عبدالرحمن مراد
طباعة الصفحة طباعة الصفحة
RSS Feed مقالات ضدّ العدوان
RSS Feed
عبدالرحمن مراد
سيناريو الشرق الجديد
عن عملية الوعد الصادق الإيرانية.. “رؤية”
الحدث وأثره في صناعة الحياة
خاطرة بين يدي العيد
فشلُ التحالف في تطويع اليمن
جدلية الصراع بين المسلمين واليهود
الصراعُ بين اليهودية والإسلام
العام العاشر من الصمود
التفاعل مع المستوى الحضاري
اليمنُ والحضورُ الفاعل

بحث

  
الثقافة معضلات الثبات .. وضرورات التحول
بقلم/ عبدالرحمن مراد
نشر منذ: 4 سنوات و 4 أشهر و 11 يوماً
الخميس 12 ديسمبر-كانون الأول 2019 05:33 م


 

يكاد الفكر الإنساني يجمع على فكرة أن الثقافة عنصر حيوي مهم في التطور والنماء والانتقال، بل ذهب بعض أولئك من أرباب الفكر الى القول إنّ الثورة لا تفضي الى التغيير بل التغيير في المفاهيم والمنطلقات الفكرية ومنظومة القيم والمبادئ ومفردات العلائق الانسانية هو من يفضي الى الثورة وعلى مثل ذلك دلّت حقائق التاريخ وأحداثه ولا نحبذ سرد تلك الاحداث لأنها دالة على ذاتها بقوة حضورها في الذاكرة الجمعية ولكننا نحبذ التذكير بأهمية الثقافة والفن في إحداث التطور والنماء والتوازن النفسي للأفراد والمجتمعات باعتبارهما – أي الثقافة‮ ‬والفن‮ – ‬بدائل‮ ‬أو‮ ‬حياة‮ ‬مركزة‮ ‬يستغرق‮ ‬الانسان‮ ‬ذاته‮ ‬فيها‮ ‬يقول‮ “‬آرنست‮ ‬فيشر‮”:‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

“من الجلي أن الإنسان يطمح الى أن يكون أكثر من مجرد كيانه الفردي .. يريد أن يكون أكثر اكتمالاً، فهو لا يكتفي أن يكون فرداً منعزلاً، بل يسعى الى الخروج من جزئية حياته الفردية الى “كلية” يرجوها ويتطلبها، الى كلية تقف فرديته بكل ضيقها حائلاً دونها، إنه يسعى إلى عالم أكثر عدلاً، وأقرب الى العقل والمنطق، وهو يثور على اضطراره الى إفناء عمره داخل حدود حياته وحدها، داخل الحدود العابرة العارضة لشخصيته وحدها، إنه يريد أن يتحدث عن شيء أكثر من مجرد “أنا” شيء خارجي وهو مع ذلك جوهري بالنسبة إليه، إنه يريد أن يحوي العالم المحيط به ويجعله ملك يده وهو- عن طريق العلم والتكنولوجيا – يمد هذه “الأنا” المتطلعة المتشوقة لاحتواء الى أبعد مجرات السماء والى أعمق أسرار الذرة، كما يربط – عن طريق الفن، هذه “الأناء” الضيقة بالكيان المشترك للناس، وبذلك يجعل فرديته اجتماعية.

ولو كان من طبيعة الانسان أن يكون فرداً مجرداً، لما كان لهذه الرغبة معنى ولا مضمون، لأن الانسان الفرد يكون في هذه الحالة “كلاً” قائماً بذاته، كلاً مكتملاً، يحوي كل ما يستطيع أن يكونه، أما رغبة الانسان في الزيادة والاكتمال فدليل على أنه أكثر من مجرد فرد، وهو يشعر بأنه لا يستطيع الوصول الى هذه “الكلية” إلا إذا حصل على تجارب الآخرين، وهي التجارب التي كان من الممكن أن تكون تجاربه هو أو التي يمكن أن تكون تجاربه في المستقبل، وذلك يشمل كل شيء، وكل نشاط يمكن أن يقوم به الانسان والفن هو الأداة اللازمة لإتمام هذا الاندماج‮ ‬بين‮ ‬الفرد‮ ‬والمجموع‮ ‬فهو‮ ‬يمثل‮ ‬قدرة‮ ‬الإنسان‮ ‬المحدودة‮ ‬على‮ ‬الالتقاء‮ ‬بالآخرين‮ ‬وعلى‮ ‬تبادل‮ ‬الرأي‮ ‬والتجربة‮ معهم.

