الهوية والانتماء، وصرنا أحرارا في قراراتنا وإراداتنا، لا وجود أصلا للتدخلات الأجنبية، والإملاءات الخارجية في شوؤننا كما كان موجودا لدى النظام السابق.
ثانيا: على مستوى الجانب العسكري
تمثل الاستجابة الصادقة لله ـ سبحانه وتعالى ـ والمبادرة الجادة لتطبيق توجيهاته، سرَّ القوة الحقيقة، لأنها تمثل سببا رئيسيا لكسب معية الله القوي العزيز
قال تعالى:
(إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ
وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّنْ بَعْدِهِ
وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ) [آل عمران آية: (160)]
ومن هذا المنطلق الحقيقي تحرك شعبنا اليمني امتثالا لقوله تعالى:
(وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ
وَمِن رِّبَاطِ الخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ
وَعَدُوَّكُمْ
وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ
وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ
وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ) [الأنفال آية: (60)]
فحقق إنجازات جيدة في وقت قياسي أذهل به العالم وخاصة في المجال العسكري نذكر بعضا منها:
أولاً:
الخبرات والمهارات القتالية
كان الكثير من أبناء المسيرة القرآنية يدخلون الحرب بكل عفوية، لا يملكون إلا قوة العزيمة، وصدق الإرادة، متوكلين على الله ـ سبحانه وتعالى ـ ومعتمدين عليه، لا يتمتعون بأي خبرة عسكرية، حتى على مستوى استخدام الكثير من الأسلحة بشكل صحيح، ولا يعلمون من تكتيكات القتال وأساليبه إلا النزر اليسير، ولكن مع توالي الأحداث، ومن مدرسة الميدان، كسب المجاهد اليمني خبرات كبيرة، ومهارات عالية، أهلته لمواجهة أعتى وأكبر قوى الشر في العالم، وأكثرها خبرة، وأرقاها تدريبا، فأصبح اليوم يمثل بمعارفه القتالية الحقيقية والراقية التي يجسدها على أرض الواقع رقما صعبا لا يمكن تجاوزه، وقوة عظيمة لا يستهان بها، وهذا بفضل الله ـ سبحانه تعالى ـ ثم بفضل صمود وتضحية المخلصين من الشهداء الأبرار، والصادقين الأحرار، ممن لا يزالون يسيرون في خطهم، وينهجون منهجهم في الصبر والثبات والاستعداد العالي للتضحية في ميدان المواجهة لقوى العدوان السعودي الأمريكي.
ثانيا:
امتلاك القدرات والإمكانات العسكرية واللوجستية
لم يكن اليمن فيما مضى بأكثر من بلد مستورد، يشتري من الأسلحة ما عفى عليه الزمن، أو ما حصل علية كتبرع من دول أخرى، مقابل تنازلات سياسية وتجارية وإملاءات تؤثر سلبا في الشأن الداخلي لهذا البلد، ولكن بفضل الله وبفضل تضحيات شهدائنا الأبرار من أبناء هذا الشعب العريق، تحققت نقلات نوعية في هذا الجانب جعلت العالم يفغر فاه دهشة من عزيمة أبناء اليمن وتصميمهم على إيجاد البديل الأفضل، من خلال العمل الدؤوب على التصنيع والتطوير وقد حققوا نتائج جيدة وكبيرة بالنظر لتلك الأوضاع التي يعيشونها من حصار شديد وحرب ضروسة وكبيرة على أبناء هذا البلد فصنع الطائرات المسيرة، بأحجام مختلفة، وبأشكال متعددة، ومديات متفاوتة، ولأغراض متنوعة، وبجانبها صنع أنواعا وأجيالا مختلفة من الصواريخ، بمديات مختلف، قريب، ومتوسط، وبعيد المدى، كما صنع مع المدفعية ذخيرتها، وكل من هذه الصناعات أثبتت في الواقع جدوائيتها، وكفاءتها، وفاعليتها الكبيرة، وهذا الشيء لم توفق إليه دول ذات زخم اقتصادي كبير، واستقرار داخلي مديد، كالنظامين السعودي والإماراتي فهما يعتمدان كليا على الاستيراد، والشراء من الدول الصناعية، هذه القفزة النوعية جاءت بجهود ذاتية وخبرات يمنية، في ظل حرب شرسة، وحصار خانق، جاعلة من هذين العائقين دافعا قويا نحو مزيد من المفاجآت المتواصلة، والتي ستستمر في المستقبل ـ بإذن الله ـ، لتجعل من هذا البلد بلداً متطوراً، وقويا، يكون في مقدوره حماية الأمة، وصون كرامتها، وعزتها، ومقدساتها، وكل هذا تحقق بفضل الله ـ سبحانه وتعالى ـ ثم بفضل تضحية شهدائنا الأبرارـ سلام الله عليهم ـ وصمود أبطالنا الأحرار، الذين لولا صبرهم، وصمودهم، وتضحياتهم لظل اليمنيون يمجدون الأوهام، ويصفقون للسراب.
