عبدالرحمن مراد
طباعة الصفحة طباعة الصفحة
RSS Feed مقالات ضدّ العدوان
RSS Feed
عبدالرحمن مراد
العام العاشر من الصمود
التفاعل مع المستوى الحضاري
اليمنُ والحضورُ الفاعل
البحث عن الامتلاء الحضاري
عن نسيان التاريخ وقبر مصادر الوعي
معركةُ الوجود والكرامة
الحداثة كنمط حياتي عالمي
العدوانُ على اليمن "الأبعادُ النفسية والثقافية"
حركة العالم وسنن التغيير
اليمن والمستوى الحضاري المعاصر

بحث

  
اليمن كهوية جامعة
بقلم/ عبدالرحمن مراد
نشر منذ: 3 سنوات و 7 أشهر و 20 يوماً
الجمعة 07 أغسطس-آب 2020 07:52 م


لا أجد تفسيراً لمثل ذلك العقوق الذي تلقاه اليمن الأرض والتاريخ والإنسان والحضارة من هذا الجيل من الأبناء الذين ترعرعوا على خيراتها وشربوا من مائها وتنفسوا من عليل هوائها، ثم لما اشتدت سواعدهم صوّبوا سهامهم نحو قلبها العامر بالحب والسلام والخير والعطاء الوفير ليجعلوا منه مضغةً تلوكها أنياب الضغينة والحقد وأضراس التباعد والاغتراب، فكان ناعق غرابهم على الأنجاد وقنن الجبال وأصوات بومهم على الأشجار والمآذن والقباب، ونفير حربهم على المنابر وفي المساجد والجوامع وتلطخت مصاحفهم بالدم المراق، وهي الحكاية ذاتها التي بدأت من عند عثمان بن عفان رضي الله عنه ولا تزال تشعل فتيلها في كل وقت وآن وحين.


لا أظن اليمن بكل تاريخها وعمقها الحضاري وتراكمها الثقافي تقبل الحال الذي وصل إليه أبناؤها من شلل تام في القدرات وانفصام كامل في الهوية، وتشظٍّ مقيت في الكتل الاجتماعية والثقافية النوعية واغتراب مملٍ عن السياق الحضاري، وتباغضٍ وتنافر وتفكك في منظومة القيم والمثل وغياب لقيم الخير والحق والمروءة والشهامة والنجدة.. إنها حالة لا نقول نادرة، بل قد حدث ما يماثلها في دورات التاريخ المختلفة دالة على توالي الانكسارات الحضارية والثقافية التي تتوالى منذ حادثة انهيار السد حتى هذه اللحظة، وهي حالة النكوص التي لم يفق من صدمتها إنسان اليمن حتى لحظته الحضارية المعاصرة في هذا الزمن.


فمشكلة الإنسان في اليمن تكمن في الفراغ الحضاري والثقافي الذي يعيشه وهو فراغ يشتهي الامتلاء، وقد سبق للأدباء والكتّاب التعبير عنه والتحذير منه ولم يعرهم الساسة آذاناً صاغية، ولذلك نرى من يستغل ذلك الفراغ ليملأه بمشاريع مغتربة عن السياق الحضاري والنسق الثقافي وهي الآن في حالة صدام مع واقعها – أي تلك المشاريع المغتربة عن الواقع اليمني- فالهيمنة للقوى الكبرى كانت دوافعها في الماضي اقتصادية وأدواتها عسكرية، وفي الألفية الجديدة لايزال الدافع هو نفسه وتغيرت الأدوات من عسكرية إلى اشتغال استخباراتي أمني، فالهيمنة في الألفية الجديدة تقوم على البناءات الثقافية وبحيث تضيق دائرة النزاعات لتكون مقتصرة على الأمة الواحدة بدل الأمم المختلفة وربما اقتصرت بين الجماعات المتمايزة ثقافياً، فالتعددية الثقافية التي أتاحت للثقافات داخل المجتمعات حرية التعبير العلني عن هوياتها الثقافية وعن استحقاقاتها السياسية والدستورية والاجتماعية، الأمر الذي أظهر جماعات علنية تجاهر بطقوس وبثقافات على تضاد مع بعض التصورات الذهنية لجماعات أخرى مما جعل دائرة الاختلاف والخلاف تظهر كتمايز نوعي واضح، وحالات الصراع التي تحدث في بعض المجتمعات تفضي في النهاية إلى مفردات السلام والتعايش واحترام الاختلاف، فالتعدد والتنوع الثقافي أصبح ظاهرة عصرية لا يمكن القفز على حقائقها الموضوعية، بل يفترض التفاعل مع تلك الحقائق الجديدة في ظلال المفهوم الشامل للمواطنة وبحيث يمكن من خلال ذلك المفهوم الاشتغال على قيم الانتقال باعتباره يقدم إطاراً قانونياً وثقافياً واجتماعياً للتعايش الإيجابي بين مواطنين يتنوعون ثقافياً، فالمجتمع أصبح في حالة مغايرة عمّا كان عليه، فالتنوع الثقافي فرض واقعاً اجتماعياً جديداً، وبناء المجتمعات وفق معطيات الانتقال والتنوع الجديدة يتطلب وعياً وإدراكاً ودراسات علمية بحيث يكون الاشتغال عليها مرتبطاً بالحالات الانتقالية وتدعيماً لضرورات التنوع والتعدد والتعايش والسلام من حيث الأخذ بمبدأ الموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن، فبناء المجتمع وفق معطيات التعدد والتنوع الجديدة يتطلب جهداً مضاعفاً من الجهات والمؤسسات والأفراد من أجل الوصول إلى قيم مشتركة تكون واضحة العلائق تعزيزاً لقيم الانتماء إلى الوطن الواحد.