وإذا كانت وظيفة الفن الأساسية بالنسبة للطبقات التي تستهدف تغيير العالم لا يمكن أن تكون السحر، بل التنوير والحفز الى العمل، إلا أن هناك في الفن بقية من السحر لا يمكن التخلص منها تماماً، لأن الفن بغير هذه البقية من طبيعته الاصلية لا يكون فناً على الاطلاق.

إن‮ ‬الفن‮ ‬لازم‮ ‬للإنسان‮ ‬حتى‮ ‬يفهم‮ ‬العالم‮ ‬ويغيره،‮ ‬وهو‮ ‬لازم‮ ‬أيضاً‮ ‬بسبب‮ ‬هذا‮ ‬السحر‮ ‬الكامن‮ ‬فيه‮ “.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

ويقول: “بريخت”: “إن النظرة الجمالية السائدة في مجتمع يحكمه صراع الطبقات تتطلب أن يكون الأثر” “المباشر” للعمل الفني هو إخفاء الفروق الاجتماعية، بين المتفرجين، بحيث تنشأ منهم جماعة لا تنقسم الى طبقات وإنما تكون وحده ” إنسانية شاملة”….”.

وتأسيساً على ذلك قد تبدو حاجتنا الى دائرة الفن – وهي إحدى دوائر تطور الروح المطلق عند هيغل كما سلف معنا .. أكثر الحاحاً ولزوماً، فالصراع ترك فروقاً اجتماعية وتمايزاً طبقياً وسياسياً ولا يمكننا أن نجتاز تلك العقبات إلا بالفن حتى نصل الى وحدة إنسانية شاملة أو‮ ‬وحدة‮ ‬وطنية‮ ‬مشتركة‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬

ومثل‮ ‬ذلك‮ ‬يقودنا‮ ‬بالضرورة‮ ‬الى‮ ‬الحديث‮ ‬عن‮ ‬وزارة‮ ‬الثقافة‮ ‬كمؤسسة‮ ‬حكومية‮ ‬معنية‮ ‬بالثقافة‮ ‬والفن‮ ‬ومعنية‮ ‬بتنميتهما‮ ‬حتى‮ ‬تتكامل‮ ‬منظومة‮ ‬التطور‮ ‬بحدوث‮ ‬التوازن‮ ‬المطلوب‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

والحديث عن وزارة الثقافة – كما يقال- حديث ذو شجون إذ من الملاحظ أن التراكم الشطري جثم على كاهلها فتعطلت قدرتها على التفاعل والتجديد والتحديث فهي منذ عام 90م حتى اللحظة ظلت عاجزة عن صناعة أهداف جديدة تستوعب اللحظة الحضارية التي انبثقت مع تباشير 22مايو 90م بل ظلت تتحرك في فضاء ماضوي أفقدها قدرتها التفاعلية مع العصر وضروراته الحيوية إذ كان من المفترض عليها أن تستهدف احداث حراك فاعل يستلهم الروح الوطنية ويعيد تشكيلها في قالب أكثر جدة وحداثة وأن تقوم بإظهار الوجه الثقافي الوطني بكل أبعاده وأنماطه، وملامحه العامة والخاصة وأن تسهم في التنمية والتحديث وأن تخلق المناخات الملائمة لتشجيع رأس المال في الاستثمار في الجانب الثقافي، وأن تتبنى استراتيجية ثقافية تستوعب الطاقات والامكانات وتعيد توظيفها بما يحقق نماءً وانتقالاً ويحدث تحولاً وتوازناً.

