ونحن على أعتاب ذكرى روح الوعي، ونهر البصيرة، حسين العصر رضوان الله عليه، القائم بالقرآن أمةً اختزنتها ذاته، ورسالةً أصيلةً حملها في سبيل الله، على خطا النبيين، وورثتهم من آبائه وأجداده، عليهم السلام، فكان إلهي النظرة والوجهة، محمديَ الخلق والإنسانية، والأفق المستوعب للعالمين، اهتماماً بهم، وصبراً في طريق دعوتهم، وانفتاحاً على كل شؤونهم، وحرصاً على تربيتهم وتزكيتهم، وقرباً من جميع طبقاتهم، علويَ المسلك والفكر والمنطلق والمبدأ والهدف والغاية، حسينيَ الأسلوب والطريقة والموقف في مواجهة الطغاة والمستكبرين، علينا: الاستفادة من هذه الذكرى كمنتمين لهذا المشروع القرآني، وسائرين في درب الشهيد القائد، وحاملين أمام الله أمانة الحفاظ على نهجه، وقضيته، أمانةٌ عمدها بموقف استشهاده، وسقاها بطهر دمه، كي تظل حيةً قويةً خلاقةً متجددةً، قادرةً على التوسع والحركة، ناظرةً بعين الشمولية لكل قضايا الناس ومشاكلهم وظروفهم ونفسياتهم واحتياجاتهم، وطبيعة الأخطار التي تهدد وجودهم، ونوعية العوامل التي تشل حركتهم، وتعوق فكرهم، وتضاعف من متاعبهم، وتؤبد اندفاعهم نحو اللامبالاة، والسكون لحالة الشعور بالعجز عن فعل شيء بغية إصلاح حالهم، وتغيير نمط عيشهم.
ولن يستفيد من هذه الذكرى العظيمة إلا مَن لايزال على العهد باقياً، لا يسير في اتجاهٍ إلا واتخذ من النهج زاداً وسلاحاً ومركباً، ولا يقدم على إصدار حكم، أو إطلاق فكرة، أو اتخاذ موقف، إلا بعد أن يعي أن في ذلك لله رضا، ولا يقف في ميدان حمل المسؤولية إلا كجندي لله، فلا تخدعه الألقاب، ولا تطغيه المناصب، ولا تغير نفسيته الأموال، ولا تغره المكاسب، ولا تفسده مواطن التمكين، وحالات الانتقال من واقع الاستضعاف، إلى مواقع القوة والظهور، وامتلاك نواصي الأمر كله، حكماً ومكانةً ونفوذا وقدرةً وإمكاناتٍ.
نعم لن يستفيد منها إلا مَن امتلك المناعة الروحية من كل مرض، وحصل على الذخيرة الفكرية التي تعينه على فهم الأحداث، ومعرفة الواقع، ولم يقف به الأمر عند الترديد لما فهم، وتم له معرفته، بل صار ليتمثل النظرية في سوح التطبيق العملي، وعزم على تأكيد التوجيهات الربانية في مقام المشاهدة، بعد أن استوعبها في مقام الإحساس الذهني، وتفاعل معها كل جزء من وجدانه، كعقيدة انضبط بها داخله، وأقام عليها جوارحه، وجرت وفقها سلوكياته وأخلاقه، فكان المصداق لهذه الثقافة هو: ما يراه الناس، قبل أن يسمعوه، في كل ما يقدمه هذا المنتمي في نشاطه العملي، وحرصه على القيام بالمسؤولية، وطريقة تعامله مع الناس، ونوع علاقته بهم.
هذا النوع هو مَن ستزيده الذكرى حيوية ويقينا وقوة وعزما وكمالا، واندفاعا واستمرارية في ما هو عليه، وما يجب فعله، أما سواه فإن الذكرى تفضحهم، وتدينهم، وتكشف عوار نفوسهم، وتدفعنا للوقوف موقف الحذر منهم، والتصدي لهم.
* نقلا عن : لا ميديا