د.أسماء الشهاري
طباعة الصفحة طباعة الصفحة
RSS Feed تحقيقات وسرد وحوار ضدّ العدوان
RSS Feed
د.أسماء الشهاري
سلامٌ إلى قبلة التضحيات..
غزة بين الصهاينة والمتصهينيين
على طريق الأقصى
مجازر الصهيونية تؤكد هزيمتها المدوية
طوفان الأقصى. فجرُ الانتصار
عاش الأحرار.. ولُعِنَ الأفَّاكون
كما عاد الأسرى سيعود المسرى
شكراً أمريكا..!!
حيَّ على خير اليمن
عندما تتجزأُ الإنسانية

بحث

  
وأخيراً تم اللقاء
بقلم/ د.أسماء الشهاري
نشر منذ: 6 سنوات و 9 أشهر و 11 يوماً
الأحد 11 فبراير-شباط 2018 01:32 م



يُحكى أن هناك فتىً يانعاً تحدى طائرةً حربية حيث كان يقود دراجة نارية بسرعة جنونية ليس حرصاً منه على حياته بينما هي تطارده وتلقي عليه القذائف ولكن لكي يقوم بإيصال المؤنة إلى رفاقه المحاصرين، ها هو الفتى الصغير بعمره والكبير بشجاعته وإقدامه يطير من فوق الأحجار والصخور تارة ويسقط من فوقها ويتدحرج تارة ثانية وقد أصابه من الجراح ما أصابه، لكنه يعود إليها ويواصل طريقه غير آبهٍ بتلك الطائرة ولا بشيء أصابه ويصل بعناية الله وقوة عزيمته إلى غايته"..  
لم تكن هذه قصة خرافية عن بطل خارق في إحدى أفلام الأكشن التي تصرف عليها المليارات، لكنها إحدى القصص الواقعية لبطل خارق حقيقي لا يخشى الموت ولا يعرف المستحيل، هزم بقوة يقينه بالله وبشجاعته وشدة بأسه أعتى أنواع الطائرات وأكثرها تطورا والتي تصرف عليها المليارات ويقال أنها فخر الصناعات فجعل منها أضحوكة ومسخرة القرن العشرين عبر القارات!  

نعم هذا هو أحد أبطال قصتنا والذي لا ندري أكان ملاكا بأجنحة من هيبة يُحلِّق بها كيفما يشاء، أم أن الملائكة هي من كانت تحمله على أجنحتها بأمر الله فتوصله أينما يشاء!  
   لم تكن هذه القصة هي الوحيدة ولكنها واحدة من قصص أشبه بالمعجزات التي سطرها أبطال قصتنا الأخوين الشهيدين من أسرةٍ واحدة خليل وهيثم علي مقحط والتي ستظل أنموذج فريدا خالدا تتناقله الأجيال على مدى الأعوام عن كيف تُدرس الكرامة، ويُصنعُ المجد،ويُسطرُ النصر؟  
فهيا بنا نغوص إلى أعماق هذه القصة التي حوت في طياتها هذا الدُّر الثمين لنستلهم منها العبر التي ستظل منارة فخرٍ عبر السنين.  
 
*العودة من الموت : 

بعد صولاته وجولاته وتنكيله بالأعداء حصل ما لم يكن يتوقع في عدن أيام العيد تلك المرة والتي لا تزال عدن مسلوبة من قبل الأعداء والمحتلين إلى الآن،كان هيثم من المجاهدين الذين ثبتوا في أرض الميدان ولم يعودوا لقضاء العيد مع أهلهم، ووجد نفسه في عمارة مهجورة هو واثنين من زملائه وقد أحاط بهم الدواعش والمرتزقة من كل مكان!  
صمد الثلاثة الأبطال لمدة ثلاثة أيام بدون ماء ولا طعام حيث بلغ منهم الجوع والعطش مبلغه وكان أصغرهم الذي يبلغ خمسة عشر عاما يهم بتسليم نفسه إلى الأعداء لولا تصبيرهم إياه كما وجدوا كمية قليلة جدا من الماء فأعطوه إياها، انقضت الأيام الثلاثة وعلموا أنهم لن يستطيعوا التحمل أكثر من ذلك بدون طعام ولا شراب، وفي أثناء ذلك وجدوا بيت شيخ كبير في السن بالقرب من العمارة المهجورة ولم يجدوا بُدا من الالتجاء إلى منزله واستعطاف قلبه عليهم، ذهب الثلاثة إليه وقاموا بوضع أسلحتهم التي كانت قد نفدت منها الذخيرة بين يديه ، فقالوا له :يا عم نحن في وجهك لا يوجد معنا أحد ونكاد أن نهلك من الجوع والعطش، فما كان من ذلك الرجل العجوز إلا أن قام بطمأنتهم وقال لهم بكل ثقة :الله المستعان أنتم مثل أولادي وفي وجهي ونحن كلنا يمنيين وكلنا مسلمين، هونوا عليكم سأخرج الآن لإحضار طعام العشاء لكم،وفعلا جلب الرجل العشاء وبدأوا في تناول الطعام بنهم كبير لشدة الجوع وبينما هم منهمكين في تناول الطعام حصل ما لم يكن بالحسبان!  

حضرت مجموعة من الدواعش وهجمت عليهم وكان ذلك العجوز هو من قام بإحضارهم والتبليغ عنهم، فبدأوا بإطلاق النار لإرعابهم وضربهم وركضهم وشتمهم وقد تجمعوا عليهم تجمع الضباع ثم بدأوا بأخذهم معهم، كان هيثم يعلم علم اليقين بأن ذلك العجوز هو من بلغ عنهم، لكن وعلى الرغم من صغر سنة فقد تصرف بذكاء شديد وكأنه إلهام من الله وتأييد منه سبحانه، قال هيثم للعجوز :أعلم أنك لست من بلغت عنّا وأنهم علموا بوجودنا من تلقاء أنفسهم، يا عم نحن أولادك ونحن في وجهك وليس لنا أحد غيرك هنا.. نحن في جارك يا عم لا تتركنا..  

قد يقول البعض ماذا سيستفيد من توجيه هذا الكلام إلى رجل خائن منعدم الضمير، لكن كلمات هيثم وتوسله كان لها أثر السحر في نفس ذلك الرجل العجوز، ربما أنها هزته من الداخل أو تسببت له في شعور كبير بتأنيب الضمير مع هؤلاء الفتية الصغار خاصة وهو يعلم أي مصير ينتظرهم!  
تعرض الثلاثة للضرب والتعذيب والشتم والإهانة أثناء أخذهم إلى زنازين تحت الأرض فيها الكثير من الأسرى المجاهدين والتي لا سبيل إلى أن تزورها الشمس أبداً، لكنهم قد تفضلوا عليهم بإعطائهم كشافات لكي يتمكنوا من قراءة القرآن والملازم الداعشية لكي يقوموا بهدايتهم!  
كما أنهم لم ينسوا أن يحظروا شيوخهم إلى السجن لكي يقرأوا القرآن عليهم ويشفونهم من السحر الحوثي الذي وقع عليهم _من وجهة نظرهم طبعاً!  

ألوان وأنواع من البلاء والتعذيب والتمحيص الشديد تعرض له بطل قصتنا والذي تتصدع منه الجبال ويذوب منه الحديد بَيدَ أن هيثم كان قوي الإيمان والارتباط بالله، عظيم الهمة شامخ الهامة فما جزع لما أصابه في سبيل الله وما قل عزمه وما لان.  
بفضل الله ولطفه بهيثم ورفاقه فقد سخر لهم في قلب ذلك الرجل المسن والذي كانت له كلمة مسموعة عند الدواعش في ذلك الحين فربما كان أحد قياداتهم حيث دائما ما كان يزورهم إلى الزنزانة ويوصي رفاقه عليهم ويقول لهم :إلا هؤلاء لا تمسوهم بسوء، هؤلاء في وجهي وفي جواري..  
وعن طريق الرجل العجوز نفسه استطاع هيثم أن يتواصل مع أهله الذين كادوا يجنون وهم يبحثون عن جثته بين المفقودين في المستشفيات ولم يعرفوا مصيره!  

لكن وعلى الرغم من سماحهم لتواصل هيثم بأسرته إلا وأنهم لقبحهم فقد استغلوا ذلك في ابتزاز أهله وترويعهم وكان ذلك إحدى أساليب التعذيب الذي كانوا يتفننون فيه بشكل عجيب!  