فالاشتغال على الهوية الوطنية الشاملة والهويات المحلية المجزأة من حيث التفكيك وإعادة البناء وتحديد نقاط الالتقاء مهمة المثقف الفرد والعضوي وهي بالأساس مهمة المثقف الاكاديمي.. وتفاعل المؤسسات الرسمية وغير الرسمية مع المعطيات الجديدة يتطلب أيضاً رؤية جديدة وبناءً جديداً في الهيكل التفاعلي مع المستجدات والمعطيات الجديدة.


وحين نصرخ في وجه هذا الواقع القاتم الذي يذهب إلى عوامل التشظي وتعمل فيه آلة العداوات تفكيكاً وتدميراً للبنى العامة في ظل غياب كامل وصمت مطبق عن القراءة والنقد، وشلل تام للقوى الثورية الحداثية التي تملك رؤية تفاعلية ورؤية بنائية وهو الأمر الذي يجعلنا نصرخ: اليمن ثم اليمن.
فالهدم يتطلب قوة كبيرة وموازية للبناء، ومثل ذلك لا يمكن أن يحدث دون الشعور بالإشكالية المستقبلية التي تواجه اليمن والشعور بمستوى التحديات يجعلنا أكثر قدرةً في السيطرة على المستقبل.


ويبدو أن الواقع اليوم قد أفصح عن نفسه بكل جلاء فظهرت الحقائق وآبت بعض القوى إلى رشدها وتداعت أخرى وهو يعلن عن فراغ يشتهي الامتلاء، فهل تبادر صنعاء إلى ملء ذلك الفراغ بما يعزز من الهوية الجامعة ومن الوحدة الوطنية ومن الانتماء ؟ .


السؤال نطرحه على طاولة المجلس السياسي وهو يحتاج إلى قرار وإرادة في تفعيل دور المؤسسة الثقافية الوطنية الرسمية وغير الرسمية للقيام بدورها المنوط بها , فالحرب ليست عسكرية ولكنها حرب شاملة وهي تشتغل في كل البنى والمستويات المختلفة , وأثرها – إن لم نتداركه ونتحكم في مساره اليوم – سيظهر بعد أن تضع العلميات العسكرية أوزارها .


اليوم يشهد العدو تيهاً وضياعاً في أدواته وفي نفسه، إن لم نحسن الصناعة وانتهاز الفرصة المتاحة ونضع الاستراتيجيات فسوف ندخل في تيه وضياع ينتهي بتحكمه بالمسار كما حدث في العقود الماضية .

 
تعليقات:
    قيامك بالتسجيل وحجز اسم مستعار لك سيمكنكم من التالي:
  • الاحتفاظ بشخصيتكم الاعتبارية أو الحقيقية.
  • منع الآخرين من انتحال شخصيتك في داخل الموقع
  • إمكانية إضافة تعليقات طويلة تصل إلى 1,600 حرف
  • إضافة صورتك الشخصية أو التعبيرية
  • إضافة توقيعك الخاص على جميع مشاركاتك
  • العديد من الخصائص والتفضيلات
للتسجيل وحجز الاسم
إضغط هنا
للدخول إلى حسابك
إضغط هنا
الإخوة / متصفحي موقع الجبهة الثقافية لمواجهة العدوان وآثاره نحيطكم علماُ ان
  • اي تعليق يحتوي تجريح او إساءة إلى شخص او يدعو إلى الطائفية لن يتم نشره
  • أي تعليق يتجاوز 800 حرف سوف لن يتم إعتماده
  • يجب أن تكتب تعليقك خلال أقل من 60 دقيقة من الآن، مالم فلن يتم إعتماده.
اضف تعليقك
اسمك (مطلوب)
عنوان التعليق
المدينة
بريدك الإلكتروني
اضف تعليقك (مطلوب) الأحرف المتاحة: 800
التعليقات المنشورة في الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر عن رأي الموقع   
عودة إلى مقالات ضدّ العدوان
الأكثر قراءة منذ أسبوع
إسماعيل المحاقري
خيبة أمل صهيونية من فشل التحالف الأميركي في البحر الأحمر
إسماعيل المحاقري
الأكثر قراءة منذ 3 أيام
طه العامري
حكاية صمود وطن وشعب..!!
طه العامري
الأكثر قراءة منذ 24 ساعة
فضل فارس
شرف عظيم لنا أن قصفنا كما قصفت غزة
فضل فارس
مقالات ضدّ العدوان
د.حمود عبدالله الأهنومي
تعيُّد اليمنيين بعيد الولاية تاريخيا
د.حمود عبدالله الأهنومي
محمد أمين الحميري
تولي الإمام علي إحياءٌ للعودة الراشدة إلى القرآن
محمد أمين الحميري
عبدالله علي صبري
إلى بيروت .. سلام
عبدالله علي صبري
د.عبدالعزيز بن حبتور
فاضل الرُبيعي مفكراً ثورياً يعيد قراءة السرديات اللاهوتية حول تاريخ الحضارة السبئية – الحِمْيَرية اليمنية
د.عبدالعزيز بن حبتور
عبدالفتاح حيدرة
هل تفجيرات إيران وبيروت تمهيد لتدمير ميناء صافر..؟
عبدالفتاح حيدرة
عبدالملك سام
الغاية تبرر الخيانة!
عبدالملك سام
المزيد