الصراع قضية حتمية لم تكتب على الإنسان وحده بل شملت الكثير من سكان هذا العالم وإن اختلف أنماط الصراع وغاياته من نوع لآخر فالصراع على البقاء بكافة ألوانه وأشكاله قائم على الأرض منذ الأزل وشامل ربما للكثير من المخلوقات الموجودة على ظهر البسيطة ولذا زود الله سبحانه وتعالى كثيراً من مخلوقاته بوسائل وأساليب دفاعية وألهمها كيف ومتى تستخدم تلك الأدوات.
لكن الله سبحانه أكرم الإنسان بالعديد من تلك المهارات والأدوات وهداه إلى كثير من الوسائل والأساليب التي يدافع بها عن نفسه ليس من المفترسات الأخرى فحسب بل ومن الوحوش الآدمية أيضا فأنزل له الحديد وعلمه صنعة لبوس تقيه بأسه وكشف لأوليائه نفسيات أعدائهم.
ولأن أهم جانب مؤثر في الصراع بين الخير والشر هو الجانب النفسي والمعنوي فقد أمد الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين بنعمة الإيمان والهدى والوعد بالنصر والتمكين وهذا مما يرفع معنوياتهم ويقوي نفسياتهم ويصنع منهم قوة ضاربة.
ونحن حينما ننظر للصراع بين الخير والشر من منظور إيماني نرى تأثير قوة الإيمان في مجريات الصراع وترجيح كفة الغلبة لصالح أولياء الله فكلما تعدى الظالمون المدى وتجاوزوا الخطوط الحمراء بحق المستضعفين من عباد الله بعث الله عليهم عباداً له أولي بأس شديد يوقفونهم عند حدودهم حتى لا يسود العبث وتعم الفوضى فتفسد الأرض.
وهو سبحانه متى احتدم الصراع بين الخير والشر لا يترك أولياءه يواجهون الخطوب بمفردهم بل يقف إلى جانبهم إن صح التعبير فيمدهم بالتأييد والتسديد ويفرغ عليهم صبرا ويقذف في قلوب أعدائهم الخوف في الوقت الذي ينزل سكينة على عباده المؤمنين ليمتلكوا القوة الإيمانية التي ترفع معنوياتهم وتزيدهم قوة في الثبات والصبر قال تعالى:{هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً} وهو الذي يتوعد أعداءهم بالتنكيل بهم على أيدي أوليائه قال تعالى{لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلاً}.
ولأنه لابد في مواجهة الظالمين والمعتدين من صبر وعطاء وتضحية وقوة نفسية فلا غنى عن القوة الإيمانية التي تخلق نفسية صلدة تتحمل كل المشاق والمعاناة وإلا فإن هذه النفس يعتريها الضعف والوهن وتنهار قواها ولا شيء يستطيع أن يقوي تلك النوعية من النفوس بمثل ما يقويها الإيمان الذي يقوم أودها ويصقل مواهبها حتى يصل بها إلى أعلى وأرقى مراحل القوة فلا يعود في مقدور أي قوة أخرى أن تؤثر عليها مهما عظمت وكبرت قال تعالى {وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} ولذا يقول السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي حفظه الله بأن سلاح الإيمان هو السلاح الذي لا يمتلكه الأعداء وهو السلاح الذي لا يقهر ولا يهزم.
وكثيرة هي الآيات القرآنية التي تشير إلى تلك القوة الإيمانية وأثرها في حياة الفرد والجماعة المؤمنة وما يترتب عليها من تحقق النصر للمؤمنين، بفضل ما لديهم من رصيد إيماني راسخ في النفوس، وصدق في التوكل على الله تعالى، وقوة يقينهم بمعية الله التي تحوطهم وتذود عنهم كيد العدو، وما وعدهم به من كرامات الشهادة والفوز برضوانه والنجاة من عذابه فحملهم ذلك على التضحية والفداء، والصبر على البلاء، وبذل النفس والنفيس فداءً لهذا الدين، وذوداً عن حياض المؤمنين، فتصدوا للباطل بحزم وثبات، وقوة وإرادة، فكتب الله لهم الظفر والتمكين، وانقلب العدو خاسئاً وذليلاً.