تواصلوا مع شقيقه الأكبر، وفي مكالمة قالوا له :نحن أنصار الشريعة، ها هو هيثم يرتدي البدلة الحمراء وسوف نقوم بإعدامه الآن، يرد عليهم :أنتم تكذبون دعوني أسمع صوته، وإذا به هيثم فعلا فينهار الأخ ويبكي على مصاب أخيه، فما يكون من هيثم إلا طمأنة أخيه ويقول بكل يقين: هون عليك يا أخي لا تقلق، اطمئن والله أني سأخرج وسأعود إليكم، أرجوك تماسك ولا تبكي،  

يتحدث الأخ عن مشاعره بعد سماع تلك الكلمات بتلك القوة من أخيه الأسير_ شعرت حينها كأني أنا من كنت في الأسر رغم أني حُر طليق وأن هيثم كان يعرج في ملكوت العزة والحرية على الرغم من وقوعه في الأسر فكان هو من يواسيني ويثبتني وليس العكس!  
وها هي والدته أيضا عندما تحادثه يقوم بطمأنتها ويقول لها بكل ثقة أنه سيخرج ولن يصيبه مكروه، وهو من كان يقتحم الموت ولا تأخذه أي رهبة طالما وقد نذر نفسه في سبيل الله.  
كانوا يقولون لهم وهم في الأسر بأن صنعاء قد سقطت وأن الأمور كلها قد صارت بيد المرتزقة والغزاة، فيسبب ذلك ألماً وإحباطا شديدا للمجاهدين الواقعين في الأسر، فقال له أحدهم :هل نحن على الحق أم على الباطل؟ فيجيبه هيثم :هل يزيد على حق أم على باطل؟، المجاهد الأسير :على باطل، هيثم بكل ثقة وعزة ودون أن يشعر بذل ولا مهانة: إذن والله أننا على الحق وأن الجبهات لا تزال مفتوحة وأنهم لم يصلوا إلى صنعاء ولن يدخلوها.  
 
ليس هذا كل شيء، فقد تعرض هيثم ورفاقه لأهوال تذهل منها الولدان وتشيب فدعونا نكتشف ما خلف الكواليس ونتعمق في أسرار الأسر والتعذيب.  

إن تعامل هؤلاء المسخ مع الأسرى لا تدل إلا على أنهم وحوش ضارية ذات نزعات شيطانية قد انسلخت من إنسانيتها تماما وظلت تتدرج في الانحدار حتى وصلت إلى ما وصلت إليه من التلذذ بتعذيب الضحية بكل ما أمكنها وبما يجعل اللسان يقف عاجزا عن وصف مدى قبحها أو التعبير عنها وعن أفعالها الإجرامية!  
لم يكن من المسموح لهيثم وبقية المجاهدين الواقعين في الأسر الدخول إلى دورة المياه إلا مرة واحدة خلال اليوم وقد تم ربط أحد اليدين مع قدم واحدة ولا يدخل الرجل منهم إلا وفوق رأسه ثلاثة أو أربعة من الجبناء الحمقى يقومون بركله ويرفعون أسلحتهم فوق رأسه، الطعام كذلك كان مرة واحدة خلال اليوم وكان في أفضل حالاته عبارة عن رغيف جاف أو اثنين، ولم يكن هناك فرصة حتى ليهنئوا أثناء تناوله فقد كان الدواعش يضعون السكاكين على رقابهم ويقولون لهم سنقوم بذبحكم فور انتهائكم من الطعام ويطالبونهم بأن يتوبوا!  
وهذا ما حصل مع بطل قصتنا هيثم ذات مرة عندما كان يتناول الطعام قاموا بربط يديه إلى الخلف و وضعوا السكين على رقبته وأمسكوا بشعر رأسه وسحبوه إلى الخلف وأخبروه بأنهم سيذبحونه لأنه مجوسي رافضي،كان العرق يتصبب من كل شعره في جسد هيثم وقد شعر فعلا أنهم سيقومون بذبحه ولم يشك في ذلك، وبينما هو ينتظر الموت قاموا بركضه وقالوا سينظرون في أمره بعد انتهاءه من الطعام الذي لم يقدر أن يتناول شيء منه بعد ذلك بطبيعة الحال. 
 
كم كان صعبا ومؤلما إلى حد الفجيعة ما رآه وما لاقاه الشهيد العظيم هيثم علي مقحط خلال الأسر فهاهو أحد رفاقه الذين كانوا معه عندما تم القبض عليهم قد تم ذبحه وهو من لم يتجاوز الخامسة عشر من عمره على الرغم من أنه كان من الذين شفع لهم ذلك العجوز إلا أن ذنبه كان لا يغتفر بنظر أولئك القتلة المتعطشون للدماء حيث كان يرفع صوته بشعار الحق وعلى الرغم من أن رفاقه حاولوا منعه إلا أنه كان شجاعا جدا وكان رغم صغر سنة أكبر من كل أولئك الحمقى المجرمين حيث قال لرفاقه :ماذا بكم هي نصف ساعة فقط وأكون بعدها بين يدي الإمام علي عليه السلام، 
وهكذا تم ذبحه وإلقاء رأسه الشامخ العظيم إلى بين يدي أصحابه، فما أصعبه من موقف تعجز كل تعابير الدنيا عن بلوغ مدى بشاعته و وحشية مرتكبيه.  

لم تكن هذه عملية الذبح الوحيدة بل كان هناك ما يفوقها إجراما و وحشية حيث في كل يوم يتم إخراج الأسرى إلى الحوش والعد حتى رقم معين ومن يقف الرقم عنده يتم ذبحه وجز رأسه أمام أعين بقية الأسرى ثم يتم رمي رأسه إليهم في واقعة تتشقق منها السماء ، ففي كل يوم ينتظر أسيرا ذات المصير بينما مصاصو الدماء يتلذذون بذلك التعذيب النفسي الرهيب الذي تخرُّ الجبال منه مغشياً عليها ويتفاخرون بالقتل والرقص على الأشلاء!  
ستة وثلاثون أسيرا من أبناء الجيش واللجان الشعبية تم ذبحهم ورمي رؤوسهم أمام ناظري هيثم ورفيقه، فأيُّ قلب يتحمل ما تحملت يابطلنا العظيم!  

كما كانت هناك طقوس معينة يمارسها أولئك المسخ الشياطين قبل إعدام ضحاياهم، حيث كانوا يلبسونهم ملابس الإعدام لمرات عديدة قبل أن يقع الاختيار عليهم في نهاية الأمر ويقومون بمحاكمتهم على الرغم من أن الحكم النهائي في نهاية المطاف واحد وهو "الذبح"!  
لم يكن الجميع يخضع للمحاكمات فمن يثبت بأنه عسكري لا محاكمة له، حيث تم أخذ العساكر إلى حضرموت وإعدامهم هناك.  

أما هيثم فكان من ضمن الذين ارتدوا بدلة الموت مرات ومرات وتمت محاكمته، وكانوا يلصقون أبشع التهم به كونه من الحوثيين الرافضة المجوس، فكان يرد عليهم بأنها تهم باطلة، فيقولون له أنت لا تزال صغيرا ومن الأتباع ولا تعرف حقيقة هؤلاء وحقيقة ما يقومون به،  
هيثم الذي كان له أسلوب وطريقة تأسر قلوب حتى أعداءه، والذي كان يجيبهم بكل صدق على كل أسئلتهم دون أن يبالي ولم يتردد أو يخاف هنيهةً واحدة، فما زادوا به إلا انبهارا لرباطة جأشه وإبائه، فما يكون ردهم إلا أن يقولوا له :أنت فتى طيب يا هيثم لا نعرف كيف تورطت مع هؤلاء، ويعتقدون أنه مغرر به وأنهم قد سحروه!  
 
ها هم يربطون يديه إلى الخلف ويلبسونه ملابس الإعدام هو ورفيق جهاده وزنزانته مرة أخرى ويقودونهم إلى زنزانة منفردة، وبينما هم ينتظرون الموت يتفاجئون أنهم يقوموا بإعطائهم ثلاث وجبات بدلا من وجبة واحدة وبدلا من الخبز اليابس الذي استمر لمدة سبعة أشهر ونيف فإن اللحم هو وجبة الطعام ثلاث مرات في اليوم ولمدة أسبوعين!  
سأله صديقه :لماذا يطعمونا اللحم، ما الذي تعتقد أنهم سيفعلونه بنا؟ فيرد عليه :لا أعلم يا صديقي ربما يريدون أن نتغذى لنكون عوضا عن أضحية العيد، ليس بأيدينا شيء دعنا نأكل وحسب عوضاً عن أشهر الحرمان.  
 
