|
لا نتحرك إلا بعد فوات الأوان أو بعد أن يكون التغيير مجرد حركة في الفراغ. كلٌّ منا يشعر في أعماق أعماقه بأنه معتدى عليه في رزقه واستقراره.
الواقع متسارع لا ينتظر أحداً، ونحن كأننا في شلل تام، أو كأنَّ الشلل محتوم علينا. الصراع مثل التاريخ لا يحتمل الفراغ، ويخضعنا بشكل يومي للتغيير واتخاذ كل الاحتياطات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فإن لم نستدركه الآن فلن نستدركه أبداً، وهو الحصار الحقيقي والمؤبد الذي لن ينتزعنا من سجنه أحد.
التغيير الجذري لا يُقرأ قراءة الطالع في فناجين القهوة، وإنما بتشخيصات الواقع الاجتماعي والوقائع والظروف الموضوعية، لفهم إطار الواقع والدوافع، وما حصل من تسيب وانفلات وفساد. وقد تكون المهمة الأصعب في عملية التغيير الجذري هي التخلص من المحاصصة الفاشلة في إدارة شؤون الجبهة الداخلية وارتباكنا الخانع المرتعد والهروب من عنفوان المشروع الثوري، هروبنا مما يجرى في المجتمع.
التغيير الجذري يشكل مفتاحاً لفهم مؤامرة لن تقتصر هزاتها العنيفة على الجبهة الداخلية فحسب، بل على المشروع الثوري من أساسه. التغيير الجذري ليس هدفاً بحد ذاته، وإنما وسيلة لتحقيق الأهداف الاجتماعية والسياسية لإنقاذ الأمة من العبث والفساد والمحسوبية والمحاصصة.
إن الخطوة الأساسية في التشكيل الحكومي القادم هي اعتماد تشكیل وزاري مؤهل بالكوادر العلمية من جميع فئات الشعب القادر على التغيير نحو الأفضل، تغيير الواقع الاجتماعي المأزوم والفساد الذي يكاد يكون مزمناً، والوجع الكلي والشامل، والتخلص أيضاً من التبريرات الواهية والمملة التي تضع المجتمع بين مطرقة الفساد وسندان العدوان والظلم والقهر الاجتماعي. وتلك هي الحالة التي تُبتلع فيها السكين على الحدين.
مرحلة الهدنة هي الكارثة المطبقة على رقاب العباد وعلى تراب الوطن، والتي لم تحل ولن تزول دون تصفية الحساب مع كل ذلك الركام المتعفن والمحسوبية. والخطوة الأولى للتغيير الجذري الذي نحتاج إليه هو الخروج من مرحلة المحاصصة البشعة، التي لا يمكن أن تكون النموذج الناجح للخروج من جميع الأزمات، فهي نموذج فاشل تماماً، ولا خيار أمامنا إلا التغيير الكامل والشامل، لأن المجتمع القاصر عن قراءة ذاته وعن مراجعة شروط وأسباب تعثر قدراته لا يقوى على جمع هذه القوى وتفعيل هذه القدرات في مشروع ثوري نهضوي.
نرى في بلادنا جواً مُحزناً وهدراً للطاقات والإمكانات. نسمع عن التغيير الجذري ضجيجاً ولا نرى طحيناً، ويبقى الحال كما هو عليه، «ديمة وخلفنا بابها»، وتظل المحاصصة!
تظافر الجهود الجماعية وتفاعلها ينتج عنه تراكم للمعارف يختلف بالنوع والوظيفة اختلافاً جذرياً عن الجهود الفردية والمعزولة مهما بلغت مواهب أصحابها. أما المحاصصة فكثيرة العثرات وغير مضمونة النتائج في إيصال أفضل القيادات والقدرات إلى موقع السلطة واتخاذ القرارات الصائبة وعدم إنجاز البنى التحتية الأساسية وعصرية الاقتصاد وبناء مؤسسات الدولة الحديثة.
المحاصصة أصبحت كارثة رغم أنها ما زالت تعشعش في عقول وقلوب بعض المجموعات، وذلك شرك لا سبيل للخروج منه إلا بثورة حقيقية وتفعيل المشروع الثوري.
* نقلا عن : لا ميديا
في الجمعة 13 أكتوبر-تشرين الأول 2023 09:14:36 م