وقد قرن الله سبحانه وتعالى النصر بالإيمان وجعله شرط لتحقيق ذلك النصر في واقع الحياة قال تعالى:{إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ}وقال جل شأنه: {وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ}، وقال تبارك وتعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}وقال سبحانه {ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ}، ففي هذه الآيات الكريمة وغيرها تأكيد بأن النصر حليف الأنبياء والمرسلين وأتباعهم من المؤمنين، وما كان ذلك ليتحقق لهم لولا ما هم فيه من قوة الإيمان والتوكل على الله والثقة بنصره، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}
الإيمان القوي هو عدة النصر الحقيقية
لادين من دون إيمان ولا إيمان من دون تمحيص قال تعالى: { فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} فمع التمحيص تبرز قوة الإيمان الصحيح الذي يؤتي ثماره {فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} وقال جل شأنه: { قدْ كَانَ لَكُمْ آَيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ}
فالإيمان القوي الراسخ، هو القوة الحقيقية التي يعتمد عليها في تحقيق النتائج لصالح الحق وأهله حتى وإن تباينت القوتان وتباعدت بينهما أسباب المقاربة فسنة الله سبحانه وتعالى تقتضي بنصر الفئة المخلصة لله الصابرة في ميادين المواجهة لأعدائه وليس عليها إلا أن تطمئن إلى هذه الحقيقة؛ وتثق في ذلك الوعد؛ وتعد للأمر عدته التي في وسعها، وتصبر حتى يأذن الله بنصره، ولا تستعجل ولا تقنط إذا طال عليها الأمد وتستفيد من اليسر الذي يصاحب العسر في شحذ عزائمها وتقوية صلتها بالله وبرسله وبأعلام الهدى من أهل بيت رسوله محمد صلوات الله عليه وعليهم.
والعاقبة للمتقين
قال تعالى:{قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}، في هذه الآية الكريمة بيان أن الصبر مع الإيمان القوي الراسخ في القلوب هو طريق السيادة والتمكين في أرض الله، فالأرض ملك لله، ليست لأحد سواه، يهبها من يشاء من عباده المؤمنين المتقين، وما سلطان الكفار فيها إلا عرض زائل قال تعالى:{ لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ – مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} وفي نهاية الأمر لن تكون الغلبة والتمكين إلا للمؤمنين الصابرين الصادقين، فسنة الله، تجري وفق وعد الله للمجاهدين الصابرين من المؤمنين كلما ازدادوا قرباً من الله ارتقى إيمانهم ورسخ يقينهم وقويت شوكتهم وحققوا الهزيمة على أعدائهم.
فالحق يزهق الباطل
مهما امتلك الباطل من مظاهر القوة ومهما علت زمجرته واشتد توحشه إلا أنه يبقى ضعيفا بثغراته وهشاشته ويزهق في مقابل قوة الحق ومتانته بشرط أن يكون هناك من يجسد هذا الحق ويتحرك به وعندها {لَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} وبهذا ينتفي سلطان الباطل وتهتز صروحه وتكسر شوكته فكلما كان المرء قوياً في إيمانه كلما كان عزيزا في نفسيته يأبى الضيم ويأنف الذل ويكره الخضوع لغير الله، ويتنامى في نفسه الخوف من الله فيرى ما دونه ضعيفا مهما كانت قوته وهيبته وكل هذا في واقع الأمر نصر للدين وحسم للصراع، حيث يقف المسلم معتزاً بدينه واثقاً من نصر الله وتأييده للمؤمنين فينعكس ذلك إيجاباً لصالح المؤمنين، وكلما كان الإيمان قوياً كلما كانت الثقة بالنصر أكبر، وكان النصر حقيقة يراها الجميع وينعم بها الكل فمن غير الإيمان لاحق يعلو ولا صراع يكسب ولا عدل يتحقق ولا ظلم يزول ولا طاغوت يهزم من غير الإيمان القوي لا يمكن أن نملك قوة حقيقية فهو القوة التي لا تهزم ولن تهزم.
* نقلا عن : موقع أنصار الله