تم نقل هيثم ورفيقه إلى البيضاء، وكان يُسمح لهم بمكالمة أهلهم الذين لم يتورع أولئك المجرمين للحظة عن ابتزازهم وإخافتهم، وفي كل مرة ما يكون من هيثم إلا طمأنة أهله وتثبيتهم وإخباره إياهم أنه سيعود إليهم دون شك ويقوم بالمزاح معهم أيضاً قائلا لوالدته "لا تخافي يا أمي والله أني أستطيع التأثير عليهم كلهم مثل ما فعلت مع الرجل العجوز هههههه "  
بعد ذلك تمت مبادلة هيثم وصاحبه هناك مع أسرى من بيت الحميقاني في البيضاء.  
 
 
*فرحة اللقاء وصدمة الموقف : 

وصل هيثم إلى بيته وأسرته أخيراً بعد معاناة وفراق وترقبٍ طويل والشوق يكاد أن يُردي بهم، وحال وصوله استقبله أخوته بإطلاق الرصاص وأخواته وأمه بالبهجة والزغاريد، رأى هيثم كل تلك اللهفة عليه فكانت ردة فعله صادمة جداً لهم وهو ما لم يقدروا تقبله بل كان جارحا وصادما لهم، فأول ما وقعت عينه عليهم، قال :لا تفرحوا كثيراً والله أني راجع بعد أسبوع!  
علت الدهشة وجوه الجميع وهم يتساءلون لماذا يقول ويفعل ذلك؟  
قالت له والدته :حسنا تعال إلى حضني بالأول.  
فرد عليها :يا أمي دعيني أُنكل بأعداء الله.  

لم يكن أهل هيثم قد عرفوا بعد حقيقة ما لاقاه في الأسر وأن له ثأرا مع السفاحين الذين كانوا يقطعون رؤوس رفاقه أمام ناظريه، وأنه يريد أن ينتقم لهم خاصة صديقه المجاهد الصغير ذو الخمسة عشر عاما.  
 

*الشوق يقتلني فلا تحرميني يا أمي : 

مر أسبوع على عودة هيثم من الأسر وكانت المفاجئة!  
تفاجأ الجميع أن هيثم كان جادا في كلامه وأنه قد عزم أمره على الالتحاق بجبهة مأرب هذه المرة، لكن والدته كانت رافضة للأمر بشكل تام، فما كان منها إلا أن تواصلت بخال هيثم وعمه ليكونوا معها ويساعدوها في منع هيثم من الذهاب، بالمناسبة هيثم لم يكن حبيب قلب والدته فحسب بل إن هذا هو إجماع جميع أفراد الأسرة فقد كان مميزا جدا وقد تعلقوا به أيّما تعلق فقد كان مرحا ولطيفا وخفيف الظل حتى في دعاباته وشقاوته التي كانت تسعدهم كثيراً ولم يكونوا يتضايقوا منها أبدا بل على العكس، لقد كان يمثل مصدر جمال وسعادة لا توصف لجميع أفراد أسرته.  
وبالعودة إلى حديثنا فقد قامت والدة هيثم بوضع بزته العسكرية في حجرها بغرض أن تخبئها وتمنعه من الذهاب، وكانت تقول للحاضرين عندها ومن بينهم والده وعمه وخاله وأخوته: امسكوا ابني وامنعوه من الذهاب أرجوكم، لا تدعوه يذهب، ويقول لها هيثم بأسلوبه المازح الذي يعرفه الجميع :هل تعتقدي إن أخذتي البدلة العسكرية أنكِ ستمنعينني من الذهاب، أستطيع الذهاب بدونها،  
ويرد عليه الجميع بمن فيهم والده :لن تذهب بدون رضا أمك يا هيثم.  

وعلى الرغم من الإصرار الشديد من والدة هيثم لمنعه فقد كان هيثم أشد رغبةً وإصرارا على الذهاب ما جعل جميع الحاضرين ينظرون بدهشة إلى تصميمه ويترقبون ما ستؤول إليه الأمور.  

كانت أم هيثم تقول :ابني مجاهد في مأرب (وهو خليل البطل) ، والثاني جريح (وهو قحطان أصغر من هيثم) والثالث رجع للتو من الأسر ولم أشبع منه بعد.  
وسنأتي للحديث عن خليل وقحطان بعد أن نعرف هل نجح هيثم في إقناع والدته أم لا؟  
كان رفاق هيثم المجاهدين ينتظرونه لكي ينطلق معهم إلى جبهة مأرب، وكان هيثم يخشى أن يقوموا بتركه لتأخره عن اللحاق بهم فكان يتواصل معهم ويتوسل إليهم أن ينتظروه ولا يذهبوا بدونه.  

تواصل عم هيثم مع أحد العلماء وأخبره بأمر هيثم وحال الأم مع أولادها، فكان رده ألا يذهب هيثم إلا بإذن والدته، فقال عمه :سمعت يا هيثم ماذا قال العلامة؟  
كان الجميع ينظرون لمحاولات هيثم مع أمه وعلى الرغم من عدم رضاهم لأنه لم يرجع من الأسر إلا من اسبوع فقط إلا أنهم لم يكونوا يمتلكون شيئا أمام رغبة هيثم وتصميمه.  
لم ييأس هيثم رغم كل شيء فقد كان شوقه إلى الجبهات يفوق قمم الجبال الشاهقة،  

انتظر هيثم حتى حان وقت صلاة المغرب وقام الجميع للصلاة فلم يُصلِ معهم ولحق والدته إلى غرفتها فقام بإخراج أخته وأغلق باب الغرفة، ودار بينهما الحوار التالي : 
هيثم :لماذا تريدين منعي يا أمي؟  
الأم :أخاف عليك.  
هيثم: انظري يا أمي إلى هذا وهذا وانظري هنا وهنا (بدأ هيثم يري والدته علامات وآثار الجراح التي على جسده والتي لم يكن قد أراها إياها من قبل، منها ما هو في رقبته حيث كان الدواعش يجرحونه بالسكين أثناء تهديده بالذبح، ومنها ما هو في كتفه وساقة، وهي جراح كانت تصيبه أثناء توصيله للمؤنة بالدراجة النارية أو الطقم.  
ثم قال لها :هل خفتي الآن يا أمي؟  
لقد حفظني الله عندما كنت بين أيدي الدواعش وعندما كنت أتقلب وأنا على متن الدراجة النارية أو الطقم وتصيبني الشظايا لقد حفظني الله من كل ذلك، يا أمي هل تستطيعين أن تمنعيني من الموت قد أشترغ بالريق أو تصيبني رصاصة طائشة هل تستطيعي أن تمنعيني من الموت؟ هل تستطيعي أن تحفظيني؟  
الأم: لا  
هيثم: إذن أرضي عني يا أمي،اسمحي لي أن أذهب، لا أريد أن أذهب إلا برضاك إذا لم تسمحي لي لن يأتي عليَّ الصباح إلا وقد أصبت بالجنون أو مِت من القهر.  
هيثم يبكي ويستمر بالقول لوالدته :لا تحرميني يا أمي، الله غرس فيني حب الجهاد "هنا، ويشير إلى قلبه.  
أرضي عني يا أمي.. أرضي عني، ثم أخذ قدميها وأخذ يقبلها في قاعها..  
الأم وهي تبكي :هيثم.. كم أتمنى والله وأني لم أنجبك.  
هيثم :وأنا أتمنى وأنَّ الله لم يخلقني ولا قذف حب الجهاد في قلبي.  
 
قامت الأم بضم ولدها وتقبيله، ثم قالت :استودعتك يا رب، من يدي إلى يديك يا أرحم الراحمين ومسحت على جسده وهي تقول ودعتك الله.  
أخذ هيثم حقيبته وغادر المنزل مثل البرق ونسي بدلته عند والدته حيث لم تكن غايته بل كان غايته رضاها عنه وذهب إلى رفاقه الذين ينتظرونه لكي ينطلقوا جميعا إلى جبهات العزة والكرامة.  
 
