لا أدري وأنا أقلِّب مؤشر الراديو تلقيت مكالمة هاتفية من الأخ العزيز والأديب المبدع الشيخ المتمرد عبد الرحمن قاسم بجاش نقل إلي الخبر المشؤوم عن انتقال الفيلسوف والأديب شاعر اليمن الكبير الأستاذ الدكتور عبدالعزيز المقالح إلى الملكوت الأعلى، انطلق صوت الفنان والأديب المبدع جابر علي أحمد يصدح بقصيدة المرحوم الشهيرة :
أنا من بلاد القات *** مأساتي تضج بها الحقب
عندها قررت أن تكون عنوانا لهذا الموضوع لا لشيء، فقط لأن المأساة التي تحدَّث عنها الدكتور المرحوم بإذن الله لا تزال ماثلة في الواقع وتزداد عنفوانا وشراسة مع مرور الأيام خاصة بعد أن خرج ملف قضايا اليمن ومشاكله الداخلية إلى كواليس أطراف دولية وإقليمية، هذا المنحدر الخطير نوه إليه المرحوم أثناء مشاركته في اجتماعات اللجنة التي تشكلت من ممثلي القوى والأحزاب السياسية والشخصيات الوطنية عقب اندلاع العدوان الهمجي الشرس على اليمن وكان هدفها خلق وعي مجتمعي تشاركي يواجه مخططات الأعداء، فقد تحدث الدكتور بمرارة عن ضرورة التواصل مع كل اليمنيين لتحمل المسؤولية الأخلاقية تجاه الوطن وأمنه واستقراره وتفويت الفرصة على الأعداء المتربصين المتحفزين لاستهداف اليمن واليمنيين بخلفية حقد مزمنة مبعثها الحقد المتأصل لكل ما هو يمني ورغم أن الاجتماعات تواصلت إلا أن كل شيء توقف ووصل الجميع إلى طريق مسدود.
ولا يمكن أن أنسى الفرحة الغامرة التي كست وجه المرحوم في اليوم التالي للزيارة التي خصه بها الرئيس الشهيد صالح علي الصماد – رحمه الله، قال لي ونحن تتجول في حوش المركز: سمعت من الرئيس صالح الصماد أن الحرب استثناء عابر والسلام هو ما ننشده جميعاً. كم أتمنى أن يكون الجميع بعقلية ووعي الرجل، من هذا الموقف المفعم بالأمل نُدرك أن المرحوم حمل الوطن وأمنه وسلامة أبنائه هماً ذاتياً وترجم الفكرة في إبداعاته الشعرية ودراساته الفكرية فكان مخلصاً للوطن صادقاً في كل ما يكتبه، وعندما آلت إليه مسؤولية قيادة جامعة صنعاء حول الجامعة إلى صرح لإحياء التراث والتواصل مع الآخرين فاستقدم كبار المفكرين والفلاسفة والأدباء والشعراء والمثقفين من دول العالم والعرب على وجه الخصوص .
في هذا الصدد لا أنسى تلك الندوات والمهرجانات الشعرية التي حضرتها بقصد التغطية الإعلامية بحسب طلب المرحوم مما أتاح لي الفرصة للمشاركة في مهرجانات الشعر اليمنية الفرنسية والإسبانية والكورية الجنوبية وغيرها من المهرجانات والندوات التي أسهمت في إحياء التراث اليمني والتعريف بكبار مفكري اليمن ممن كانوا في زوايا النسيان، كما لعبت هذه الفعاليات دوراً هاماً في تنمية قدرات اليمنيين الإبداعية وتشجيع المواهب من الشباب الذين كان اليأس قد أحاط بهم وأسقط الأقلام من أيديهم فهجروا مجال الكتابة والإبداع، منهم من استبد به اليأس واستسلم للمرض حتى وافاه الأجل في ريعان شبابه مثل نبيل السروري وفؤاد عبدالعزيز وآخرين لا أستحضر أسماءهم .
هذا الوضع حاول المرحوم التغلب عليه مع ذلك قوبلت أفعاله الحميدة بالصد واستهدفته سياط الأفاعي الناطقة بالشر حتى وصل الأمر إلى حد تكفيره وإباحة دمه مع رفيق دربه الأستاذ عبد الله البردوني والدكتور حمود العودي، إلا أنه لم يعبأ بكل الحملات التي وجهت إليه من أطراف عديدة وما أكثرها، لكنه لما يعبأ بها واصل الإبداع حتى ملأ المكتبة اليمنية والعربية بل والدولية بدواوينه الشعرية والدراسات النقدية والفكرية بل والدينية، لأن المرحوم نهل من المعارف الدينية في حلقات العلم بمساجد صنعاء على يد علماء كبار.
وعندما كنت في بيروت والتقيت المفكر العربي الكبير علي أحمد سعيد “أودنيس” قال لي هذه هي اليمن وأشار إلى جناح الدكتور المقالح والأستاذ البرودني في المعرض، وختم قائلاً إلا أنه يبدو أن لا كرامة لنبي في أهله، انتهى كلام “أودنيس” فعلاً تحس بالفخر وأنت في ذلك الموضع الثقافي الهام واليمن ممثلة بذاك الكم من الكتب والدراسات الشاملة، وقد سعى المرحوم إلى ترجمة الكثير من المعارف وتوظيفها للتعريف بكبار علماء اليمن من خلال برنامج تلفزيوني عام 2010م اشتملت كل حلقة منه على نبذة مختصرة عن العالم والمفكر ودوره ومؤلفاته .
أسلوبه في الطرح أكد الانحياز التام لليمن ومفكريه وقادة الإبداع فيه فأسهب في الحديث عن العالم والمفكر لذاته والاكتفاء بمجرد الإشارة إلى المذهب الذي ينتمي إليه، للأسف الأسلوب أثار حفيظة خفافيش الظلام وسمعنا أصواتهم تنعق في منابر المساجد على نفس المنوال لتوزيع التهم والعبارات غير السوية.
الحديث عن المرحوم الدكتور عبد العزيز المقالح لن ينتهي، قال لي في آخر لقاء وقد سمعت عن أدباء عرضوا عليه مغادرة اليمن للعلاج ( من واجبي أن أشارك أهلي الهموم والمآسي التي يعيشونها لا أن أفر ). رحم الله الدكتور المقالح فقد رسم وجه اليمن المشرق على صفحات الكُتب والمحاضرات التي كان يلقيها وفي أكثرها رأينا صورة اليمن التي تتأرجح بين الحلم الجميل والكوابيس المفزعة، استناداً إلى ما هو ماثل في الواقع الرحمة لفقيد الوطن الأديب الكبير ولأبنائه وذويه وجميع أفراد الأسرة خالص العزاء، بل ولكل اليمنيين أجمعين، والله من وراء القصد.
* نقلا عن :الثورة نت