|
المسرح إحدى أدوات التنوير في العصر الحديث
بقلم/ خليل المعلمي
نشر منذ: سنتين و 3 أشهر و 21 يوماً الجمعة 24 يونيو-حزيران 2022 07:24 م
المسرح إحدى أدوات التنوير في العصر الحديث والمعاصر التي تنقل المجتمعات الإنسانية من حالات أدنى إلى حالات أعلى ومن حياة التخلف والاحتراب والفتن إلى حياة التقدم والبناء والتعمير واحترام حقوق الإنسان.
ويعد الفنان المسرحي أحد أركان المسرح، فتنمية المواهب وإعداد الممثل تتطلب قدراً كبيرا من التعددية في وجهات النظر والاختلاف من قبل العاملين في المسرح والمشتغلين في مسرح الطفل.
في كتاب “بوابات المسرح” للفنان المسرحي محمد أبو العباس يتطرق فيه لكل ضروب مسرح الطفل وتشكلاته واجتهاداته كما يستعرض تقنيات مسرح الشباب وعلاقته بالقضية الفلسطينية وكذلك أهمية المسرح الجامعي في رفد المسرح بالموهوبين .
ورغم أن الظاهرة في التمثيل للأطفال تقتصر على المحترفين، حيث يشير المؤلف إلى أن الأهم في هذا السياق التوقف عند أهم التفاصيل في إعداد “الممثل الطفل” في مسرح الطفل، أي تمثيل الأطفال للأطفال الذي يلاقي اعتراضات كثيرة في ايصال المفاهيم للمتلقي الطفل دون النظر إلى أن الطفل المستهدف له من القدرة العقلية على تفريق التفاصيل الكثيرة في الحياة أو حتى تلك التي ينفذها في المسرح.
الطفل والمسرح
تخصص الفرق الكبيرة في دول العالم فرقة خاصة من الممثلين لتقديم عروض الأطفال، لأن عالم الطفولة هو عالم ساحر يتمتع بخصوصية لا يمكن لعقل بسيط فك رموزها، ومن ذلك يؤكد المؤلف أن الكثير من الممثلين المحترفين يسعون للتمثيل في مسرح الطفل، ويحتاج الممثل المحترف إلى ورش تدريبية متخصصة في مجالات التعبير وضمن منهج متطور.
ويقول في هذا الجانب: إن من أهم دواعي استدعاء المخيلة للممثل في مسرح الطفل هو ظهور صفة المبالغة في محاور العمل المسرحي وتفاصيله، لأن تلك المبالغة تنقلنا إلى محاولة استيعاب خيال الطفل الذي تعود على التكنولوجيا الحديثة والأقلام التي تعتمد القصص الخيالية والخارقة منها الرسوم المتحركة خصوصاً.
وأشار إلى علاقة الممثلين الهواة بالمسرح، فالكثير منهم يبدأون الدخول إلى المسرح من بوابة المشاهد المرتجلة وتلك المشاهد تعتمد على العصف الذهني لدى الممثل وهي ارهاصات تأتي أحياناً غير منظمة، لذلك يستثمر الهاوي مشاهداته المتنوعة.
متطرقاً إلى تجربته الشخصية في إعداد الممثل الطفل من خلال عدد من الإجراءات منها تنفيذ الورش المسرحية لإزالة الخجل عن الأطفال والتمرين المستمر لهم وترسيخ مفهوم أن التمثيل لعبة، فهذا يعمل على تشجيع الطفل على الابتكار وتدريبه على الصوت والالقاء وإطلاعه على أهمية التقنيات الحديثة والجديدة في هذا المجال.
وقدم المؤلف نظرة تاريخية على تأسيس المسرح المرتبط بالطفل، فيؤكد أن ظهور مسرح الطفل كتأسيس أكاديمي جاء في نهاية القرن الثامن عشر في أوروبا وفي فرنسا تحديداً بالرغم من أن انجلترا كانت سباقة في هذا المسرح خلال القرن الثاني عشر ليتطور في قرون لاحقة حتى أن روسيا انشأت مسرح موسكو للطفل عام 1918م وتوزع نشاطه في كل دول الاتحاد السوفيتي السابق. أما أمريكا فقد أصبح عدد الفرق المسرحية الخاصة بالطفل فيها 1500 فرقة خلال العام 1935م، وعقد مؤتمر قومي لمسرح الطفل في العام 1944م .
أما في الوطن العربي، فيشير المؤلف إلى أن المخرج الكبير “زكي طليمات” كان السباق في إنشاء مسرح مدرسي في مصر عام 1937م.
ويقول: يذهب الشغوفون بهذا الفن إلى أن مسرح الطفل منجز تاريخي بالمنظور المتقدم لحضارة الأمم فهو يسعى إلى ترسيخ ما هو نبيل في ذهنية الطفل ويبني مع وعيه أسساً لفهم العالم.
ويستغرب عدم اهتمام الكليات والمعاهد المتخصصة بالمسرح وتهميشها لمسرح الطفل على الرغم من أنها تطمح إلى تدريب وتخريج أعداد كبيرة من كلية الفن المسرحي.
ويأخذنا المؤلف إلى الإجراءات في تطوير مسرح الطفل من خلال الورش والتدريب وتوفير كل متطلباتها التقنية والفنية.