وهنا لا بد لنا من اليقين أن حالة التضاد والتناقض بين المكونات المؤسسية العامة للثقافة خلق بشكل أو بآخر حالة من جدلية الصراع بين “التبعية” الادارية وبين “الاستقلالية” وذلك الصراع أفضى الى الشلل والتعطيل وفقدان القدرة والفاعلية ومثل ذلك الامر لابد من الوقوف أمامه بقدر من المسؤولية الوطنية وبقدر من الإحساس المتطلع الى الانتقال من خلال التمهيد له ثقافياً ونفسياً شعوراً بحاجة اليمن في ظرفه الحالي الى وحدة وطنية وإنسانية شاملة قادرة على ردم وإخفاء الفروق الاجتماعية والسياسية والثقافية بين الثنائيات (شمالي/ جنوبي، سلطة/ معارضة، زيدي/ سني، حوثي/ سلفي) ولعل ذلك لن يتحقق إلا من خلال توحيد الطاقات والقدرات وإعادة توظيفها التوظيف الامثل الأمر الذي يمكنها من تحقيق الأهداف والمقاصد الوطنية وكذلك من خلال حالة الانسجام بين المكون الثقافي العام الذي تمثله الهيئات والمؤسسات وفي ظني ان الهيئات والمؤسسات الثقافية الوطنية فقدت قدرتها التفاعلية نتيجة الصراع الإداري الذي تحول الى صراع نفوذ وصراع مصالح أفضى الى الشلل التام وتعطيل القدرات وفقدان خاصية الابداع والابتكار وهو الامر الذي يتطلب إعادة الترتيب وصياغة الاهداف والمقاصد العامة في ظل التطورات وعوامل الانتقال ومعطيات الواقع من خلال ذلك التراكم الشطري الذي ترك مناخاً قاتماً لم يستوعب خلالها ذلك الانفجار المعرفي والانفتاح الواسع على جوانبها المختلفة بل ظل أسير “مصادرة” أو “سحب” وهو إجراء لم يعد مجدياً في هذا العصر الذي أفقد السلطات مقاليد السيطرة عليه من خلال ذلك الانفجار المعرفي والكون الفضائي المفتوح وشبكات الاتصال التفاعلية ومثل ذلك يضعنا أمام قضايا جوهرية أهمها التوافق على استراتيجية ثقافية ذات أبعاد وطنية وانسانية تشتغل على المشترك بين القوى السياسية والجماعات وغاية تلك الاستراتيجية الانسان من حيث البناء والتكوين والوطن من حيث التجديد والتحديث والانتقال، وفي ظني إن ذلك قابل للتحقق إذا أعدنا النظر في الممكنات المتاحة، فالهيئات والمؤسسات التابعة لوزارة الثقافة وصلت الى حالة من انسداد الافق والتعطيل والشلل التام وفقدان القدرة والفاعلية والخاصية الابداعية والابتكارية وهي في ظل نظامها ولوائحها وهيكلها لم تعد قادرة على الانزياح والقيام بوظائفها، فالصراع لا ينتج إلا عدماً، وكذلك الوزارة التي لايزال هيكلها متضاداً ومتصارعاً مع الهيئات والمؤسسات ولعل هذه المعضلة تتطلب قراءة جديدة ورؤية جديدة‮ ‬تعيد‮ ‬البناء‮ ‬والتوظيف‮ ‬وتحديد‮ ‬قيم‮ ‬جديدة‮ ‬أكثر‮ ‬انسيابية‮ ‬وسلاسة‮ ‬في‮ ‬العلاقات‮ ‬البينية‮ ‬واكثر‮ ‬عصرنة‮ ‬في‮ ‬المنظومة‮ ‬المتكاملة‮ ‬لعلاقات‮ ‬الانتاج‮.‬‬‬‬‬‬

لذلك قد تصبح لملمة الشذرات المتناثرة والاشلاء المتباعدة في كيان مؤسسي واحد منسجم غير متصارع ضرورة وطنية مع الاخذ ببعدين مهمين هما علاقات الانتاج والتحديث، وبحيث تتحول الهيئات والمؤسسات الى قطاعات مؤسسية مهنية خاضعة لإشراف الوزير، فهيكل الوزارة يمكنه أن يتوزع على عشرة قطاعات هي: قطاع الشؤون الثقافية، قطاع الآثار والمتاحف، قطاع الكتاب والمخطوطات والمكتبات، قطاع الإنشاءات والهندسة، قطاع التأهيل والتدريب، قطاع المسرح والانتاج المرئي والسمعي، القطاع المالي والإداري، قطاع قصور الثقافة “يستبدل المراكز بقصور مع إعادة تأهيلها للقيام بوظائف جديدة”، قطاع الصناعات الحرفية والفنون والمعارض، قطاع الرقابة والحقوق الفكرية، يصاحب ذلك تفعيل جاد لدور صندوق التراث والتنمية الثقافية وإنشاء فروع له في المحافظات واستحداث أوعية ايرادية جديدة وتخصيص جزء من إيراداته في المحافظات لصالح نشاط قصور الثقافة، فالثقافة والفن كما أسلفنا وسائل مثلى لإحداث التوازن بين الانسان والعالم الذي يعيش وعلى الحكومة أن تستعيد السيطرة على مفردات وجودها، وتقوم بوظائفها الوطنية التي تحقق الوحدة الانسانية الشاملة رأباً لما تصدَّع خلال السنين الخوالي وأشهر الأزمة‮ ‬السياسية‮ ‬التي‮ ‬عصفت‮ ‬بالوطن‮ ‬وبمقدراته‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