ثالثا:
شعبنا اليمني ألحق بقوى العدوان ومرتزقتهم خسائر فادحة وجسيمة، سواء على مستوى الآلاف المؤلفة من القتلى، وعشرات الآلاف من الجرحى بالرغم من إمكاناتهم الهائلة، وقدراتهم العسكرية الكبيرة، في مقابل إمكانات شعبنا المتواضعة وظروفه الصعبة، ومعاناته الاقتصادية، ومشاكله الداخلية، إلا أن شعبنا كبد المعتدين خسائر مهولة، في قوتهم البشرية الفاعلة التي يعتمدون عليها، وفي معداتهم العسكرية التي دمرت، وأعطبت، مما اضطر قوى العدوان إلى شراء البديل والبديل، في صفقات متتالية، أرهقتهم اقتصاديا.
أضف إلى ذلك إسقاط عدد من طائراتهم الحربية وعلى رأسها الأباتشي المعروفة بمنعتها العسكرية، وكذلك ضرب عدد من البارجات، والمدمرات المعتدية وإحراقها، وصدق الله ـ سبحانه وتعالى ـ القائل: (وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ) [النساء من آية104]
رابعا:
شعبنا اليمني أرهق بصموده وثباته اقتصاد دول العدوان بشكل كبير إلى حد جعل النظام السعودي ومعه الإماراتي يخرجان من زمن النعمة والرخاء والفائض المالي والميزانيات الاحتياطية، ويدخلان إلى نفق مظلم من الأزمات الاقتصادية، والقروض والجرع المتنامية والمتنوعة، ودخلوا في سياسات اقتصادية تخلق لهم أزمات، ومشاكل اقتصادية مستقبلية كبيرة، وخطيرة، وخيم الفقر بشبحه على بلدانهم، هذا هو الواقع، الذي يمكن استقراؤه ببساطة بدون مشقة من خلال وسائل الإعلام عن واقعهم الداخلي .
ثالثا: على مستوى الجانب السياسي
بفضل الله -سبحانه وتعالى- وبفضل صمود أبناء شعبنا العزيز وتضحية شهدائنا الأبرار، حقق شعبنا اليمني مكاسب كبيرة في هذا الجانب، فبعد أن كان رهين الإملاءات الخارجية، تحكمه من خلف الكواليس بعض السفارات الأجنبية، كالسفارة الأمريكية، والسعودية، والإماراتية، وبعض السفارات الأوروبية، فتتحكم في توجهاته، وقراراته السياسية، ويخضع بشكل كبير لسياسات تلك الدول وإملاءاتها، وتتنازع الحكم فيه شخصيات عميلة لعدد من الأنظمة الدولية، كلا يريد فرض إملاءات أسياده، وكل سفير يسعى لإحداث أكبر تأثير على كل المستويات.
تحرر شعبنا اليمني في قراره السياسي، من أغلال تلك القيود الضاغطة، وأصبح له وفد سياسي برئاسة محمحد عبد السلام -الناطق لأنصار الله، ورئيس مكتب الشبكة الإعلامية للمسيرة- يعقد المؤتمرات السياسية في دول عالمية كثيرة، ويوضح من خلالها مظلومية هذا الشعب، وتطلعاته نحو الحرية، ورفضه القاطع لأي تدخل خارجي في شؤونه الداخلية، وهذا التحرر من أغلال تلك السياسات المفروضة عليه لعقود من الزمن، يعد إنجازا كبيرا.
أضف إلى ذلك المساهمة الكبيرة لشهدائنا في نشر الثقافة القرآنية، التي رفعت منسوب الوعي النير لدى أبناء هذا الشعب، وصححت نظرته للأمور، وصوبت رؤيته نحو الأحداث، وأكسبته الحكمة والبصيرة، والفهم الثاقب، والذكاء الخارق، فبات يتعامل مع الأحداث ويتفاعل معها وفق رؤية قرآنية واضحة، وبصيرة إيمانية عالية، ولم يعد ذلك الشعب الذي يسهل خداعة، ومراوغته، والاستهتار به، بل صار يبهر المتابعين برقي مواقفه ورؤاه السياسية وما يمتلكه من وعي سياسي قيم، ينعكس في مواقفه الصادقة من قضايا الأمة الإسلامية، تلك المواقف التي أصبحت محط إعجاب وتقدير أحرار العالم.