“السينوغرافيا”
وتعني كلمة السينوغرافيا “علم المشهد” الذي كان يعتمد في السابق كما يوضح ذلك المؤلف على الديكور والإضاءة في بادئ الأمر ومن ثم دخلت الأزياء والاكسسوارات ومع التطور أصبح التشكيل الجسدي “الحركي” هو السمة الأكثر إثارة في تكوين فضاء السينوغرافيا.
تقنيات مسرح الشباب
يأتي القسم الثاني في الكتاب ليتحدث فيه المؤلف عن مسرح الشباب فكان لمسرح الشباب في منتصف القرن الماضي حضور تشكل مع حضور القضية الفلسطينية وتهجير أهلها في عام 1948م مروراً بنكسة 1967م وحرب 1973م والأحداث التي تلت ذلك، مشيرا إلى عدد من الأدباء الذين أثروا هذه الفترة بالمسرحيات التي دقت ناقوس الخطر.
ويقول المؤلف: ربما كانت أعمال “أحمد علي باكثير” قد دقت ناقوس الخطر في المسرح العربي فقد كتب أولى مسرحياته والتي تتحدث عن القضية الفلسطينية في عام 1944م وعدد من المسرحيات الأخرى فاستحق باكثير لقب رائد المسرح المقاوم العربي، ورافقه في المجرى نفسه عبدالرحمن الشرقاوي والفريد فرج ومعين بسيسو في أوائل السبعينيات ومحمود ذياب وغيرهم.
وعندما يتحدث المؤلف عن مسرح الشباب فهو يتحدث عن الابتكار الذي يشكل المغايرة في الأسلوب وينعكس بالتالي على وحدة الموضوع أو الخلاصة “الفكرة” ويرى أن الحديث عن تقنية النص المسرحي والمتعلق بمسرح الشباب وقضية القدس نجد أن التقنية ربما تأخذنا إلى جانب حسابي رياضي وهذا يشكل تقاطعاً مهماً مع المسرح، لأن المسرح يعتمد في أجزاء متفرقة فيه على التقنية ولا تحكمه تقنية أو قانون، وإنما على الرؤى المتفتحة فإذاً النصوص المسرحية التي ربما تأتي كتتابع انفعالي عاطفي ينسجم مع روحية الشباب في التعاطي مع القضايا التي تشكل هاجساً خفياً في الذات يحركها الجانب الغاضب الذي يتصف به الشباب فيكون النص المسرحي حافلاً بالعبارات الإنشائية التي تقترب من محاولات شعرية تدغدغ الحس الثوري الذي يتصف به الشباب والطلبة في مراحل الثانوية والجامعة .
تشكيل الفضاء المسرحي
يذهب المؤلف في هذا الجانب إلى أن الكثير من المسرحيين الشباب يبحثون عن وسائل لانعاش ذاكرتهم التي انمحت منها قضية القدس، ولأجل البحث في تشكيل فضاء ملائم للتجربة لا بد لنا من معرفة أن من يعيش في التجربة يسهل عليه خلق مفردات تعبيرية ومن يعمل بعين الراصد من خلال القراءة والخبر ينعكس على كل تقنياته في العرض، لذا لجأ المسرح كما يؤكد المؤلف إلى أشكال متعددة في العرض بعضها سعى للعلبة الإيطالية وفيها شكل الفضاء الذي يجلب فعل التركيز في محاولة لتقريب الأجواء في الديكور والإضاءة والموسيقى والمؤثرات وبالتأكيد في التمثيل أيضاً.
ويضيف المؤلف إنه من منطلق التفاعل مع المسرح السياسي الذي افرزته الحركات الثورية في الحربين العالميتين ولأجل النزول للمشاهد في أماكن تواجده ابتكر الشباب في الوطن العربي أشكالاً للعرض، منها مسرح الشارع، مسرح المقهى، مسرح في المصانع ومسرح الطفل.
واستعرض المؤلف عدداً من المسرحيات التي تبرز القضية الفلسطينية وتناقشها من عدة نواحٍ، مشيداً بعدد من المخرجين والمخرجات الفلسطينيين أمثال رائدة خليل وناصر عمر وتقديم هذه المسرحيات في عدد من المهرجانات العربية .
المسرح الجامعي
يعترف الجميع أن المسرح الجامعي هو المعين الحقيقي للمسرح عموماً في كل دول العالم.. وقد استعرض المؤلف أزمة المسرح الجامعي والحلول الممكنة التي تسهم في رفد المسرح بالمسرحيين الموهوبين ومن ذلك توفير البيئة المسرحية المناسبة، وإيجاد مشرف مسرحي أكاديمي علمي متميز يعمل على اكتشاف المواهب المسرحية وصقلها وتطويرها، وكذلك تنظيم الورش التدريبية المسرحية في إعداد الطلبة إعداداً أكاديمياً وكذلك المشاركة في مهرجانات المسرح الجامعي.
ويضيف المؤلف: إن المسرح الجامعي متجدد وسريع التحول، ولذا فإن التعامل معه بالتخطيط والبرمجة يضعه على الطريق القويم وينتج طاقات ستكون قيادات للمسرح في المستقبل.
واستعرض المؤلف في الجزء الأخير من الكتاب مسيرة عدد من المسرحيين المخضرمين وأدوارهم الملموسة في تطوير مسيرة المسرح العربي.. مشيراً إلى ما أنجزوه من أعمال مختلفة تناقش وتخدم مختلف القضايا العربية الحديثة، وتدعم عملية التنوير التي بدأها الكتاب والمثقفون العرب أوائل القرن العشرين في مختلف الدول العربية.
* نقلا عن :الثورة نت |
|
|