ما يجب أن ندركه أن التأسيس لبنية ثقافية نامية ومتطورة يضعنا في المحك أمام خيارات مثلى لإحداث صناعة سياحية تحدث انعاشاً للاقتصاد الوطني، فالعلاقة بين الثقافة بمكوناتها المختلفة وبين الصناعة السياحية علاقة عضوية وهذا القول من البديهات التي لا يجب التذكير بها بل قد أصبح من الضرورة بمكان التذكير أن غياب المؤسسة الثقافية كان له أثر غير محمود، فالصناعات الحرفية والتقليدية انقرضت ويكاد ما تبقى منها أن ينقرض، والتراث المادي واللامادي غاب عنه الاهتمام والتوثيق فتوارى والمواقع الأثرية في كثير من المناطق طمس معالمها غياب الوعي وحاجة المجتمعات الى المشاريع الانمائية والطاقات الابداعية والثقافية قتلها – واقعها الإقصائي وتهديد ذلك الواقع لأمنها النفسي والاجتماعي وضعها على كراسي الشلل التام، فعجزت عن أن تصنع رموزاً ثقافية تجتاز بها، الحدود الاقليمية لتومئ من خلالهم الى ثراء المخزون‮ ‬الثقافي‮ ‬اليمني‮ ‬وطاقاته‮ ‬الابداعية‮ ‬المتجددة‮ ‬والقادرة‮ ‬على‮ ‬الاضافة‮ ‬والنماء‮ ‬والتفاعل‮ ‬مع‮ ‬الآخر‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

تعليقات:
    قيامك بالتسجيل وحجز اسم مستعار لك سيمكنكم من التالي:
  • الاحتفاظ بشخصيتكم الاعتبارية أو الحقيقية.
  • منع الآخرين من انتحال شخصيتك في داخل الموقع
  • إمكانية إضافة تعليقات طويلة تصل إلى 1,600 حرف
  • إضافة صورتك الشخصية أو التعبيرية
  • إضافة توقيعك الخاص على جميع مشاركاتك
  • العديد من الخصائص والتفضيلات
للتسجيل وحجز الاسم
إضغط هنا
للدخول إلى حسابك
إضغط هنا
الإخوة / متصفحي موقع الجبهة الثقافية لمواجهة العدوان وآثاره نحيطكم علماُ ان
  • اي تعليق يحتوي تجريح او إساءة إلى شخص او يدعو إلى الطائفية لن يتم نشره
  • أي تعليق يتجاوز 800 حرف سوف لن يتم إعتماده
  • يجب أن تكتب تعليقك خلال أقل من 60 دقيقة من الآن، مالم فلن يتم إعتماده.
اضف تعليقك
اسمك (مطلوب)
عنوان التعليق
المدينة
بريدك الإلكتروني
اضف تعليقك (مطلوب) الأحرف المتاحة: 800
التعليقات المنشورة في الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر عن رأي الموقع   
عودة إلى مقالات ضدّ العدوان
الأكثر قراءة منذ أسبوع
رشيد الحداد
معركة «صامتة» في المحيط الهندي: صنعاء تتعقّب سفن الكيان
رشيد الحداد
الأكثر قراءة منذ 3 أيام
وديع العبسي
فيتو في وجه العالم
وديع العبسي
الأكثر قراءة منذ 24 ساعة
عبدالرحمن العابد
ضربة يمنية قوية للكيان
عبدالرحمن العابد
مقالات ضدّ العدوان
زيد البعوه
السيّد القائد.. أربعون ربيعاً عمر السنن الإلهيَّة
زيد البعوه
صلاح الدكّاك
أسنان متناهشة في مشط احتلال واحد .. لا بحر في تعز
صلاح الدكّاك
عبدالفتاح علي البنوس
العدوان على اليمن الخسائر والأضرار
عبدالفتاح علي البنوس
عباس الديلمي
حرصاً على صيف سيء
عباس الديلمي
مياء العتيبي
ماذا بعد فضيحة التجسس.. من هو الضحية القادم؟
مياء العتيبي
عبدالرحمن الأهنومي
حقوق الإنسان..حين تذوب المساحيق تتعرى الشعارات!
عبدالرحمن الأهنومي
المزيد