قبل 14 عاماً، وتحديداً في تشرين الثاني/ نوفمبر 2010، حذَّر أمين عام حزب الله اللبناني، سماحة السيد حسن نصر الله، خصومه السياسيين من الرهان على الولايات المتحدة، مؤكداً أنها في أضعف حالاتها، وأن حلفاءها واهمون بخضوعهم للمشروع الأمريكي الساعي إلى تدمير المنطقة.
ومع أن الأيام أثبتت صحة كلام السيد حسن نصر الله، وأن الرهان على أمريكا فاشل، إلا أن الكثير من الساسة العرب يُصرون على البقاء في حالة عبودية مطلقة للبيت الأبيض، حتى وإن سار بهم إلى الهاوية، كما حدث في أعقاب ذلك العام 2010، بعد أن تخلت واشنطن عن عددٍ من عملائها، كمبارك وعفاش، الذين أمضوا سنوات طويلة في خدمتها وتنفيذ مشاريعها التدميرية.
ومما يقيم الحجة على من تبقى من أولئك الخونة، هو الخيبة التامة للقوات الأمريكية في البحر الأحمر على يد الجيش اليمني ورجاله المجاهدين الأبطال، وكيف ألحقوا ببارجاتها وقطعها البحرية هزيمةً ساحقة، وجعلوا منها أضحوكةً للعالم أجمع، حتى في الداخل الأمريكي نفسه.
ومع ذلك، لا يزال البعض من عملائها يراهنون بغباء على حماية واشنطن لعروشهم مقابل التنازل عن كل الثوابت الدينية والوطنية، كما هو حال النظام السعودي الذي يأبى أن يتقبل هوان أمريكا، ويصر على أن هزيمتها في اليمن مجرد «عنتريات مسرحية» لا صحة لها على الأرض، مع العلم أن بني سعود على استعداد تام أن يتخلوا عن كل ما بيدهم من ثروات، مقابل مشهد واحد يتخلى فيه الأمريكي عن دور السيد، وتظهر فيه واشنطن عاجزة أمامهم.
ومن المغالطات المقصودة أن يستمر بنو سعود في الاعتقاد الوثني بأن أمريكا قوةً خارقة، وأن هزيمتها أمام العرب مستحيلة، مع العلم أن الواقع يشهد بذلك، بل ويكشف أن الغرب لا يشكل أي خطر إلا على من يراهنون عليه، وأن أغلب ضحاياه هم عملاء سابقون له، تخلى عنهم في نهاية المطاف، كما يفعل الجبناء في كل زمانٍ ومكان.
ولو أن أنظمة الخليج السياسية تحترم شعوبها وتتأمل في واقع بلدانها، لوجدت أن واشنطن أوهن منها بكثير، وأن تلك البلدان تمتلك المؤهلات التي تغنيها عن الحماية الأمريكية، وتضمن لها الاستقلالية التامة فيما يخص ثرواتها واستقلال قرارها السياسي، ويكفي أن كل تدخلٍ عسكري في المنطقة تنفذه واشنطن بأموال تلك الأنظمة ذاتها.
ويبقى اليمن النموذج الأصدق والأفضل في كيفية التعامل مع الغرب بمنطق الحرية والكرامة الذي تخشاه الدول الاستعمارية، وكيف ضرب اليمن الهيبة الأمريكية، وأثبت أن الهيمنة الأمريكية لا شيء إذا ما تم فصلها عن المال العربي، وفشلت دعايتها السياسية في إلحاق الهزيمة النفسية لدى خصومها.
ومع إصرار السعودية وسائر حلفائها العرب على استصغار الانتصارات اليمنية ضد أمريكا، فإنها مطالبة بتقديم ما هو أكبر في الخط نفسه، ما لم فإن شعوبها ستنتفض لحماية ما تبقى لها من كرامة، بعد أن فشلت أنظمتهم في حمايتها، وعجزها عن أن تحذو حذو السيد اليماني، الذي يلقن الغرب ومن معه اليوم دروساً قيمة في العزة والكرامة، ويشكل بذلك نبراساً يُقتدى به من قبل كل الأحرار في هذا العالم.