دخلت الأم على من في الغرفة وهم ينظرون إليها ويبتسمون ويقولون في أنفسهم "أستطاع أن يؤثر عليها مثل ما فعل على الرجل العجوز"..  
يالها من أم عظيمة قدمت ثلاثة من أبناءها في سبيل الله اثنين في جبهة مأرب وهم هيثم وخليل، وقحطان كان أصغر من هيثم والذي كاد أن يُجن عندما كان أخوه في الأسر، ولم يطق صبرا حتى انتهت امتحانات الثانوية العامة وقد كان ذكيا جدا وحصل على معدل 92%، حتى انطلق بعدها إلى الجبهة لكنه أصيب بكسر في الحوض، وعندما التحق بدورة تدريبية فيما بعد، أخبروه بعدم مقدرته على الالتحاق بالجبهات ثانية بسبب إصابته لكن ذلك لم يمنعه من أن يلتحق بالأمنيات داخل صنعاء، فسلام على أم عظيمة أنجبت هؤلاء العظماء.  
 
*الجبهة ولا غير الجبهة تليق بي: 

بينما هيثم في جبهة مأرب ينكل بأعداء الله، اتصل لأهله ذات يوم لكي يشاهدوه في قناة المسيرة، وبينما هم بالانتظار إذا بهيثم في الصفوف الأمامية والرصاص من كل جانب، تسمّر الجميع، وإذا بوالدة هيثم تقول :يا إلهي انظروا هيثم في مقدمة الصفوف ويقوم بالتقدم بشجاعة منقطعة النظير، يا رب احفظه ورفاقه..  
لم تكن أسرة هيثم هي الوحيدة التي شاهدت المقطع، فعندما شاهده بعض قيادات المجاهدين، قالوا :انظروا هذا هيثم، من سمح له بالذهاب ونحن نجهز له عمل مهم في صنعاء ولا يوجد أفضل من هيثم نثق في أمانته وإخلاصه عاد هيثم إلى صنعاء بطلبهم وروحه لا تزال تحلق فوق الجبهة وقلبه لا يزال يخفق فيها..  
وكعادته يمازح والدته فور وصوله وهو يعلم أنها بالكاد رضيت له بالذهاب إلى مكان عشقه الأزلي :لم أترك الجبهة إلا لأنهم استدعوني وقالوا أن معي هنا عمل أهم،  
ترد عليه والدته :المهم أنك وصلت، تعال إلى بين أحضاني، أهلا بك يا ولدي الغالي..  
 
استمر هيثم في عمله بصنعاء لبضعة أشهر، وعلى الرغم من أنه عمل مهم وكبير إلا أن من عشقت روحه التحليق في البريّة والتنكيل بأعداء الله في ساحات العزة والبطولة لم يكن ليرضى ببقائه بعيداً عنها، وفي كل يوم يمر تزداد لهفته وشوقه إلى الجبهات أكثر فأكثر.  

كان الشهيد أبو ذو الفقار المشرف على القسم الداخلي في إحدى السجون، وكان مثل السهم فقد كان ثقافي بامتياز وخطيب بامتياز وأمني بامتياز، كان في قمة التواضع والطيبة والأخلاق مع زملائه وكان يقوم بإيقاظهم لتطبيق برنامج رجال الله، ويقول لهم :الذي لن يطبق البرنامج، لن يشارك في القتال في الجبهات.  
كان الوحيد الذي يخزن القات ويجلس مع المسجونين، وكان يخطب فيهم ويأمهم للصلاة ويعاملهم معاملة أخ لأخوته وكان حريص جدا أن يوصل هدي الله إليهم، وكان يتابع قضية كل سجين، ويقول أنه سيقوم مع المظلوم بكل ما يستطيع.  

قام مرة باستجواب المسجونين كل على حدة، ولم يكن يدري أو يخطر في باله إلى ماذا سيتوصل؟ وإذا به يتمكن من الكشف عن خلية إرهابية و وكر إرهابي كبير دون أن يكون عنده أدنى فكرة عن ذلك من قبل، بعد الاعترافات ذهب غير موقن بما حصل عليه منهم فإذا به يتفاجأ بأنها حقيقة، وإذا به يعثر مع أجهزة الأمن على كمية هائلة من الذخيرة والمتفجرات والأسلحة والأموال السعودية والإماراتية والتي ذكرته بحال الكثير من المرتزقة في جبهات المواجهة الذين كان يُقتلون على أيدي رجال الله أولو البأس الشديد وأموال الخيانة لله ولدينه ولشعبهم و وطنهم في جيوبهم لم يستفيدوا منها بشيء خسروا الدنيا والآخرة.  
 
لم يلبث هيثم في صنعاء سوى بضعة أشهر وعلى الرغم من عظمة العمل الذي كان يقوم به، قال لهم :ما هذا العمل؟ أنا لا أريد هذا العمل، أنا عملي ومكاني في الجبهات ولا أقدر أن أبتعد عنها أكثر من ذلك.  
وفعلا حزم الشهيد أبو ذو الفقار أمره وأمتعته عائدا إلى ميادين الوغى وساحات البطولة والفداء.  
 
 
*الشهيد خليل مقحط "عظمة الرجولة ومواقف البطولة" : 

الشهيد البطل الخالد خليل علي مقحط هو أحد أخوة الشهيد هيثم الذين كانوا يكبرونه في السن، وهو أحد أفراد تلك الأسرة المجاهدة العظيمة.  
ما أكثر المواقف والقصص التي تحكي عن عظمة هذا الرجل وعظمة ما يحمل من قيّم وأخلاق ومبادئ منقطعة النظير، لكننا لن نستطيع أن نقف عليها فهي تحتاج إلى مجلدات بمفردها، فالشهداء هم من أصبحت الدنيا تستنكر بقاءهم فيها ولم يعودوا يشبهون أهلها وقد بلغوا أعلى درجات الارتقاء.  

كان خليل كما عرفه أهله وأهل الحي الذي يقطن فيه وكل من عرفه أو اختلط به رجلا هادئا جداً تعلوه الهيبة والوقار شديد الحياء فلا يرفع نظره في وجه امرأة تمر من أمامه، طيب القلب جداً وبشكل لا يمكن تصديقه حتى كان الكثيرون يقولون أنه جاء من كوكب آخر غير الكوكب الذي نعيش فيه، كان يحب أن يخدم الناس ويساعدهم بكل ما أمكنه فقد كان شديد الشهامة والكرم، يغيث الملهوف، يساعد المظلوم ويعطي المحروم، فإن حصل على مال فإنه لا يكاد يبقى معه منه شيء لأنه يقوم بإنفاقه كله على أهل بيته وعلى المحتاجين ممن يعرفهم خاصة، كان يحب الإصلاح بين الناس ولو بذل في سبيل ذلك كل ما أمكنه من جهد ومال و وقت، وكم كان يشعر بالسعادة والارتياح لذلك، لم يكن الشهيد خليل يشق على أهله في شيء أو يشعرهم بوجوده فقد كان يخدم نفسه بنفسه في كل شيء، فإن جاع توجه إلى المطبخ وجهز لنفسه الطعام أو توجه للخارج واشترى طعاما له وللجميع، شديد الكرم مع أمه وأخواته وكل من يعرفه هذه هي بعض مناقب الشهيد المقدام أبيض القلب خليل مقحط.  
 
خليل والذي كان قد رأى في منامه بأن الإمام علي عليه السلام أعطاه سيفه ودرعه ثم امتطى ظهر حصان أبيض وكان يجري به في ساحة المعركة والخضرة عن يمينه وعن شماله وهو يصرخ ويرفع سيفه فوق الأعداء، لقد كانت رؤيا صالحة من رجل صالح والذي لم يفرط في هذا السيف وفي هذه الرؤيا المباركة بل قاتل واستبسل في سبيل الله والوطن والمستضعفين حتى لقي الله شهيدا مجيدا خالدا مع الخالدين.  

وأما عن قصة استشهاده فقد كان خليل من المجاهدين الذين قاتلوا في عدن ضد الدواعش قبل أن يتم احتلالها ثم رجع في ثالث أيام العيد بعد إصرار شديد من أهله، فحصل ما حصل من نكبة في عدن وما حصل أيضا لمجاهدي الجيش واللجان الشعبية الذين كانوا لا يزالون هناك ومن بينهم أخوه هيثم وهو أحد الذين وقعوا في الأسر تلك الأيام.  
لكن الشهيد البطل خليل لم يلبث طويلا بعد عودته حتى ذهب إلى صعدة ومن بعدها إلى مأرب حيث رابط فيها واستشهد فيها وفاضت روحه الطاهرة إلى بارئها وارتوت ترابها من دماءه المقدسة فمُحال أن تقبل بعد ذلك بالخونة أو ترضى بالاحتلال.  

