وهكذا يضيع الفجر
مجاهد الصريمي
مجاهد الصريمي
كُفّ عن التحليق في فضاء من الأحلام الوردية، والأفكار المشبعة بالأوهام والخيالات، فأنت أولاً وأخيراً في ظل أمةٍ ماتت إنسانيتها، وباعت كرامتها، وتنازلت عن شرفها. أمة المليار والنصف وأكثر، ولكنها ليست بشيء، أمةٌ لاتزال القضية الفلسطينية تعريها في كل يوم على مدى أكثر من نصف قرن، أمةٌ أدمنت الذلة والاستكانة والعبودية، أمةٌ تدثرت بالخزي، وتجلببت بالصغار، أمةٌ لا خير فيها، بل هي الشر المطلق، والبلاء العظيم الذي ابتليت به الدنيا بأسرها.
نعم؛ ثمة أصواتٌ حرة، وضمائر حية، ورجال صادقون، آمنوا بالله، وعملوا على تأكيد إيمانهم ذاك من خلال اهتمامهم بقضايا الإنسان، فبادروا إلى تبني الدفاع عن حقه في العدل والحرية والعيش الكريم، باذلين أرواحهم في سبيل كل ذلك، ولكنهم ظلوا بفعل الجهل مغيبين عن الذهنية العامة، مبعدين عن ساحة البناء الفكري والثقافي والسياسي والاجتماعي وسواه، لكون الساحة اليوم محكومة بأفكار وقناعات وعقائد صهاينة العرب، ومسوخ الوهابية الإخونجية، وشراذم التتبيع والتطبيع من ممالك وإمارات ودويلات وأنظمة العار، الذين لم يتركوا شيئاً دون تبديل وتغيير وتزييف وتحريف وقلب وحذف وزيادة ونقصان وتشويه وتغييب ومحو وإلغاء، لدرجة أنك لو لم تكن منطلقا في تقييمك للواقع ونظرتك للأمور من منطلق ثقافة سليمة، وأفكار صحيحة، تورث وعياً حقيقياً، وتبني إرادة قوية وثابتة، وتدفع باتجاه اتخاذ الموقف الذي ينسجم والمبادئ والقيم والمعاني والأسس والمفاهيم التي تمليها على الذات العقيدة الإيمانية المتبناة من قبل الإسلام الأصيل؛ لأصبحت صهيونياً أشد بشاعة وجرماً من صهاينة اليهود، ولصرت أحقر بكثير من كل مسوخ وأراذل البشرية عبر تاريخها الطويل.
انظر فقط لما تقدمه هذه الأيام تلك القنوات الخليجية الإخبارية، في تغطيتها لمعركة «طوفان الأقصى»، كالجزيرة والعربية والإخبارية السعودية، وستعرف إلى أي حد وصل العرب في التسافل والانحطاط، فاليهودي الصهيوني المعتدي المحتل المجرم قتيل، والفلسطيني المدافع عن عرضه وأرضه وشرفه ودينه ومقدساته قتيلٌ أيضاً، والأدهى والأمر من ذلك هو أن تسعين بالمائة مما تقدمه تلك القنوات ولاسيما الجزيرة من مواد وبرامج معمولٌ خصيصاً لضرب الروح المعنوية لدى الفلسطيني أولاً، ولدى المشاهد العربي المسلم ثانياً، وللأسف فإن الإعلام المقاوم لايزال ضعيفاً للغاية في كل ما يطرحه من قضايا، ويتبناه من أفكار ومواقف، فهو وإن امتلك القضايا الحقة والعادلة؛ افتقر إلى الكيفيات والطرق والأساليب التي تضمن وصولها إلى أكبر قدرٍ ممكنٍ من الناس، وهكذا يضيع الفجر، وسط تزاحم الديكة التي تحول بكثرتها العشوائية التبشير بقدومه إلى مجرد ضجيج يرهق الأبدان، ويصم الأسماع.

* نقلا عن : لا ميديا


في الأحد 22 أكتوبر-تشرين الأول 2023 10:09:02 م

تجد هذا المقال في الجبهة الثقافية لمواجهة العدوان وآثاره
http://cfca-ye.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://cfca-ye.com/articles.php?id=10545