|
باعتبارها أدواتٍ أمريكيةً وغربيةً تتقاسَمُ بعضُ دول الخليج أدوارَ التخريب والتدمير في الدول العربية، وتتجاوزُ ذلك الدورَ إلى التنفيذ والتمويل في نفس الوقت.
في ليبيا تقومُ قطر بدعم حكومة الوحدة الوطنية الليبية بينما تدعم الإمارات ميليشيات حفتر وعلى مدى سنوات طوال اقتتل الطرفان ودمّـرا ليبيا وسقط الآلاف من القتلى وأضعافهم من الجرحى والمشردين.
تكرّر السيناريو في بلدان عربية أُخرى، منها السودان الذي يعيش اليوم حرباً أهلية طاحنة طالت المؤسّسات العسكرية والمدنية وتوقفت؛ بسَببِها المستشفيات وانتشرت الجثث في الشوارع وحزم سكان العاصمة والمدن الأُخرى حقائبهم هرباً من جحيم الاقتتال، وأعلن القطاع الصحي عجزه عن استقبال المرضى والجرحى وانتشرت الأوبئة والأمراض وتوقفت الخدمات وانعدم الأمن، وأصبح صوت الرصاص والقذائف والطائرات هو البديل عن صوت العقلاء والوسطاء.
يستند الطرف الأول الذي يمثل الحكومة السودانية (البرهان) إلى دولة قطر بينما يعتمد الطرف الآخر المسمى قوات الدعم السريع (حميدتي) على الدعم الإماراتي ويستمر الفريقان في الدعم.. والاقتتال.
يشتهر السودان بمعادنه الثمينة والتي أهمها الذهب الذي تشرف على استخراجه والاستحواذ عليه دولة الإمارات الداعم الرئيس لحميدتي رجل الأعمال والقائد الميليشاوي، تلك الثروات مثلت “لعنة” على الشعب السوداني تسببت له في كُـلّ هذا الدمار والاقتتال.
وعند التساؤل عن الأسباب التي دعت لمثل هذه الحرب المدمّـرة لا نجد سبباً واضحًا يستحق سقوط هذه الضحايا وتحمل هذه الآلام والخوف والمآسي، ربما خلاف بين فريقين داخليين هو السبب، وربما كان بداية ذلك شرارة تم تضخيمها إعلامياً ودعمها من السعوديّة والإمارات.
في اليمن أريد لمثل هذا السيناريو أن يتحقّق، وأن يتحول إلى سودان يقتتل فيه أبناء اليمن تحت عناوين مختلفة سياسية أَو مذهبية أَو مناطقية، وقد حاولت كل من السعوديّة والإمارات إدارة عجلة القتال وتمويلها ومن ثم التفرج على أبناء اليمن يقتلون أنفسهم و”يدفن اليمن في الفوضى”.
لكن حكمة وتعقل القيادات الوطنية وخَاصَّة قيادة أنصار الله ومن أيد موقفهم حال دون ذلك، فبعد نجاح ثورة 21 سبتمبر 2014 سارع أنصار الله إلى قطع الطريق على أية محاولة للتخريب الخارجي وبادروا إلى عقد “اتّفاقية السلم والشراكة”، فقامت “دول الوصاية” بقيادة تحالف عدواني على اليمن منذ تسع سنوات مع حصار وحرب اقتصادية وإعلامية شرسة.
خلال سنوات العدوان أشعلت السعوديّة والإمارات عدة فتن داخل البلد أملاً في أن تستمر وتتحول إلى حرب أهلية طاحنة، مثل فتنة ديسمبر2017 وفتنة حجور 2019 وفتنة البيضاء 2020 والتي سقطت كلها بفضل وعي الشعب وحنكة القيادة المدركة لأهداف العدوان.
لم تكتف السعوديّة والإمارات بمحاولات الفتنة العسكرية، بل حاولت الدفع بالاختلالات الأمنية من خلال التحريض على التمرد وافتعال الإشكالات الأمنية والدفع بالمغرَّر بهم لإشعال الداخل، مستغلين الأوضاع الاقتصادية المفروضة على الشعب لتتحول إلى حرب أهلية تخفف عن دول العدوان كلفة المواجهة في جبهات الحدود التي ذاقت فيها مرارة الهزيمة على مدى ثماني سنوات.
لم تتوقف دول العدوان وأجهزتها الإعلامية وجيوشها الإلكترونية عن استغلال أي حدث وتوظيف كُـلّ قضية عابرة تحدث في المناطق الحرة لتحويلها إلى مادة إثارة ودعوة للخروج تستخف بها عقول البعض، ورغم كثرة تلك المحاولات إلا أنها كلها باءت بالفشل.
في الفترة الراهنة من “خفض التصعيد” واستمرار المفاوضات تسعى السعوديّة إلى افتعال أحداث أمنية وزعزعة الاستقرار لإفقاد صنعاء ورقة وحدة الصف الداخلي والاستقرار الأمني الذي يتطلبه أيُّ إنجاز تفاوضي، للضغط بها على صنعاء على طاولة المفاوضات، ولكن ذلك باء بالفشل وكان سقوط “مؤامرة العلم” أسرع من سقوط فتنة البيضاء التي قادها المغدور به ياسر العواضي قبل ما يقرب من أربع سنوات.
ما زال أمام اليمن الكثير من مؤامرات جيران السوء، ولا زال على الشعب أن يكون أكثر وعياً للتصدي لكل المؤامرات التي تسعى لتحويل اليمن إلى سودان آخر، ويفقد الأمن والاستقرار والسلم الاجتماعي الذي ينعم به في المناطق الحرة، ليتمكّن من تحرير بقية المحافظات المحتلّة، وإعادة الأمن والاستقرار إليها، وترميم النسيج المجتمعي بين أبناء الوطن الواحد، وتحت راية الجمهورية اليمنية الموحَّدة.
*نقلا عن : المسيرة
في الإثنين 02 أكتوبر-تشرين الأول 2023 09:50:30 م