قبل أن يغادر خليل أخبر أخته بذلك، وقال لها ألا تخبر أحدا عن أمر ذهابه إلى ساحات النزال إلا بعد رحيله حتى لا يمنعه أحد من أهله أو يعرقله عن واجبه في الجهاد.  
وفور مغادرته شعرت والدته بذلك وقالت لابنتها لقد توجه خليل إلى الجبهة، صحيح؟  
فردت عليها ابنتها :نعم، لكنه طلب مني ألا أخبر أحد حتى يذهب.  

وهنا تذكر بعض مواقفه وكلماته :لقد بعت نفسي من الله يا أمي، فبيعيني منه كما بعت يا أمي وتذكر أنشودته المحببة :أنا زيدي أحب علي.. وغيرها من المواقف.  
عندما كان يتواصل مع أهله و والدته وتطلب منه أن يأتي لزيارتها، يرد عليها :يا أمي أنا مرتاح جدا، لو أنكِ ترين أي حياة أنا فيها، نحن هنا في جهاد وروحانية لا يمكن وصفها، هنا يا أمي تلاوة القرآن والتسبيح والاستغفار في أجواء خيالية، سامحيني يا أمي لا أستطيع أن أترك ما أنا فيه من الراحة والسعادة ، دعواتك لي ورضاك علي، وفي اتصال آخر بينهما قال لها :لا أستطيع المجيء يا أمي وأن أترك هنا، إما النصر أو الشهادة.  
بعد التحاق خليل بجبهة مأرب لم يغادرها إلا إلى جوار

الله، فقد كان يخاف أن يمنعه أهله من العودة أو أن يعرقلوه عن الجهاد والشهادة والالتحاق بالرفيق الأعلى.  
 
يذكر رفاق خليل المجاهدين آخر أيامه في الجبهة قبل أن يستشهد، فيقولون _كان خليل في حالة قرب عجيبة من الله فكان يخلوا بنفسه دائما مع كتاب الله الكريم يتلوه ويبكي وكان من يأمُنا في الصلاة ويبكي أثناء ذلك، لقد تأكدنا من أنه أصبح أقرب إلى أهل السماء، أبعد عن أهل الأرض.  
أما عن اللحظات الأخيرة لخليل البطل فقد كانت في أرض المعركة حيث تقدم هو واثنين من رفاقه أحدهما من صعدة والآخر من بني حشيش في إحدى المواقع فاكتشفوا أنهم في كمين حيث أحاط بهم المرتزقة، فلم يجدوا بُداً من المواجهة، أصيب خليل في فخذه فربط على جرحه بالشال، وكان المجاهدون يدعونهم من المؤخرة "ارجع يا خليل أنت مصاب، ويكررون ذلك"  

فكان جواب خليل :"لا يمكنني الرجوع إما النصر أو الشهادة"  
قاتل خليل ورفيقيه بكل استبسال وبطولة، حيث أصيب برصاصة قطعت يده، ولأنه كان في مواجهة مباشرة مع الأعداء فقد أصيب أيضا برصاصة ثالثة متفجرة تحت عينه فارتقى مع رفيقيه شهداء عظماء، وكانت بطولتهم ودماءهم سببا في الفتح وفي تقدم المجاهدين وسيطرتهم على تلك المنطقة التي كانت في حريب القراميش فسلامٌ سلام.  
 
وصل نبأ استشهاد خليل إلى أسرته المجاهدة الصابرة، كان وقع الخبر على مسامعهم ليس كما هو الحال عليه بالنسبة لبطل قصتنا الثاني "هيثم"، توجه هيثم إلى والدته وهو يقول لها :زغردي يا أم البطل، مبارك عليك يا أم الشهيد، يا أم البطل، ارفعي رأسك عاليا يا أمي وافتخري فأنتِ الآن أم الشهيد البطل خليل.  
وسط الفرحة والألم من أسرة الشهيد، كانت فرحة هيثم باستشهاد أخيه لا توصف مما أثار الاستغراب عند البعض، قام هيثم بالاتصال لكل أصدقاء خليل يزف إليهم نبأ استشهاد أخيه الذي كان يحلم هو به، لكن فاز بها أخيه، حتى أن أحد أصدقائه قال لأحد أخوته: لم أرَ هيثم أشد فرحة وسعادة من اليوم.  

وعندما كانت علامات الحزن والألم بادية على وجه أخيه قال له: والله إن إيمانك ضعيف، هل تعرف ما معنى الشهادة؟ هل تعرف ما معنى أن رسول الله والإمام علي يستقبلونك؟ هل تعرف ما معنى ضيافة الله؟  
كم أتمنى لوكنت أنا مكانه، لكن إما أن الباري لم يتقبلني بعد ويصطفيني أو أنه لا يزال لي دور أن أنكل بأعداء الله، فقال له أخوة :أنت ليس معك قلب، قال :أنت قوي إيمانك و والله أنك بعدها سوف ترى ما أرى.  
 
كان هيثم فرحا مستبشرا لأجل أخيه لكنه كان يبكي بشدة وهو يقول : لماذا لم أفز أنا بها؟ هي من المفترض أنها كانت لي، أنا أبحث عنها منذ فترة طويلة، أُسرت في عدن وقاتلت في مأرب، ولكني لم أحصل عليها، لماذا هل أن الله لم يرض َ عني ويتقبلني بعد!  
ويقول: هنيئا لخليل لقد كان خفيفا فاختاره الله واصطفاه بسرعه وليس مثلي أنا.  
 
شاع خبر استشهاد خليل حتى وصل إلى المعارضين للجيش واللجان الشعبية الذين يخوضون معركتهم المقدسة صونا للأرض والعرض والكرامة من أهل المنطقة من قاصري الوعي والإيمان، وكان الجميع يعرفون خليلا رمزا للقيم والمبادئ ومكارم الأخلاق، فأقبلوا يلومون أهله : لم تضحوا إلا بخليل أطيب واحد ومنهم من بكى عليه بكاء شديدا لأنهم يعرفونه حتى وإن كانوا يتعارضون معه في فكره وتوجهه، بل إن منهم من قام بتعليق صورة كبيرة له على جدار بيته رغم التباين الكبير في الفكر بينه وبين الشهيد المجيد.  
 
 
*عالمي لا يشبه عالمكم: 

تمر الأيام ويزداد شوق أبو ذوالفقار إلى الشهادة في كل يوم أكثر من سابقه، ربما أن رؤيته للشهداء تزيد من نار هذا الشوق فها هو خليل اليوم والكثير من أصدقاءه ورفاق دربه بالأمس، كما أن أحدهم لم يفارق مخيلته وهو الشهيد الذي التفت إلى هيثم ورفاقه قبل استشهاده بلحظات وهم في إحدى جبهات الفداء فملأ يده من دمه والتفت إليهم باسما يرمي بالدم نحوهم وهو يقول :فزت بها ورب الكعبة.  

لم يكن حب هيثم للجهاد والشهادة حادثا أو عرضيا بل كان يملأ قلبه وروحه ومخيلته منذ طفولته ونعومة أظافره، وهو من كان قد رأى رؤيا عظيمة مباركة وهو لا يزال طفلا في المرحلة الابتدائية وتحديدا في الصف الخامس، عندما رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في منامه قام باحتضانه ثم أمسك بيده وأعطاه سيفا، وقال له :هذا طريقك إلى الجنة يا هيثم.  

فما أعظمها من بشرى وبشارة ورفعة ومكانة، فكيف لنا أن نعتب على هيثم أن تعلق رؤيا بهذه العظمة فيها سيد الخلق صلى الله عليه وآله وسلم بذهنه، أو أن نلومه على تعلقه بالجهاد والشهادة بهذا الشكل الذي لا يُضاهى.  

أما هذه المرة فإن جبهة #يختل_المخا، قد كانت مقصد بطلنا ووجهته التي يمم وجهه إليها، وقد كان عمله الجهادي فيها عظيماً جداً كما كان في غيرها من الميادين والجبهات حيث كان مشرف الجهوزية لأربع محافظات ، وقد كان هذا العمل العظيم الكبير يدل على عظمة بطل قصتنا الشهيد الخالد أبو ذوالفقار.  
 
