|
عجت البلدان العربية خلال السنوات القليلة الماضية بالإحداث الكبيرة والمثيرة للتباين على مختلف المستويات وللخلاف بين مختلف الشرائح والفئات ولعل النصيب الأكبر من ذلك التباين والخلاف كان من حظ فئة المثقفين ،، تباينات في المبادئ والثوابت والايديولوجيات وخلافات في الرؤى والوسائل والأساليب.
وباعتبار أن المثقف جزء لا يتجزأ من مجتمعه ومكون معتبر من مكونات واقعه ،، يؤثر ويتأثر بمحيطه الوجداني والجغرافي ،، فمن الطبيعي جدا ان تعكس الأحداث والثورات والحروب آثارها الايجابية والسلبية على عقلية ونفسية المثقف .
للأسف الشديد تبلور ذلك الانعكاس أزمة حقيقية للمثقف العربي فتجاوزت التأثير في التفكير إلى التأثير على طريقة التفكير ومن التأثير على المشاعر إلى التأثير على الشعور بذاته.
وبلغت الأزمة الثقافية أوج حدتها في تحديد مسارات المثقف بين الاستهداء بمواقف الأعلام الكبار أو الانقياد للأدعياء الصغار ،، في تقييد خيارات المثقف بين المعية أو الضدية.
المتأمل في مواقف الأعلام الكبار من رواد الثقافة العربية أمثال الدكتور المقالح وموقفه من العدوان على اليمن وأدونيس وموقفه مما يحدث في سوريا يلاحظ البعد الأخلاقي والنفس الوطني والرؤية القيمية والنظرة المبادئية دون خضوع للابتزاز الإعلامي والدعائي والقناعات المهجنة بين المصلحة والايديولوجيا و الوليدة من سفاح السياسة الانتهازية بالدين المشوه.
عندما يحدد المقالح من هو العدو الذي يجب قتاله بأنه العدو الذي جاء لقتل وطنه حتى الملائكة ويغلق بوابة المبررات ومتاهة المنطق من مسببات ونتائج .. فهو عندئذ يحدد الثوابت التي لاخلاف عليها.
عندما يكتب المقالح ( الحرب وبكائية العام 2016) يحدد معالم الموقف الذي تفرضه الثقافة التي يمثلها كراهية الحرب لا المحاربين وعبثية القتل لا المقتولين ووحشية الدمار دون تفريق بين آلات الدمار .. يبكي الوطن بكل أجزائه بكل مكوناته بكل فئاته لا ينتقي ولا يتقمص دور القاضي .. يدعو إلى القيم ولا ينصب نفسه قيما عليها ولا يحصرها في طرف دون آخر.
وعندما يحدد ادونيس العدو يقول : إن وضع العرب اليوم هو أشبه بالكرة بين أقدام العالم وفي مثل هذا الوضع كل شيء ممكن ثم يشير إلى أن الهدف اليوم أصبح تهديم سوريا وليس تهديم النظام، وأن هناك تناقضات في السياسة الغربية تؤيد المتطرفين في سوريا وتضربهم في مكان آخر
أدونيس عندما يتحدث عن الخلاف يحدد ماهيته وأطرافه ولا يغلب طرفا على طرف ولا يبرئ هذا ويدين ذاك فيقول:
ليس هناك أي خلاف عقائدي بين السنة والشيعة، ومع ذلك تبدو الحرب بين الفريقين اليوم وكأنها الأساس الضروري لتقدم العرب.. إن جوهر الخلاف بين الشيعة والسنة هو خلاف سياسي ،، ثم يقول عن الذين يدعون أنهم يقومون بالثورة ويناضلون ضد الظلم والطغيان.. وما سماها باليقظة المفاجئة ذات الطابع غير الثوري هو المشكلة الحقيقة اليوم في سوريا.. (كنا في مشكلة النظام واليوم أصبحنا أمام مشكلة الثورة.. إذا كنت تسعى إلى بناء دولة حديثة فوسائلك يجب أن تكون منسجمة مع إقامة دولة حديثة)
ومن الجدير بالذكر ان أدونيس كان ومازال معارضا للنظام الحاكم في سوريا والمقالح لم يشغل اي منصب حكومي خارج المؤسسة الاكاديمية – استقال منها احتجاجا على نهب أراضي جامعة صنعاء – سوى مستشار ثقافي للرئاسة كمنصب شرفي ليس له بل لها.
وعلى النقيض تماما تقف شخصيتان فرضتا على الثقافة العربية في فترات سابقة هما خالد الرويشان من اليمن ورياض نعسان آغا من سوريا واللذان تدرجا في المواقع القيادية حتى صارا وزيرين في حكومات الأنظمة التي أعلنا الثورة عليها ولم يعتذرا عن اي منصب ولم يستقيلا حتى أقيلا !!!
مارسا خلال السنوات الماضية دور المنظر الثوري والمثقف المحارب والمناضل واستخدما كل ما يمكنهما استخدامه في الخطاب التحريضي والتغريري المبتذل .. ومثلا الاستبداد الفكري المطلق ،، على قاعدة ما أريكم إلا ما أرى ،، ومحوري الصراع بين خير مطلق يقف إلى جانبهما و شر مطلق يمثله كل من يعارضهما،، وتعنصرا إلى حدود لا تليق بمن لايقرأ ولا يكتب .. عنصرية البكاء العمياء فكم ظلا يتباكيان على دماء و لا يذرفان دمعة على دماء أخرى مهما كانت بريئة !!!
الوطن والوطنية عندهما ما يمثلانه والثقافة ما يحملانه والحق ما يعتقدانه والحرية ما يدعوان إليه والحقيقة ما يقولانه ويكتبانه وما خالفهما رجعية وطغيان وعبودية وانكسار وغبار.
لم يتعلما مما يدعيان الانتماء إليه ،، من الثقافة.. أنها ليست كتبا تقرأ ومعارف تحوى وحروفاً تكتب وكلمات تنطق ليست ما تختزنه الذاكرة من قصائد وروايات ومصنفات ونظريات لم يسترشدا إلى حقيقتها ويستهديا إلى طريقها بروادها المستبصرين وحداتها المتنورين لم ولن يدركا أن الثقافة قيم ومبادئ لا تتجزأ،، وروح وضمير،، ووطن وإنسان ،، وممارسات راقية ومواقف سامية بالإضافة إلى ما تحمله العقول .
في الخميس 02 أغسطس-آب 2018 12:23:13 م