خطورة الغفلة عن نعم الله
من هدي القرآن
من هدي القرآن

 

ولنعد أيضًا إلى آيات أخرى فيها كثير مما عرضه الله سبحانه وتعالى من نعمه على الناس. وكما قلنا سابقًا: بأن الحديث عن نعم الله هو يعطي أكثر من معنى، فهي في نفس الوقت من مظاهر تدبير الله سبحانه وتعالى لشؤون خلقه، من مظاهر رحمته بعباده، من مظاهر رعايته لعباده، من مظاهر حكمته، من مظاهر قدرته العجيبة، من مظاهر علمه الواسع، من مظاهر ملكه، أنه هو من يملك السموات والأرض وما بينهما، وهو رب هذا لعرش العظيم، لا يكاد ينتهي الكلام حول هذه الآيات التي سرد الله فيها كثيرًا من النعم التي على الإنسان؛ لأنها مهمة في كل مجال.

فمتى ما جئت تتحدث عنها باعتبارها من مظاهر رحمة الله، فما أوسع الحديث عنها. ومتى ما جئت تتحدث عنها باعتبارها من مظاهر حكمة الله فما أوسع الحديث عنها. وباعتبارها من مظاهر قدرة الله وعلمه بكل شيء ورعايته ولطفه فما أوسع الحديث عنها، وفي كل الأحوال ما أهم تذكر الإنسان لها، وما أعظم أهمية أن يتذكرها الإنسان لما تعطيه من دروس في كل هذه المجالات التي ترشد إليها، وتنبئ عنها فيما يتعلق بكمال الله سبحانه وتعالى.

يقول الله سبحانه وتعالى: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمن الرَّحِيمِ أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ من أَمْرِهِ عَلَى من يَشَاءُ من عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ} (النحل: 2)

هذا أول شيء، وأهم النعم نعمة الهداية بالنبوة بإرسال الأنبياء بإنزال الكتب، بالنسبة لنا نحن المسلمين إنزال القرآن والرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (النحل: 3) خلقها ليس لمجرد هواية أن يخلق، ممارسة هواية، لا، هو خلقها بالحق، هناك غاية مهمة مرتبطة بها {خَلَقَ الْإِنْسَانَ من نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ} (النحل: 4) خلقه من نطفة { من مَاءٍ مَهِينٍ} (السجدة: من الآية8) كما قال عنها في آية أخرى، فإذا هو عندما يكبر ويشتد ساعده، ويتمتع بكامل قوته يصبح خصيمًا لله، معاندًا متمردًا {مُبِينٌ} بيِّن الخصومة والعناد والتمرد.

أليس الإنسان ظلوم كفار؟ وعادة ينطلق الإنسان في أن يكون خصمًا لله تعالى، وهو في أوسع حالات التنعم بنعم الله تعالى، ما يتمتع به من قوة في بدنه، وما يتمتع به من نعم الله بين يديه، {كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} (العلق: 6ـ7)

فمتى ما توفرت له النعم، متى ما رأى نفسه يمتلك كامل قواه وبصحة جيدة ينطلق مخاصمًا لله، ينطلق معاندًا لله، وجاحدًا لله وكافرًا بالله، ورافضًا لدينه، {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} (ابراهيم: من الآية34) {قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ} (عبس: 17).

أحيانًا يكون أولئك الفقراء أقل طغيانًا، أقل ظلمًا، أقل تكبرًا، لا تزال لديهم كثير من مشاعر الحاجة إلى الله، والعودة إلى الله والطلب إلى الله سبحانه وتعالى، وبعضهم متى ما استغنى ورأى نفسه وهو ذلك الذي كان كثير الدعاء لله، وكثير الالتجاء إلى الله يوم كان ضعيفًا، يوم كان مريضًا، يوم كان مفتقرًا، ومتى ما استغنى، ومتى ما تمتع بكامل قوته انطلق خصمًا لله.

أليست حالة أن تكون متمتعًا بكامل قوتك البدنية، متمتعًا بنعم واسعة عليك هي الحال التي يجب أن تكون فيها أكثر عودة إلى الله وخشوعًا لله، وحياء من الله، وعبادة لله، أليس هذا هو الوضع الطبيعي لك؟ لو كنت تفهم.

كما كان نبي الله سليمان صاحب الدنيا الواسعة والملك العظيم، ذلك الذي يقول: {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} (النمل: من الآية19) هذا هو الوضع الصحيح ل من يمتلكون نعما مادية ومعنوية.

{وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ} (النحل: من الآية5) الأنعام هو اسم يطلق على الإبل والبقر والغنم بأصنافها {لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَ منافِعُ وَ منهَا تَأْكُلُونَ وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ} (النحل: 5 ـ6) أيضًا مظهر من المظاهر التي تسر الناس في حياتهم، منظر جميل يتمتعون به، هل أحد منكم شاهد هذا ال منظر، ولو زمان؟ يوم كانت القرى بعد أن تشرق الشمس على

الناس فيفتحون أبواب البيوت والأبواب التي يسمونها [الأحواش] التي للغنم فتخرج قطعان الغنم، منظر جميل.

أنا شاهدت هذا المنظر شاهدته قديمًا وأنا صغير، منظر رائع وجميل وقطعان الغنم من الضأن والمعز تتقدمها البقر وهي تسرح إلى المرعى، حركة القرية وأجواء القرية تكون جميلة جدًا، ربما كثير منكم لم يشاهد هذه المناظر.

{وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ} وأنتم تذهبون بها إلى المراعي ثم عندما تعودون بها من المراعى.

{وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ} (النحل: 7) رءوف بكم رحيم بكم، يهيئ لكم هذه الحيوانات المختلفة والمتعددة الفوائد والأغراض، وأنتم لا تملكون أن تسخروها لأنفسكم فسخرها لكم؛ لأنه رؤوف بكم، رحيم بكم.

{وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ} (النحل: 8) في الوقت الذي يجعل الله سبحانه وتعالى هذه الحيوانات مما يحقق لنا أغراضًا كثيرة عملية، يلحظ أيضًا بأن يكون شكلها، أن يكون مظهرها جميلًا، أن يكون جميلًا حتى جانب الزينة أن تكون مناظر جميلة، وحركات جميلة، حركات الأغنام، قطعان الأغنام ومنظرها وهي تسرح وهي تعود، الخيول البغال الحمير، أليست مناظر جميلة؟ حتى الجانب الفني أو جانب الجمال، جانب الجمال هو أيضًا مما هو ملحوظ داخل هذه النعم الإلهية. فتتمتع أعيننا، وأنفسنا ترتاح إلى هذه ال مناظر، في الوقت الذي كنا بحاجة إليها حتى ولو كانت قبيحة.

وتلاحظ هذه السنة الإلهية من الله سبحانه وتعالى في مختلف النعم التي الإنسان بحاجة إليها كيف يكون ملحوظ فيها جانب الجمال، الجانب الفني، الفواكه التي نأكلها، أليست أشكالها جميلة؟ وروائحها جميلة؟

لكن ـ احظ ـ بالنسبة لأهل النار كيف قال عن تلك الشجرة التي يأكلونها، شجرة الزقوم {إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ طَلْعُهَا ـ ثمارها ـ كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ} (الصافات: 64ـ65) قبيحة جدًا، فمنظرها بشع ومذاقها مر شديد المرارة، وساخن جدًا {كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ} (الدخان: 45).

لكن لاحظوا هنا في الدنيا الفواكه، الأشجار التي ثمارها من الأقوات الضرورية لنا، أليست جميلة؟ ما أجمل عندما تتطلع إلى مزارع الذرة أو مزارع البر والشعير أليس منظرا جميلا؟ مزارع البن مزارع القات، مزارع الموز وغيرها من الأشجار أليست مناظر جميلة؟

ثم تجد كل شيء مما هو نعمة علينا أيضا مرتبط أو مترافق معه جانب الجمال، أليست هذه رحمة من الله سبحانه وتعالى بنا؟ ولأنها نعمة أخرى أيضًا في حد ذاتها، نعمة أخرى من النعم الكبيرة. لو أنك إنسان هكذا تحتاج إلى الأكل إلى الشراب تحتاج إلى حيوانات أخرى تسخر لك ثم تجد كل شيء بشعًا أمامك أنت محتاج إلى أن تشبع بطنك فقوتك شكله بشع ومذاقه مر، لكن رغمًا عنك ستأكل من أجل أن تشبع بطنك، من أجل أن تستطيع أن تواصل حركتك في الحياة، أليس من الضروري أن يأكل الإنسان حتى وإن كان مذاقه مرًا؟ وإن كان غير سائغ؟ لا بد، لكن لا. الله سبحانه وتعالى يجعل شرابنا سائغًا ويجعل مذاقه جيدًا، وطعامنا كذلك سائغًا ومذاقه جيدًا، وشكله جميلا وفواكه جميلة وأذواقها سائغة ومناظرها جميلة.

{وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ} (النحل: من الآية8) مما أنتم بحاجة إليه، يخلق مالا تعلمون مما هو مسخر لكم، يخلق مالا تعلمون؛ لأنه على كل شيء قدير، وكم من المخلوقات الكثيرة التي لا تعلمونها خلقها الله سبحانه وتعالى.

{وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَ منهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} (النحل: 9) تأمل في هذه الآية عدد لنا جملة نعم، بدءًا من خلق السموات والأرض، و من خلقنا نحن، و من خلق الأنعام، بعد أن ذكر النعمة الكبرى، نعمة الهداية {يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ من أَمْرِهِ عَلَى من يَشَاءُ من عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ} (النحل: 2) وكأنه يقول لنا: أنا الذي أهدي، وأنا الذي يهمني أمركم، وأنا المتكفل برسم الخط الذي تسيرون عليه، خط الهداية فتهتدون به في حياتكم، وتهتدون به إلى ما فيه جنة ربكم كأنه يقول لنا هذا، وهو هو من له الحق في أن يهدي، وهو هو من لا يمكن أن يفرط في هدايته لعباده إذا كان هو الذي يرعاهم هذه الرعاية في شئون حياتهم.

{إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ} (النحل: من الآية7) عندما يخلق هذه الأنعام التي سخرها لكم أليس هذا يدل على أنه رؤوف رحيم بكم؟ فكيف يمكن أن يفرط في هدايتكم، في أن يرسم لكم خط الهداية الذي تسيرون عليه المتمثل بالكتب، والمتمثل بالرسل، المتمثل بالقرآن الكريم وبالرسول العظيم (صلوات الله عليه وعلى آله) هي أول نعمة منه، وهي النعمة التي تكفل بها، فإذا كنتم ترون في هذه النعم التي تشاهدونها من الأنعام وغيرها ما يدل على أن الله رؤوف ورحيم بكم، فتذكروا، وتأكدوا بأنه لا يمكن أن يفرط في مجال هدايتكم، وهو الذي نزل هذا القرآن بكله من أجل هدايتكم.

هو يقول لنا: أن نقطع على أنفسنا من منطلق الثقة به أن من رعانا هذه الرعاية في حياتنا بهذه النعم الواسعة التي لم ينس أن يلحظ فيها جانب الجمال لا يمكن أن يفرط في الهداية، لا يمكن أن يتركنا حائرين في هذه الدنيا، لا يمكن أن يضيعنا، إنه رؤوف رحيم، إنه رؤوف رحيم؛ ولهذا قال هنا في متوسط الآيات التي تحدث فيها عن النعم المادية يقول: {وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ} (النحل: من الآية9) عليه هو ليس إليكم هذا المجال.

هذه نعم مادية تتقلبون فيها على النحو الذي يطور الحياة، على النحو الذي هي مسخرة من أجله أو عليه، لكن فيما يتعلق بجانب الهداية لا تفهموا أنني عندما خلقت لكم هذه الأنعام وأنزلتها ـ كما قال: {وَأَنْزَلَ لَكُمْ من الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} (الزمر: من الآية6) ذكر أنه أنزلها: من الأنعام ثمانية أزواج ـ أنه فيما يتعلق بجانب التشريع، بجانب الهداية أنها أيضًا يقول: خذوا تفضلوا أنتم تحركوا كما تريدون فيه. لا. لا تنظروا إلى جانب الهداية كنظرتكم إلى جانب النعم؛ لأنه خلق لكم، أنزل لكم، منحكم، فأنتم تتحركون فيها فهذا يربي غنمًا، وهذا يربي بقرًا، وهذا يربي إبلًا، وهذا يربي كذا وكذا.

فيرى الناس أنفسهم أنهم يتصرفون فيها بحرية وكيفما يشاءون فينظرون إلى جانب الهداية على هذا النحو، لا، الله يقول: {وَعَلَى اللَّهِ} وحده {قَصْدُ السَّبِيلِ} أن يرسم الصراط المستقيم الذي تسيرون إليه، الصراط القاصد الذي يؤدي إلى الغاية المرجوة من وراء الهداية في هذه الدنيا، وفي الآخرة.

 

[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

 

دروس من هدي القرآن الكريم

معرفة الله – نعم الله – الدرس الخامس

ألقاها السيد/حسين بدرالدين الحوثي

بتاريخ: 22/1/2002م

اليمن – صعدة

 

*نقلا عن : موقع أنصار الله


في الأربعاء 11 أكتوبر-تشرين الأول 2023 11:43:57 م

تجد هذا المقال في الجبهة الثقافية لمواجهة العدوان وآثاره
http://cfca-ye.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://cfca-ye.com/articles.php?id=10294