انطلق الشهيد هيثم مجدداً في ساحات البطولة بإيمانٍ قوي وعزيمة فولاذية وتوقٍ أشد للفوز بمعشوقته التي كان يشعر أن رحلته في البحث عنها قد طالت كثيرا وأنه لم يعد يطيق البقاء بعيداً عنها أكثر من ذلك.  

أخبر هيثم والدته بأنه ذاهب في دورات تدريبية حتى لا تقلق عليه، وكان ينكل بأعداء الله كما وعد أرواح رفاقه الشهداء الذين قضوا ذبحا في عدن وغيرهم من الشهداء ، كان يثأر لدين الله والضعفاء، والمقتولين ظلما ودماء الأبرياء فكم صال وجال وكم صَلّت على بطولاته ملائكة السماء.  
 
كان هيثم يقوم ببعض الزيارات القليلة والمتقطعة إلى أسرته، لكنه لم يعد يطيق البقاء عندهم فبالكاد يجلس عندهم يومين أو ثلاثة ثم يعود راجعا إلى قِبلة عشقه الأبدي ومحرابه المقدس وبيته الأوسع وهو ثرى الوطن الطاهر مدافعا عن حياضه ومستبسلا في الذود عنه.  

ذات مرة قدم هيثم لزيارة أهله في رمضان، فقال لهم :مالكم كيف تقضون رمضان؟ أين القرآن، أين التسبيح والاستغفار؟  
لبث يومين ولم يطق أن يظل أكثر، وقال لهم :حياتكم هذه لم تعجبني ولم تناسبني ولا أستطيع أن أبقى فيها أكثر من ذلك،  
عاد هيثم مسرعا والشوق يسبقه إلى السائحين الذاكرين الساجدين الراكعين المرابطين والمستغفرين بالأسحار يواصل معهم مشواره المقدس في صيانة الأرض والعرض والديار.  
 
منذ بداية العدوان لم يحضر هيثم العيد ولا لمرة مع أهله، مرة تواصلوا معه ليخبروه أنهم اشتروا له ملابس جديدة للعيد آملين في أن يحضر بينهم، أظهر هيثم في البداية أنه سعيد بذلك ثم ما لبث أن قال لهم :من طلب منكم أن تشتروا لي، أنا لا أتذكر أني طلبت ذلك من أحد!  

إن من باع نفسه من الله وباع الدنيا بزخرفها الكاذب لم يعد ليلتفت إلى مثل هذه الأمور، فكثيراً ما كان هيثم يطلب من والدته أن تبيعه من الله كما باع هو نفسه منه سبحانه ويقول لها :أنا بعت يا أمي بيعي، وربما كان ذلك أيضاً من باب التهيئة النفسية لوالدته وأسرته لكي يتقبلوا خبر استشهاده الذي كم كان يتمنى أن يكون قريبا..  
ذات مرة دخل هيثم على والدته وهي تبكي فراق أخيه الشهيد البطل خليل، فقال لها: هل تبكي على خليل يا أمي؟  

والله إنه مع الإمام علي عليه السلام ومع لطف القحوم، خليل يكتب القصائد ولطف يقوم بإنشادها _حيث كان خليل يقوم بكتابة القصائد، ثم يقول لها :أماه هيا قومي نرقص البرع ويجعلها تقوم وهو ينشد :بعنا من الله جماجمنا ويبترع ولم يتركها حتى ضحكت.  
 
في زيارته أثناء عرس أخيه، كان أهله منهمكين بأمر العرس، هذا يقول أنا اشتريت، والآخر يقول أنا حضرّت، كان هيثم ينظر إليهم وهو مستغرب اهتمامهم بهذه الأمور، وهو من كان قد ارتقت روحه كثيراً في سلم العشق والمعرفة الإلهية، الجميع كان يعرفون ما وراء نظرات هيثم ويدركون أنه لم يعد له أي اهتمام بمثل هذه الأشياء، ولا حاجة له في الدنيا وأنه لا يزال ينتظر اصطفاء الله له على أحر من الجمر.  

لكن أهله كانوا يعرفون ما يحب، فاشتروا له ثوبا وشالا يشبه ذلك الذي كان يرتديه السيد عبدالملك الحوثي حفظه الله، فتهللت أساريره لذلك، وهو من كان يحب السيد عبدالملك الحوثي حبا جما لا يمكن وصفه ويقول دائما وهو يضرب على عنقه أنها تفدي قائد المسيرة العظيم، وكم تألم وتقطع قلبه حزنا بعد أن رأى السيد قد نحل جسده وهو يرجع ذلك إلى هموم السيد الكبيرة التي هي بحجم الدين والأمة والمسئولية العظيمة التي يستشعرها تجاه وطنه وأمته فكان يقول لأهله : فماذا قدمنا نحن؟  

كالعادة لم يعجب هيثم البقاء بعيدا عن الجبهة وهو يقول لأخيه :لا أحب حياتكم ولا أرتاح فيها، فطلب منه أن يبقى يوما إضافيا لكي يحضر العرس.  
عاد هيثم من الجبهة أشعثا أغبرا قد كبر شعره وطالت لحيته وتقطع حذاءه فلم يبقَ منه إلا ربع حذاء، وتشققت يداه، وكانت والدته تنظر إليه وهي تكاد أن تبكي وتقول :ماذا أصابك يا حبيب قلبي، يخبرهم هيثم أنهم هناك لا يجدون الماء لكي يغتسلوا بالأيام الطويلة وربما شهور، ويحكي لهم عن مغامراته هو والمجاهدين في البريّة لأنهم العظماء أصحاب النفسيات الشامخة والهمم العليّة،  

وأنهم ينامون تحت الأشجار وبين الصخور وهي موطن الحيّات والعقارب والأفاعي، أن بعضها كبير جداً في الحجم، وأنها تمشي فوقهم بل وتدخل بين ثيابهم، لكن سبحان الله أنها لا تمسهم بسوء وهم كذلك وهذه توجيهات القيادة إليهم، لذلك يوجد بينهم تعايش سلمي، وهذه من معجزات هؤلاء العظماء، ويخبرهم أن هناك قصص طريفة تحصل للمجاهدين فأحيانا ما تمشي أفعى كبيرة أو حيّة أو عقرب كبير فوق أحدهم وهو نائم، فيسمعون أحياناً أصوات صراخ من هنا أو من هناك وهم نائمون فيعرفون ما هو الأمر فيتبسمون ويضحكون على بعضهم فما أعظمهم وأكرمهم وسلام الله عليهم. 
ذهب هيثم مع شقيقه لتقصير رأسه وإلى الحمامات البخارية الخارجية استعدادا لحضور حفلة زفافه فوجد في ظهره وبطنه وصدره علامات عديدة كأنها علامات كيّ وكانت بسبب الشظايا التي في جسده!  
 
أثناء بقاءه عند أهله كان هيثم شديد الحرص على تطبيق برنامج رجال الله كل يوم، وكان يعتبر أن من يتهاون في ذلك من المقصرين وأنه كيف يقوى قلبه على ذلك؟  
 
 
*وصية الشهيد لوالدته : 

لم يكن عشق هيثم للشهادة بأمرٍ خافٍ على أحد، في آخر زيارة له قال لوالدته :ما هو شعورك وأنتِ أم شهيد، قالت :الحمدلله، قال :ما رأيك ِ لو يصيروا اثنين، قالت وهي تُبدي الغضب حتى وإن كانت لا تقدر على منعه من الجهاد في سبيل الله حالها حال أي أم :صَلَّ على محمد وآله، لا يزال قلبي موجوعا على خليل، فيقول لها هيثم :نحن بعنا يا أمي أنا وأخي أنفسنا من الله، بيعي كما بعنا.  
فترد الأم :لن أبيع ثانية. "بقصد ثنيه عن كلامه ورغبته"  
هيثم : أمي الحبيبة كم هو أمر رائع وعظيم أن تأتي يوم القيامة ومعكِ شهيدين كل واحد يمسككِ من يد ونحضر بين يدي الله ونقول :يا رب هذه أمنا، يا الله هذه أمنا يا رب أكرمها وألبسها تيجان الكرامة، فالشهداء في الدنيا كرماء وفي الأخرى شفعاء.  
ويقول لها يا أماه عندما أستشهد بالله عليكِ أن تفرحي وأن تزغردي وأن تزفيني زفة عروس وأن تكابري بي وبأخي بين الدواعش ولا تجعليهم يفرحوا فيكم بسبب فراقنا أبدا وأن تفتخري وترفعي رأسك، وأن تبيضي وجوهنا بالله عليكِ أنتِ بالذات زغردي لي.. أنتِ بالذات زغردي لي،تذكر الأم وصية شهيدها العظيم وعيناها تذرفان الدموع.  
ودع هيثم أهله و والدته في آخر زيارة له، وهي من كانت معتادة أن تمسح على كل جسده قبل ذهابه وتستودعه عند الله، لكن هيثم وأمام الجميع كان يحاول جاهدا أن يهرب منها وأن يرجع رأسه إلى الخلف بشكل واضح ومتعمد، وكما قالت لم تستطع رغم محاولتها أن تصل يدها إلى رأسه من الخلف، وهي من كانت معتادة أن تدعي الله بأن يحفظه وتستودعه عند الله وتمسح على جسده بأكمله!  
 
