|
لطالما ظل العقل العربي المسلم أسيراً لقناعات باطلة، وأفكار خاطئة وثقافات مغلوطة، صنعتها كلها تلك الألغام والسموم التي غزت التراث الإسلامي، وصارت جزءا لا يتجزأ من المنظومة العقدية والأخلاقية التي تبني الشخصية المسلمة، وبات التفكير خارج نطاق دوائرها كفراً بواحا لمئات السنين، مع أنها من الإسرائيليات التي شوهت الإسلام، وقضت على فاعليته في الواقع وفي النفوس، وحولت أتباعه إلى مجرد أكوام من التماثيل والصور الجامدة التي لا معنى لها.
ولعل أخطر تلك الإسرائيليات هي المتعلقة بفلسطين وبيت المقدس، من مثل الحديث المنسوب ظلماً إلى رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله وسلم، والذي يقول: «لن تقوم الساعة حتى ينتصر المسلمون، وتنطق الشجر والحجر، وتقول: يا مسلم ها هو اليهودي ورائي تعال فاقتله».
وقد بقي هذا الحديث أول ما نتعلمه في مدارسنا، ليكون الأساس الذي ستُبنى عليه نظرتنا للقضية الفلسطينية، ولبيت المقدس، وللمسجد الأقصى في كل المراحل العمرية اللاحقة، وكلما شهدنا من مجازر وجرائم وتهجير وظلم بحق فلسطين والفلسطينيين عبر الزمن تبادر إلى ذهننا هذا الحديث، الذي كان وأشباهه ونظائره من الأحاديث والآثار والأخبار والقصص أهم المواد التي سوغت لتقبل الهزيمة أمام اليهود الصهاينة، وشرعنت للذل والاستسلام، وقادت معظم شعوب ومجتمعات الأمة نحو العجز وانعدام الوزن.
وهكذا عشنا ننتظر اللحظة التي ستتكلم فيها الأحجار والأشجار، وتأتي تزامناً معها تلك الفئة من المسلمين، الذين لم تطأ الأرضَ خيرٌ من أقدامهم الحافية، كعلامتين لا بد منهما لكي يصبح التحرك لفعل شيء من أجل تحرير فلسطين مجدياً، من هنا صرت أمقت كل ما يدعو للانتظار السلبي، ويبشرنا بالغد الذي لن يأتي أصلاً، لكوننا لم نفعل شيئاً من أجل مقدمه، كما بِتُّ أشكُ بمَن يدعي أن فلسطين قضيته الأولى والمركزية، ولم يفعل شيئاً لإثبات ذلك، على الرغم مما يراه اليوم من قتل وتدمير وإبادة لكل شيء في قطاع غزة.
والحقيقة؛ أن الواقع لم يعد يحتمل أكثر للبيانات والكلمات والخطابات والتصريحات والحماسيات الشعرية والنثرية والفنية، فالوقت وقت قتال وبذل وتضحيات، لا وقت جدال وعنتريات عبر وسائل الإعلام، وتاريخ وزمن عزة الإسلام والمسلمين المنشود لن يصنعه الساسة وتعقلاتهم وما يحددونه من حدود، ويضعونه من قيود، ويرسمونه من مسارات، ويفرضونه من معايير، ويقدمونه من أولويات وحلول وفرضيات ومعالجات، وإنما سيصنعه أولئك الذين يقودهم إيمانهم بالله إلى فعل كل ما يجب فعله، وإن كان خارج نطاق العقل، ومخالفا لقواعد وشروط المنطق، وضمن المستحيلات، لكونهم فوق العقل، وأسمى من المنطق.
* نقلا عن : لا ميديا
في الثلاثاء 24 أكتوبر-تشرين الأول 2023 08:26:28 م