رابعا: على مستوى الجانب الأمني
لم يكن الوضع الأمني إبان النظام السابق بأحسن حالا من بقية الجوانب الأخرى، فقد خيمت عليه الثارات، وطغت عليه النزاعات، والخلافات البينية، وفقدت كثير من المجتمعات اليمنية أمنها واستقرارها، ونشبت بينها حروب أهلية غذاها وشجعها النظام السابق، وأصبحت سياسة فرق تسد هي السياسة المتبعة في الوسط المجتمعي، كما شجع المجتمع على الفساد فطفت للسطح عادات سيئة، كقطع الطرقات، وتخويف المسافرين، وسلبهم، والسطو على حقوق الغير من أموال وأراضي وغيرها، خاصة من قبل النافذين في السلطة، وصار الفساد وإقلاق السكينة العامة، والثارات، والتصفيات، والقمع، ومصادرة الحقوق والحريات، ثقافة، وممارسة شبه يومية، لكن بفضل الله ـ سبحانه وتعالى ـ ثم بفضل تضحيات وصمود الشهداء الأبرار، انتشرت الثقافة القرآنية التي تهدف بكل وضوح إلى إصلاح الإنسان وربطه بالله ـ سبحانه وتعالى ـ وغرس قيم الخير والفضيلة فيه، وتربيته على مكارم الأخلاق التي هي جزء من الدين، ولقيت هذه الثقافة المباركة قبولا واسعا بين أبناء الشعب اليمني، وحققت نجاحا ملفتا خاصة عند الشباب الذين انطلقوا في المسيرة القرآنية مؤمنين صادقين، مخلفين وراءهم الكثير من الثارات والمشاكل، والعادات السيئة، ومتجهين نحو الله بقلوب صادقة، فقلت نسب الجرائم، وتلاشت الكثير من المشاكل، خاصة مع توجه القيادة الحكيمة إلى حلحلة الكثير منها، وفي مقدمتها تلك المشاكل المستعصية، والمتجذرة، ذات الطابع الأوسع، ولم يبقى منها إلا رواسب بسيطة تسعى الجهات الأمنية إلى حلها والقضاء عليها.
خامسا: على مستوى الجانب الاجتماعي
لقد مثلت المسيرة ملتقى هاماً للتعارف والتقارب بين أبناء الشعب اليمني، كما أن وحدة القضية، والهدف، والمصير، دفعت بأبناء هذا الشعب للتعاون والتفاهم، وانعكست تلك الأخوة الإيمانية على واقع المجتمع اليمني، فأزداد تقاربا وتآلفا، وتكافلا وتسامحا، وبهذا ضعفت العصبيات المناطقية، والعرقية، وتلاشت الحواجز البينية، وأصبح كل أبناء الشعب في خندق واحد، ومسار واحد، مما سهل التقارب أكثر، فقويت اللحمة، وزالت الفوارق الطبقية، وانعكس ذلك على الواقع النفسي والعملي قوة، وثباتا، وتراحما، وهذا كله ببركة دماء الشهداء وصبرهم، وصمودهم، وثباتهم.
سادسا: على مستوى الجانب الزراعي
لقد حقق أبناء الشعب اليمني تقدما ملحوظا، وتطورا كبيرا في المجال الزراعي في السنوات الأخيرة، حيث حظي هذا المجال باهتمام دائم من قبل القيادة السياسية، فاستصلحت الكثير من الأراضي الزراعية، ووضعت اللبنات الأولى لانعاش هذا الجانب، وبات العمل قائما على قدم وساق لتحقيق مزيد التطور، والتقدم في المجال بكافة جوانبه، وأصبح التوجه نحو الاكتفاء الذاتي في المجال الغذائي من الأولويات الهامة للجانب الرسمي والشعبي معاً، وهذه ثمرة مهمة من ثمار التضحية والصمود للشهداء الأبرارـ سلام الله عليهم ـ فكان هذا الموسم بغزارة أمطاره ووفرة المنتجات الزراعية فيه، دليلا جليا على عظمة الشهادة، وبركة دماء الشهداء وقداستها عند الله سبحانه وتعالى.
سابعا: على مستوى الجانب العلمي والمعرفي
لقد مثلت الأحداث والحروب المتوالية ساحة خصبة للإبداع، وتطوير المهارات، وصقل المواهب والقدرات، ووجد فيها العقل اليمني متنفسا واسعا لإبراز ما لدية من مواهب وقدرات إبداعية في شتى الفنون والمجالات المعرفية والعملية، وكسبوا في ذلك خبرات كبيرة، وامتلكوا قدرات عظيمة، فأفاد الجميع من فيض عطاء الشهداءـ سلام الله عليهم ـ إذ لولا ذلك العطاء لما تسنى للجميع أن يكسبوا كل تلك الخبرات، ولا أن يصقلوا تلك المواهب والمهارات، ولا حتى أن يبوحوا ببعضها ما بالك بأن يحظوا بالدعم والتشجيع الكبير من قبل القيادة السياسية، علما أن الكثير من العقول اليمنية المبدعة عانت إبان النظام السابق من التهميش والإذاء، مما دفع ببعضها نحو الهجرة إلى بلدان أخرى، بحثا عن من يتقبلهم، ويحتضن مواهبهم وقدراتهم، كما أن الثقافة القرآنية العظيمة التي انتشرت بفضل الله ـ سبحانه وتعالى ـ ثم بفضل تضحيات الشهداء وصبرهم، وثباتهم، وصمودهم صححت الكثير من المفاهيم والرؤى المغلوطة، والخاطئة لدى كثير من الناس، سواء علماء أو متعلمين، فقد استضاء الجميع بنورها، فخلصتهم من ركودهم وأعادتهم نحو المسار العلمي والمعرفي والعملي الصحيح والسليم، بما يتوافق مع كتاب الله ـ سبحانه وتعالى ـ وبما يضمن صلاح الحياة، والفوز في الآخرة.
* نقلا عن : موقع أنصار الله