عاد هيثم إلى الجبهة وعادت بطولاته وأمجاده، وعندما كان أهله يعاتبونه ذات مرة لقلة تواصله بهم، فيرد عليهم مازحا :هل تصدقون أني نسيتكم، ثم يردف :إن الروحانية التي نعيشها هنا تجعل المرء ينسى الدنيا وما فيها..  
وها هي والدته تعاتبه ذات مرة عن سبب تأخر تواصله بها، فقال لها :في الحقيقة أنكِ تجعليني أشعر بالحزن يا أمي، قالت الأم في دهشة :أنا، وما الذي أفعله، أنا فقط أدعي لك بالحفظ وأستودعك عند الله،  
لم تعرف والدة هيثم أن هذه الكلمات كانت تجعله يتألم كثيراً ويحزن فعلاً، وهو من قد تاقت روحه إلى الوصل بمعشوقته كثيراً، ولم يعد يقوى على البعد عنها أكثر.  
كان هيثم يبحث عنها بكل شوق ويقتحم لأجلها المنايا بكل قوة وشجاعة منذ ثلاث سنوات حقق خلالها بطولات وأساطير وملاحم لا تليق إلا بأمثاله.  
فالشهداء هم من كانوا يتسابقون إلى لقاء الله والآخرة، كما يتسابق المغفلون على حطام الدنيا الزائلة،  
لكنه هذه المرة كان يشعر أنها قريبة جداً وأنها أقرب من أي وقت مضى.  
آخر صورة وضعها هيثم في جهازه قبل استشهاده بأسبوعين هي صورة مجاهد ساجد مكتوب عليها "ومنهم من ينتظر"  
وأما الحالة فكانت قوله تعالى "من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا"  
وكان آخر حديث له مع أخوته كالتالي : 
أخته وهي تطلب منه أن يأتي لزيارتهم فقد اشتاقوا له، فيرد عليها هيثم : في الحقيقة أني أصبحت مشتاقا جدا وبشكل لا يمكن أن تتخيليه لأخي خليل وبقية رفاقي من الشهداء ولم أعد أقوى على البعد أكثر من هذا، أخته ترد عليه :ما هذا الكلام يا هيثم أرجو أن تنتبه لنفسك لا تزال صغيرا والمستقبل أمامك لماذا تقول هذا الكلام؟  
فيقول لها هيثم :أختاه الدنيا في حلالها عقاب وفي حرامها عذاب، أختاه الدنيا كذابة.  
أما رده على أخيه فكان بهذه الرسالة : 
ما اجمل تلك الحياة. 
حياة الجهاد يكون التسابق فيها على  
الموت والفائز منهم أول من يقتل.  
لله درهم رجال ارخصوا أرواحهم في  
سبيل الله. 
 
وقبل أن يستشهد بأيام قلائل يُحدث أهله بأنه كان على وشك أن يستشهد في مهمة عظيمة ولكن الله لم يكتبها له بعد.  
وأخيراً يصل الشهيد العظيم هيثم إلى ما كان يتمناه وما بحث عنه كثيرا في السهول والوديان والجبال طيلة ثلاث سنوات وقد كان استشهاد هيثم علي مقحط بعد شهرين ونيف من آخر زيارة لأهله و والدته.  
 أخيراً يعانق أمنيته وحلم حياته فهنيئاً هنيئاً أيها الشهيد الخالد فقد ذابت الجنّان من فرط الشوق لمعانقة روحك الطاهرة وكانت على وشك أن تنزل إليك إن لم تصعد أنت إليها أيها البطل العظيم الذي صدقت الله فصدقك الله وأنالك ما كنت تتمنى وتطلب بعد أن ارتقيت كثيرا في سلم المجد والمكرمات وبعد أن سطرت في حب الله أروع الآيات.  
 
 
*لك الحمد يا رب : 
في مكالمة هاتفية تسمع أم هيثم زوجها وهو يقول :"بشرك الله بالخير، والله إن نفسي طيبة، أطيب من الثربة"، فتسأله :ما هي؟ ، الأب :هيثم، الأم :ماذا حصل له؟، الأب :جُرح، الأم :قول الحقيقة، الأب :استشهد  
الأم :بصوت متهدج مسموع وهي تغطي على وجهها بكلتا يديها :لك الحمد يا رب.. لك الحمد يا رب..  
ها هو هيثم يرتقي شهيدا من كان محبوبا من كل أفراد أسرته ومن جميع من عرفه، بل أن جميع أهله يجمعون أنه كان الأحب إليهم جميعا فقد كان بشوشا ومرحا وله أسلوب يأسر القلوب والألباب.  
يقولون نعم نحب الشهيد خليل لكنه كان هادئا جدا، أما هيثم فقد كان مرحا جدا ويجعلنا نضحك في كل وقت بأسلوبه الفريد والمميز.  

أما عن قصة استشهاده فقد كان بصاروخ غادر جبان، فالجرذان تعجز دائماً عن مقارعة الفرسان حيث أصاب الطقم الذي كان فيه هو وثلاثة من رفاقه استشهدوا جميعاً، أما الثلاثة فلم يجدوا منهم شيء وأما هيثم فلم يصبه أي شيء إلا راجع أصاب رأسه من الخلف، وهنا تصمم الأم وتُعزي السبب في ذلك إلى أن يديها لم تصل إلى رأسه من الخلف عندما كانت تستودعه عند الله ككل مرة!  
بعد استشهاد هيثم حضرت امرأة من أصحاب الفكر المنحرف تقول لوالده :أما الآن فابكي ولتطب نفسك، أما الآن فقد فقدت اثنين.  
فترد الأم :والثالث والرابع  
ويرد عليها أبا الأبطال :أين ذهبوا؟ ذهبوا في مرضاة الله، ذهبوا لكي يحموا أرضك ويصونوا عرضك.  
 
 
*وأخيراً وجدتها يا بني : 
استشهد خليل بعد سنة من بداية جهاده واستشهد هيثم بعد ثلاث سنوات وكان استشهاد هيثم بعد خليل بسنة وعشرة أشهر.  
 
ظلت حُرقة في قلب الأم وبناتها لأنهن لم يتمكنّ من رؤية خليل بعد استشهاده، لكن هذه المرة سارع الجميع إلى الثلاجة لرؤية بطلهم العزيز جدا على قلوبهم، كانت الأم تدعوا الله أن يثبت قلبها وأن يعينها لكي تقوم بوصية الشهيد كما كان يحب ويتمنى.  
 
وصلت الأم إلى ثلاجة المشفى فقالت بكل ثبات وعزة وفخر :السلام عليك يا ولي الله، هل طابت نفسك الآن يا بني، أخيراً وجدتها، أخيرا وجدت الضائعة التي كنت تبحث عنها طوال ثلاث سنوات، وجدت ما كنت تبحث عنه يا هيثمي ووصلت إليها، السلام عليك يا قلبي وروحي، استودعتك بشهادة ألا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، وشهادة من قبلك وشهادة من بعدك وشهادة إلى يوم الدين حتى تفوز بها مع الفائزين بحق لا إله إلا الله محمد رسول الله..  
سلم على الإمام علي وسلم على خليل وسلم على الشهداء، السلام عليك يا شهيد، السلام على أرواحكم الطاهرة أيها الشهداء، الله أكبر  
الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام  
هيهات منا الذلة  

اندهش جميع الحاضرين بمن فيهم أفراد أسرتها ولم يصدقوا أن تكون بهذا الثبات والقوة وهيثم هو أحب أبناءها إليها ومن كانت تقول أنها ستموت إن أصابه شيء، لكن إنما الموت في سبيل الله حياة، وشعرت بهذا أنها نفذت وصية ابنها الغالي وحققت رغبته وطيبت بخاطره.  

