كل فترة تطفح نثرات غير موفقة، في التوقيت والزمان والطريقة الخطأ، ومنها ما أشيع مؤخراً عن قرار الفصل بين الطلاب والطالبات في كليه الإعلام. القرار - إن صح الأمر- للأسف غير موفَّق.
رئيس الجامعة يتبرأ. عميد الكلية يتباهى ويزايد. ما هي الحاجة لإثارة هكذا أمور، وخصوصاً في هذه الفترة؟! شارع يحمل من التراكمات الكثير بسبب ظروف المرحلة وتبعات الهدنة وحرب العدوان والحصار، ونجد هناك من يشعِّب ويجتهد بشكل فاشل، ويتمخض الجبل ليلد فاراً.
الغالب على الوضع العام للمجتمع العفة والكرامة والاحترام. شيطنة التصور وحِسبة التطرف العقلي، المتصور أن كل صورة في رذيلة تحصل، يثبت وجود علة في عقل المتعصب بتزمت وعدم بصيرة، ومن ساءت أفعاله ساءت ظنونه.
مرة يُمنع لا أدري ماذا على جانبي السائلة، ومرة تُعكس كراسي باصات الأجرة، ومرة يُمنع دخول النساء إلى المطاعم إلا مع مَحْرَم ذكر... وعندما يقابل المجتمع مثل هذه الإجراءات بالسخط، يُقال إن ما حصل مجرد تصرف فردي.
كان يمكن معالجة أي أخطاء بطريقة صحيحة. مثلاً في موضوع كليه الإعلام يمكن:
1 -تحديد مدرجات للطالبات أو قاعات خاصة لهن.
2 -تحديد استراحات خاصة بالطالبات.
3 -تحديد بالطو رسمي محتشم كزي رسمي ترتديه طالبة الجامعة.
4 -منع الطالبات من التزيُّن بالماكياج وما شابه من أدوات الزينة.
أليس من يقومون بتدريس الطالبات رجالاً، حراس الكلية رجالاً؟! أم أنه سيتم توفير كادر أكاديمي وخدمي كشؤون الطلاب والمكتبة و... و... و...؟! هل سيتم "نسونة" الاحتياج بشكل كامل؟! إذن كذلك ضروري للطالبات عميد كلية امرأة ورئيس جامعة امرأة... وهكذا! ونبني مدن السنافر للنساء ونعزلهن ولا تخرج الواحدة إلا يوم زواجها ويوم وفاتها، حتى في جنازتها يجب أن تشيعها وتدفنها نساء، وفق هذا المنطق!
الجريح في كل منشأة صحية، أليس من ضمن الطاقم والكادر في القطاع الصحي نساء طبيبات، ممرضات؟! السواد الأعظم نساء كريمات أمهات وبنات وأخوات يرعين جرحى العدوان وعلى مدار الساعة! أم الجريح الذي يتكلم جميع من يعرفها، أليست امرأة؟! أم الشهيد...؟! أخت الشهيد...؟! أم الجريح...؟! أخت الجريح...؟!
كان المفترض معالجة السلوكيات الخاطئة ووضع ضوابط لها بحزم، لا أن يتم العزل وتصوير الأمر أن الغالب على الطبيعي والعام هو السوء.
لنتوقف أمام نموذج راقٍ ومشرِّف للمرأة اليمنية في أيامنا هذه وفي ظل العدوان والحصار، القاضية الفاضلة سوسن الحوثي، رئيسة محكمة، تتمتع بذكاء وعدل ونزاهة وشجاعة، وتُعدّ من أنجح نماذج المؤسسة القضائية، وتفوقت على كل رؤساء المحاكم، تدير عملها في محيط كله من الرجال، ولها هيبة عجيبة، والكل يشيد بها. كما أن دين الله قدم السيدة زينب (عليها السلام) في مواجهة جبابرة الطاغوت بشكل واضح.
إثارة هذه المواضيع وبالشكل والطريقة الخطأ ضرره أكثر من منفعته، وافتعال قضايا تثير الشارع الداخلي وتخلق الاختلاف ليتحول الأمر إلى مواجهة وتدحرج كرة الثلج لينضم خطباء الجمعة و... و... و... ولمصلحة من خرج مغرداً، وليتهُ صمت، يقول: "خلاص، ولي الأمر يعمل ورقه على نفسه"، وكأنّ من يُلحق ابنته بالجامعة يلقي بها في ميدان الخطيئة!
ويتابع المغرد قوله: "يكون استفتاء لأولياء الأمور"!! أين عيوصّلنا هذا الهدار؟! من نصحه بفتح باب الاستفتاء وبلوغ النصاب القانوني؟! مش داري ان الكلام هذا سيجر نفسه على مواضيع وأماكن أخرى بعيدة، وسينصدم بمواجهتها وبفتح الباب المغلق للاستفتاء؛ فالديمقراطية مكلفة! عجباً!! أين وصل التفكير لدى البعض؟! أليس "بعض الظن إثم"؟!
لنفترض قبول منطق المطالبين بهكذا مطالب، طيب، هل بمقدور الدولة أن تشمل وتعمم الظاهرة والطفرة التزمتية بشكل عام؟! مثلاً في وسائل النقل، بحيث تخصص وسائل نقل للنساء بسائقات، خوفاً من أن الشيطان يأتي في هيئة سواق، وفي المستشفيات تخصص منشآت للنساء بكوادر نسائية، ويتم منع الكادر الطبي النسائي من العمل في أي منشأة طبية فيها رجال، والعكس... لكن أي انتقادات أو ردود أفعال تغضبهم، حيث يقول البعض إن هناك من يريد "طلبنة" اليمن واستفزاز الشارع، أي شيء جديد لا بد له من ردود أفعال، سلباً وإيجاباً، ويجب أن يتحمله كل من اتخذ إجراء بسعة صدر، لأن أي نقد من موقع المسؤولية، وأي حرب ناعمة فإن محاضرات سيد الثورة (يحفظه الله) كفيلة بالقضاء عليها، ومن أراد العمل أمامه الميدان ويعمل كما عمل سلطان زابن (رحمه الله) وحقق الإنجاز بصمت.
هل تنظر النُّخبة المتخمة، التي لم تعد تجد ما يشغلها، إلى طرح وموجهات وخطابات ومحاضرات سيد الثورة (يحفظه الله)، كيف يطرح القضايا، وكيف يفند المشكلة، وكيف يوضح ويشرح ويعالج ويخاطب وينصح ويُعلم ويُربي، ولكلامه الأثر الكبير لدى الكبير والصغير والقاصي والداني بأسلوب قائد معلم ومربٍّ؟!
يقول الله تعالى في محكم كتابه: "فذكِّرْ إنَّما أنت مُذَكِّرٌ لستَ عليهم بمسيطر" (صدق الله العظيم).
* نقلا عن : لا ميديا