|
قامت نظرية الأمن الصهيونية بطبيعة الأشياء وفقا للحاجة التي هي أم الاختراع، ولذلك أُسست على عامودين رئيسيين:
الأول: علاج الخلل الديموغرافي وقلة العدد وفقًا لمحيط معاد للصهاينة، وبالتالي تحويل الشعب كله إلى جيش مقاتل مع الحرص على امتلاك التفوق والأسلحة الفتاكة.
الثاني: علاج الخلل الجغرافي بامتلاك عمق صغير ومساحة جغرافية لا تقارن بمحيطها، وبالتالي السعي إلى نقل المعارك إلى أرض العدو وعدم السماح بانتقالها للداخل.
كما قامت على مبدئين رئيسيين أوصى بهما كبار رجال الأمن القومي وهما:
أولًا: الحرب الهجومية وعدم السماح بالوصول لإجراءات دفاعية.
ثانيًا: عدم السماح بطول فترة الحرب والاعتماد على الحروب الخاطفة حتى تتحملها الجبهة الداخلية.
ومع كل تطورات المعارك والأحداث التاريخية ومستجدات توازن القوى، والمد والجزر الثوريين، ظلت النظرية تتمحور حول هذه الأعمدة والمبادئ منذ الصياغات الأولية التي دشنها بن غوريون لهذه النظرية.
والمراقب لخطط محور المقاومة، يلمح جيدًا تطوير المسارات التي تخرق هذه النظرية مثل مسار تطوير الصواريخ الدقيقة والحرب الالكترونية بهدف تقليص الفجوة التكنولوجية واختراق العمق الصهيوني والوصول إليه وهو نوع من أنواع نقل المعركة للداخل الصهيوني.
وكذلك الحرص على امتلاك الأسلحة الهجومية وبناء ترسانة ضخمة من الأسلحة تسمح بالصمود وطول فترة المعارك واستنزاف العدو.
إلا أن التطور الجديد والذي حدث مع عملية طوفان الأقصى، قد يشكل نسفًا لنظرية الأمن الصهيوني بأكملها، حيث انتقلت المعركة مع العملية بشكل مباشر وعملي إلى العمق الصهيوني وبشكل هجومي أجبر العدو على ("الدفاع داخل عمقه") وبالتزامن مع ذلك، ارباك الجبهة الداخلية والاعتماد على وسائل استنزاف تطيل من أمد الحرب ولا تسمح للعدو بلملمة صفوفه والانقضاض لممارسة الحرب الخاطفة.
كل هذه الإجراءات التي فوجئ بها العدو نسفت نظرية الأمن لديه وهو ما تجلى في الارتباك والعصبية والتخبط، وتمثل بشكل أكبر وأكثر صراحة في الاعتراف الرسمي بأنه يعيش تهديدًا وجوديًا دفعه بالاستغاثة براعيه الأمريكي.
لعل الكثيرون يتذكرون ما قاله الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله في مقابلة تلفزيونية وهو يحمل خريطة فلسطين المحتلة، ردًا على تهديد الكيان المؤقت بإعادة لبنان للعصر الحجري.
حيث قال السيد نصر الله وهو يشرح على الخريطة أن جميع الأهداف الحيوية للكيان مركزة في شريط ضيق ساحلي تحت مرمى صواريخ المقاومة التي تطال كل بقعة في الكيان، وأن المقاومة لو قصفت جميع هذه الأهداف فإن العدو هو الذي سيعود للعصر الحجري.
بالفعل هو كيان أوهن من بيت العنكبوت لا يخجل من ممارسة الجرائم عوضًا عن المواجهة المباشرة والقتال كالرجال في مواجهة الرجال، ولا يخجل من التلويح بأنه أتى بأمريكا كي تحميه وبالاستقواء بحاملات طائراتها التي لا تخشاها المقاومة.
لقد اختارت المقاومة أن ترد على تهديدات أمريكا ورسائلها التي تبعث بها في الكواليس، ولكن بشكل علني وعلى الملأ وعبر بيانات رسمية، حيث قالت المقاومة أنها لا تخشى أمريكا ولا حاملات طائراتها وأن هذا التواجد الأمريكي لن يثني المقاومة عن القيام بواجبها ولن يؤثر على القرارات التي تتوافق مع تشخيص المقاومة للمصلحة.
الوضع الراهن هو وضع للفرز انكشفت فيه جميع الأنظمة التي قالت إنها طبعت أو هادنت لصالح القضية، وفرز للشعوب التي ترى إبادة جماعية لأشقائها في غزة، وفرز للنفوس الحرة التي يجب أن تهب مع هذا الطوفان المقاوم لغسل سنوات الهوان والمذلة التي تكّبر وتجبّر بها هذا الكيان الهش وقد فضحته هبة المقاومين.
لو أصرت امريكا على فرض هذا الكيان ودعمه في جرائمه والرهان على تصفية القضية، قد يكون لرئيسها مصير مشابه لمصير انطوني ايدن اخر رئيس وزراء للامبراطورية التي أفلت على ايدي المقاومة.
* نقلا عن :موقع العهد الإخباري
في الجمعة 13 أكتوبر-تشرين الأول 2023 09:35:12 م