أثناء ذلك رأت الأم مسبحة حول عنق الشهيد فلم تأخذها، لكن شقيقه الأكبر أخذها بدمها ووضعها في زجاجة لتظل ذكرى من الشهيد.  
حاولت الأم أن تنفذ كل كلمة قالها لها الشهيد أبو ذوالفقار، وعندما حضر جثمانه الطاهر إلى فِناء المنزل استقبله الجميع بالألعاب النارية والفرحة والاستبشار، واستقبلته والدته وشقيقاته بالزغاريد، وقامت الأم بوضع اثنين من الفل ومجموعتين من الورد والريحان عن يمينه وشماله كما قامت برش الفل والريحان على كل جسده وهي تقول كما قالت أول مرة.  

وتم تشييع هيثم في زفاف مهيّب.  
 
 
*رسالة أسرة الشهيد : 

أما شعور والدة الشهداء ورسالتها فتقول : 

هنيئاً لهم، والله إن نفسي أطيب من الثربة، مهنية لهم، والله إني أتمنى أن أذهب أنا للجهاد وكنت أطلب منهم أن يسمحوا لي بالذهاب معهم لكي أقوم على خدمة المجاهدين وتنظيف ثيابهم وصنع الطعام لهم.  

تركتهم ينطلقوا في سبيل الله وفي كرامة اليمن وكل اليمنيين ، ماذا يجلسوا يفعلوا هنا، حتى يدخل الأعداء إلينا!  
أنا أعرف أين ذهب أبنائي، وقد حصلوا على أعظم وأفضل شهادة وأفضل ما تتمناه أم لأبنائها.  

كما تقول أن دورها لم يتوقف هنا كونها قدمت اثنين من أبنائها شهداء، بل ذهب الثالث أيضا إلى الدورة التدريبية لكي ينطلق مجددا إلى الجبهات لكنه جريح ورغم ذلك فهو مع الأمنيات في العاصمة، كما تقول: نقوم بصنع الكعك للمجاهدين، وبحضور الفعاليات والمحاضرات والوقفات والاحتجاجات والمسيرات، ودورنا باقٍ ومستمر وسنحرر مكة المكرمة بإذن الله ولن أذهب إلى الحج إلا وقد حررناها وثأرنا عند آل سعود أنا وكل الأمهات.  

ورسالتها لجميع الأمهات أن يجعلوا أبناءهن ينطلقوا في سبيل الله لأن الله كتب الجهاد مثل ما كتب الصلاة، وتقول :والله لو تقومي بتخبئته في أي مكان لا بد أن يأتي أجل الله، لذلك من الأفضل له ولجميع أهله وشعبه أن يموت وهو رافع رأسه.  
 
كما كان ردها على امرأة قالت لها بعد استشهاد ابنها :فلتطب نفسكِ الآن فقدنا الرجال هذا كله بسبب الحوثيين لأنهم لم يرضوا أن يسلموا، فقالت أم الشهداء بكل عزة وشموخ: ما عاش ولا كان من يسلم لو لم يبقى رجل واحد سوف نذهب نحن.  
 
*رسالة أخوات الشهداء : 
شقيقته الأولى تقول: ما زادتنا شهادتهم إلا فخرا ورفعة وعزة، افتخرنا بهم ولم نندم بالعكس زدنا قوة وثباتاً وشجعنا الشهداء أن نسير على دربهم وأن نخطو خطاهم.  
الحمدلله زدنا قوة أكثر مما كنا عليه وارتباطا بالمسيرة مع استشهاد أخوتي، ونشعر أنه من المستحيل أن نتراجع وإذا لم يبقَ ولا رجل سنذهب للقتال نحن النساء.


وأما الثانية فتقول :الحمدلله الحمدلله أننا من أسرة أكرمها الله بالشهادة وقدمت اثنين من أبناءها واختارنا الله واختار منا اثنين، الحمدلله أشعر بهذا الاصطفاء أننا أسرة مميزة،  
وكما قال تعالى: "ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين"  

وأقول للأسر الباقية التي لا تزال متخاذلة والتي تدعي حب الوطن وهي لا تقدم شيء في سبيل الله والوطن والله لن تروا عزة أبداً ولا بد لكم من الذل والهوان في الدنيا والآخرة، وكيف تقولون أنكم تحبون الوطن وأنتم لا تقدمون أي شيء!  

وأقول للمحايدين لا يوجد شيء اسمه حياد بعد ثلاث سنوات من العدوان، ليس أمامكم إلا أن تكونوا مع العدوان أو ضد العدوان.  
فعلى كل إنسان أن يراجع نفسه وأن ينظر ماذا قدم من تضحيات ومن بذل وعطاء، قال تعالى :"ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشرِّ الصابرين"  
 
وتقول الأخت الثالثة :أنا مفتخرة جدا بأخوتي وسنكمل مشوارهم الذي بدأوه حتى نصل بإذن الله.  
 
فسلام الله على الشهداء وعلى أهل وأسر الشهداء وعلى أهل البذل والتضحية والفداء، من لم نكن لنظل صامدين منتصرين على أهل الأرض جميعاً شامخين مفاخرين لولا تضحياتهم الجسيمة وأرواحهم الطيبة ونفسياتهم العظيمة، فالشهداء هم من تظل تضحياتهم مدرسة خالدة تنهل منها الأمم معنى السمو والعزة، ومعينا لا ينضب لكل من يهوى الحرية ويقدّس القيم الإنسانية. 
فسلامٌ عليهم وسلام على بطلي قصتنا الشهيدين الخالدين_ 
 
الشهيد /خليل علي أحمد صالح مقحط( 27 سنة) 
تاريخ الاستشهاد2016/1/31 مكان الاستشهاد_مأرب_حريب القراميش 
و..  
الشهيد/ هيثم علي أحمد صالح مقحط( 22سنة) 
تاريخ الاستشهاد 2017/11/12  
مكان الاستشهاد_يختل_المخا 
سلامٌ سلام..
تعليقات:
    قيامك بالتسجيل وحجز اسم مستعار لك سيمكنكم من التالي:
  • الاحتفاظ بشخصيتكم الاعتبارية أو الحقيقية.
  • منع الآخرين من انتحال شخصيتك في داخل الموقع
  • إمكانية إضافة تعليقات طويلة تصل إلى 1,600 حرف
  • إضافة صورتك الشخصية أو التعبيرية
  • إضافة توقيعك الخاص على جميع مشاركاتك
  • العديد من الخصائص والتفضيلات
للتسجيل وحجز الاسم
إضغط هنا
للدخول إلى حسابك
إضغط هنا
الإخوة / متصفحي موقع الجبهة الثقافية لمواجهة العدوان وآثاره نحيطكم علماُ ان
  • اي تعليق يحتوي تجريح او إساءة إلى شخص او يدعو إلى الطائفية لن يتم نشره
  • أي تعليق يتجاوز 800 حرف سوف لن يتم إعتماده
  • يجب أن تكتب تعليقك خلال أقل من 60 دقيقة من الآن، مالم فلن يتم إعتماده.
اضف تعليقك
اسمك (مطلوب)
عنوان التعليق
المدينة
بريدك الإلكتروني
اضف تعليقك (مطلوب) الأحرف المتاحة: 800
التعليقات المنشورة في الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر عن رأي الموقع   
عودة إلى تحقيقات وسرد وحوار ضدّ العدوان
تحقيقات وسرد وحوار ضدّ العدوان
أشواق مهدي دومان
التّوقيع : ابنتك
أشواق مهدي دومان
الجبهة الثقافية
سِفر من قصة البطل الشهيد أبو صلاح القوبري
الجبهة الثقافية
زينب عبدالوهاب الشهاري
طفل الميزان.. طفل من بلاد الحرب المنسية
زينب عبدالوهاب الشهاري
زينب عبدالوهاب الشهاري
دعوني أصرخ
زينب عبدالوهاب الشهاري
خضر سلامة
الجرجوف السعودي
خضر سلامة
أحلام عبدالكافي
هيله .. الطفولة المبتورة
أحلام عبدالكافي
المزيد